دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ الجزء الثاني (لسعة نحلة في تانغا)

140828132519-06-world-war-ii-horizontal-large-gallery

|

خلفية تاريخية

مُنذ خمسة أشهر تغير شكل العالم، ولم يمض على اندلاع الحرب العالمية الأولى في يوليو (1914)، أو الحرب العظمى كما عُرفت وقتها، سوى خمسة أشهر كانت كفيلة بحصد ما يزيد عن المليون ضحية، وكانت الحرب قد بدأت برصاصة أطلقها طالب صربي متعصب على ولي عهد النمسا، فدخلت القوى الأوروبية الحرب وهي تظن أنها ستنتهي قبل عيد الميلاد، حققت القوات الألمانية في البداية نجاحًا سريعًا، ودفعت البلجيكيين، والإنجليز، والفرنسيين مسافةً كبيرةً إلى الوراء، هذا قبل أن تنجح القوات المتحالفة في إيقاف الزحف الألماني قبل (50) كيلو مترٍ فقط من باريس، وكانت هذه بداية حرب طويلة ومضنية في الخنادق على الجبهة الغربية، لكنها لما تكن آخر الجبهات في هذه الحرب.

كان معظم العالم في ذلك الوقت مقسمًا بين القوى الاستعمارية الأوروبية، وبطبيعة الحال، فقد جرّت تلك القوى مستعمراتها إلى الحرب بمجرد اندلاعها، وذلك على الرغم من أن تلك القوى نفسها كانت قد وقعت اتفاقية تتعهد فيها بعد مهاجمة مستعمرات الدول الأخرى في حالة نشوب حرب بينها، وهي الاتفاقية التي عُرفت بإسم «معاهدة الكونغو» سنة (1885) وفي تلك المرحلة؛ أصبح واضحًا لجميع الأطراف أن الحرب لن تنتهي بحلول عيد الميلاد كما كان متوقعًا، وأنها أصبحت حرب استنزاف طويلة المدى. لذا سعت بريطانيا -صاحبة أكبر امبراطورية استعمارية في العالم- إلى فتح جبهة جديدة في أفريقيا ضد ألمانيا، بهدف حرمان ألمانيا من أي دعم قد يأتي إليها من مستعمراتها في أفريقيا، وكانت ألمانيا على عكس باقي القوى الأوروبية الأخرى، قد دخلت متأخرةً إلى السباق الاستعماري، ونتيجة لهذا لم يكن نصيبها من الكعكة الاستعمارية، سوى بعض المناطق المتناثرة محدودة الأهمية في أفريقيا والمحيط الهندي، وكانت مستعمرة شرق أفريقيا الألمانية (German East Africa) التي ضمت أقاليم ما يعرف اليوم بتنزانيا، ورواندا، وبروندي، أشبه ببيقعة على خارطة أفريقيا التي تسيطر بريطانيا وفرنسا على معظمها، ولم يدرك الألمان ولا جنودهم الـ(800) في مدينة تانغا الساحلية الصغيرة أنهم على وشك أن يكونوا جزءًا في واحدةٍ من أغرب المعارك، ليس في الحرب العالمية الأولي فحسب؛ بل وفي التاريخ العسكري كله.

المقدمات

لم يكن خبر الغزو الوشيك للمستعمرة خافيًا على الألمان، فقد تلقوا تحذيرات مسبقة بهذا الخصوص من قبل بعض المتعاطفين مع الألمان في الهند، حيث تجمعت القوات البريطانية – الهندية استعدادًا للغزو، وكانت الأخبار التي تصل إلى الألمان في المستعمرة تفيد أن قوات إنجليزية كبيرة تتجمع في مرفئ مومباي، ويحمل جنودها على أمتعتهم لصاقات كُتب عليها «قوات الحملة الهندية، مومباسا، شرق أفريقيا»، ورغم أن المهمة كان من المفترض أن تكون سرية، لم تكف الصحف الإنجليزية بل والألمانية عن الكتابة عن الغزو الوشيك.

أُنيطت مهمة الغزو إلى الوحدات الهندية ضعيفة المستوى، حتى أن معظم جنودها لم يطلقوا رصاصة واحدة في حياتهم، وكان قوام تلك القوات هو ثمانية ألاف جندي هندي، جُمعوا على عجل في اللحظات الأخيرة، وكان معظم هؤلاء الجنود يتكلمون بلغات مختلفة، ويدينون بنصف دستة من الديانات المتباينة، وكان يقودهم ضباط بريطانيين لم يروا جنودهم من قبل، ولا يتكلمون حتى لغتهم (أو بمعنى أدق لُغاتهم)، وفوق كل هذا لم يكن أحد منهم؛ الضباط والجنود، قد وطأت قدمه أرض أفريقيا من قبل، يقود كل هؤلاء، الجنرال «أيتيكن»، وهو جنرال قليل الكفاءة، يثق في نفسه بشدة، وتنحصر كل خبرته الحربية، في ثلاثين عامًا قضاها في قمع الهنود، دون أن يخوض أي حرب حقيقية؛ وكان أيتيكن واثقًا أن المعركة ستكون عبارة عن «حملة بسيطة ضد مجموعة من الحُفاة السود، يقودهم ألمان جهلة» الذين سيلقون سلاحهم مع أول طلقة، ولن يكون عليه حينها، إلا اعتقالهم وسجنهم، ثم يعود إلى بيته قبل رأس السنة، وعندما أصدر أيتيكن أوامره بالتحرك، أخرت العواصف الشديدة إبحار السفن التي تُقل الجنود لمدة ستة عشر يومًا، ولم يوافق أيتيكن على السماح للجنود بالنزول من على السفن، فظل الآلاف منهم محشورين في كبائن السفن الحارة، حيث أصابتهم العواصف بالدوار والإسهال، وما زاد الطين بلة، أنهم لم يكفوا عن الشجار مع بعضهم طوال الوقت، كانت الأمور كلها تُشير إلى كارثة في الطريق، وكتب أحد الضباط البريطانيين في الحملة الآتي: «أرتعد عندما أفكر بما يمكن أن يحدث عندما نقابل مقاومة جدية».

الحدث (5 نوفمبر 1914)

كان مرفئ «دار السلام» وهو الميناء الرئيسي في مستعمرة شرق أفريقيا الألمانية، قد أُغلق مدخله بسبب غرق سفينة قديمة، ولم يبق للإنجليز خيار سوى الرسو في إحدى المينائين «ليندي» أو «تانغا»، وكان الألمان قد اتخذوا موقعًا استراتيجيًا بين المدينتين، يمكّنهم من الدفاع ضد أي اتجاه يأتي منه الهجوم، واختار الإنجليز تانغا. كانت «تانغا» مرفئ صغيرًا وعتيقًا على ساحل أفريقيا الشرقي، نجح المستعمرون الألمان في تحويلها إلى مدينة بروسية على ساحل أفريقيا الشرقي، كانت بيوتها الصغيرة ذات الأسقف البيضاء المنخفضة، تحيط بها حدائق صغيرة جيدة التنظيم، وفي وسطها، يقع مبنى مجلس المدينة، الذي تنتصب أمامه سارية طويلة، يرتفع عليها علم الامبراطورية الألمانية ثلاثي الألوان كل صباح، وعلى عكس الإنجليز، برع الألمان في استمالة السكان المحليين، حيث نجح حاكم المستعمرة البارون «فون تشيني» من إقامة سلام مع قبائل الداخل المحاربة، عند طريق توزيع الهدايا على زعماء تلك القبائل، وعندما وصل الكابتن «ف.و. كوفيلد» قائد إحدى السفن التي نقلت الجنود من الهند إلى المدينة، وجدها خاليةً إلا من محافظ المدينة الهِر «أوراتشر»، الذي حذّر القائد الإنجليزي من أن الميناء كله ملّغم ضد السفن، فجدف كوفيلد عائدًا إلى أيتيكن، وأخبره بما قاله له أوراتشر؛ فأمضى الإنجليز يومهم في البحث عن الألغام، قبل أن يكتشفوا أنها غير موجودة، فقد خدعهم المحافظ الألماني، واستغل الفرصة لكي ينظم دفاعات المدينة. غير أن الإنجليز ظلوا قلقين من احتمال وجود ألغام بالفعل في المرفئ، ورأى أيتيكن أن الأمر لا يستحق خسارة سفينة، فقرر إنزال قواته على بعد ميل من الشاطئ، فتبين أن مكان الإنزال كان في الواقع منطقة مستنقعات مليئة بالبعوض والأفاعي السامة، ولم يدرك الإنجليز ذلك إلا بعد نزول أول دفعة من جنودهم على الشاطئ. وبما أن الجنود الهنود لم يغادروا حتى قراهم قبل هذه الحملة؛ فقد كانت أعصابهم متوترة، وزاد توترها القصص المروعة التي سمعوها من البحارة عن أكلة لحوم البشر في أدغال أفريقيا، لذا فقد كانوا يتوقعون الموت وراء كل غصن شجرة، حتى أن بعضهم أطلق النار على ظلال رفاقه، متصورًا أنهم العدو.

ومع الفجر تبين مدى سوء منطقة الإنزال، ولكن بدلًا من تغييرها، أمر الجنرال أيتيكن، الذي كان متعجلًا لإنهاء الحملة قبل عيد الميلاد، بإنزال كل الإمدادات إلى الشاطئ ، وكان من بين هذه الإمدادات، دراجات نارية، أجهزة لاسلكي، معلبات، بالإضافة لملابس الاستعراض العسكري للنصر التي جلبها الضباط معهم، واستغرق الإنجليز يومين لكي ينقلوا كل هذه المعدات أخيرًا إلى الشاطئ، وكان يمكن للمعركة أن تبدأ أخيرًا.

ومن سوء حظ غرور أيتيكن، إنه كان على وشك أن يواجه أحد أبرع العقول التكتيكية في الحرب العالمية الأولى، وهو الكولونيل «بول فون ليتو فوربيك»، المعروف بـ«أسد أفريقيا»، والذي استطاع مع بعض المدرسيين الألمان، تدريب حوالي ألف جندي من المساعدين المحليين المعروفين «بالأسكاري»، واختارهم من بين أشرس القبائل المحاربة في المنطقة، دربهم جيدًا، وعلمهم كيف يكمنون للعدو ويستغلون أي ثغرة في صفوفه، وكان اختبار تخرج هؤلاء المقاتلين، هو إصابة هدف بدقة من على بعد خمسمئة متر، علاوة على ذلك كان هؤلاء الجنود متأقلمين مع الأفاعي، والأسود، والعقارب، وكانوا يعرفون كل شبر من هذه الأرض، بينما لم يمتلك الإنجليز إلا بعض الخرائط القديمة المأخوذة من أطلس مدرسي.

وعلى خلاف أيتيكن الذي لم يكن يؤمن بالاستطلاع، أرسل فوربيك أحد ضباطه متنكرًا في زي تاجر عربي ليستطلع الشاطئ، وبينما كان أيتيكن مشغولًا في إنزال قواته، كان فوربيك يعزز مواقع قواته، لقد أخفق الجنرال الإنجليزي أن القتال في أدغال أفريقيا يختلف عن القتال في الهند، ولم يدرك أن جغرافية المكان جعلت المرونة في الحركة شيئًا حتميًا، وأخيرًا أصدر الجنرال أيتيكن قرار الهجوم في (4) نوفمبر دون أي استطلاعات مسبقة، وأمر جنوده بأن يتقدموا على طول جبهة تقدر بألف ياردة، وكان ذلك أنهم سيضطرون إلى عبور مستنقع من أشجار المنجاروف الطويلة، وسيصل الماء والوحل إلى ركبهم، مما سيُعيق حركتهم. تقدمت قوات اللواء البنغالي ببطء، دون أن يجدوا أي شخص في مواجهتهم، حتى أن أحد الضباط الصغار المتحمسين لبلوغ المجد اعتقدوا أن الألمان قد هربوا، لكن الواقع كان غير ذلك، فقام ذلك الضابط مع زميلين له بتسلق تلة قريب من أجل رؤية أفضل، وما أن رفعوا رؤوسهم حتى كانوا قد سقطوا موتى، ومن لا مكان، سُمع صوت بوق، لكن الإنجليز لم يجدوا وقتًا للبحث أن مصدره، ففي الحال، برز من المستنقع صف من الجنود الأسكاريين الألمان، فبدوا كأشباح سوداء مخيفة، و اندفعوا تجاه الهنود وهم يطلقون صيحات الموت، أصيب الجنود بالذعر، وألقوا أسلحتهم وفروا هاربين، تاركين ضباطهم الإنجليز لمصيرهم، فمات معظمهم على يد الجنود الأفارقة، وحاول الكابتن الإنجليزي «مينيرتجاغن» وقف ذلك الذعر، فاستل أحد جنوده الهنود سيفه، مهددأ إياه كي يدعه يهرب، فأطلق مينيرتجاغن النار عليه.

أبرق العميد «تيجهي» قائد القوات الإنجليزية على الشاطئ، إلى الجنرال أيتيكن أنه يتعرض لهجوم ألفين إلى ثلاثة آلاف ألماني، في حين لم يتجاوز عددهم الحقيقي المئتين وخمسين، وأمر الجنرال أيتيكن الغاضب كل احتياطياته من الجنود بالنزول إلى الشاطئ المزدحم وإعادة الهجوم، كان فوربيك قد أقام خطًا دفاعيًا مرعبًا، يتكون من ساتر ترابي وضع خلفه جنوده، وقبله وضع أسلاكًا شائكًا مموهة بزهور ونباتات المستنقع، وكانت كل وحداته متصلة معه بهاتف ميداني، وشق الجنود الهنود طريقهم مرة أخرى وسط الوحل، متعثرين بجذور النباتات، وهم يعانون من الحر والعطش، بينما يقوم القناصة الأسكاريون من فوق قمم الأشجار، باصطياد الضباط الذين جاؤوا بملابس الاستعراض العسكري البارزة، ثم فتح الألمان نيران رشاشاتهم الآلية، ففتحوا ثغرات كبيرة في صفوف القوات المهاجمة، وكانت طليعة الجيش تنسحب، والمؤخرة لا تزال تتقدم، مما خلق فوضى كبيرة، وبدأ بعض المهاجمين في إطلاق النار على رفاقهم، ولم يتقدم سوى فريق رماة لانكشاير الشمالي، الذين قاتلوا بشجاعة كبيرة واستطاعوا الوصول إلى وسط البلدة وإنزال العلم الألماني ورفع علم بريطانيا، لكن الأسكاريين استجمعوا هم أيضًا شجاعتهم وهاجموا الإنجليز، فدارت معركة ضارية عبر البلدة، ولكنهم نجحوا في النهاية في طرد الإنجليز.

وكانت تلك هي اللحظة الحاسمة في المعركة، فقد كلف هذا الهجوم الأخير الأسكاريين كل ذخيرتهم، ولم يعد أمامهم إلا القتال بالحراب، كان بإمكان البريطانيين إحراز نصر حاسم في هذه اللحظة، لولا ما حدث في اللحظات التالية، حيث كان المستنقع محاطًا بأشجار ميتة، وكان السكان المحليون يستخدمونها لوضع خلايا للنحل، والنحل الأفريقي عدواني جدًا وكبير الحجم، وكان المحليين الذين يستسيغون طعم عسله اللاذع، يدهنون أجسامهم بطبقة كثيفة من الدهن، لكي يحموا أنفسهم من لسعاته المؤلمة. قد تكون بعض الطلقات قد أصابت تلك الخلايا، أو ربما أزعج إطلاق النار النحل، أيًا كان السبب فقد انطلق الآلاف من النحل الأفريقي الغاضب، بلسعاتها القاسية، تجاه الجنود المتقدمين من الجيش البريطاني، فسرت موجة ذعر هائلة وسط الجنود، لماذا لم يهاجم النحل الألمان؟ في الواقع ليس هناك تفسير واضح لذلك، قد يكون النحل قد انجذب إلى رائحة الهنود، كما تشم الكلاب رائحة الخوف، على أي حال، يمكن تخيل المشهد من على سطح سفينة القيادة؛ منظر المئات من الجنود يخرجون من الغابة، وقد ألقوا أسلحتهم، وانطلقوا يلوحون بأيديهم في الهواء، وهم يصرخون بذعر على الرغم من عدم وجود صوت لإطلاق النار، وقف أيتيكن على سطح سفينة القيادة وهو يراقب ذلك المشهد في ذهول، وعلى الأرجح أنه لم يسمع ما قاله أحد ضباطه عندما سأله «لقد هُزمنا مرة أخرى أيها الجنرال، فأي عمل بطولي قام به الألمان لكي يهزمونا؟!»، وكوفئ أحد الجنود البريطانيين بصليب الشجاعة العسكري، لأنه واصل إرسال برقياته رغم تعرضه لثلاثمئة لسعة، وكانت هذه أول مرة في التاريخ العسكري يمنح وسام الشجاعة في مواجهة هجوم جوي، غضب أيتيكن من جبن جنوده، فأمر مدفعيته بقصف المدينة، فسقطت القذيفة الأولى على مشفى محلي مكتظ بالجرحى البريطانيين، وسقطت معظم القذائف الأخرى فوق جنوده اللانكشاريين المنسحبين، وعندما وصل هؤلاء إلى الشواطئ أخيرًا، علق رقيب من مانشستر قائلًا «لا أهتم إن قصفني الألمان، ولكن أن تلسعني نحلة في إستي فهذا لا يحتمل».

عندما انتهت المعركة أخيرًا، أحصى الطرفان خسائرهما، فكانت خسائر الألمان سبعين رجلًا منهم خمسة وأربعين أسكاريًا، بينما خلف البريطانيون وراهم ما يزيد عن ثمانمئة قتيل، ومثلهم من الجرحى والمفقودين، وبعد المعركة توجه الأسطول إلى مومباسا وهو يحمل الجيش المهزوم، وهناك تلقى البريطانيون إهانتهم الأخيرة، حيث رفض مفتش الجمارك في المستعمرة البريطانية أن يسمح لسفينة أيتيكن بالدخول الميناء لأنها لم تدفع رسوم الرسو!

النتائج

صُدمت بريطانيا من نتيجة المعركة الأولى في أفريقيا، فكيف يمكن لمجموعة من المساعدين السود أن يلحقوا هذه الهزيمة النكراء بالحملة البريطانية القوية؟ وكما يحدث دائمًا في أوقات الهزائم الوطنية، كان لابد من إيجاد تبرير، وكما يحدث دائمًا أيضًا، كان التبرير بعيدًا تمامًا عن الحقيقة، فأتهمت صحيفة «التايمز» البريطانية الألمان باستخدام سلاحٍ سريٍ جديدٍ: أسراب نحل مدربة على القتال! لم يجرؤ أحد على الاعتراف أن الجنرال أيتيكن لم يكن الرجل المناسب لهذه المهمة، أو أن تكتيكات الجيش البريطاني النابوليونية قد عفا عليها الزمن، أو أن الجنود الأسكاريين الأفارقة كانوا شجعانًا ومدربين جيدًا، ولقد رُقيّ الكولونيل فوربيك إلى رتبة جنرال، بينما خُفّضت رتبة أيتكن إلى كولونيل، ورُبما كان هذا هو الشئ الوحيد الصحيح الذي فعله البريطانيون.

ولاحقًا وعندما حاول البريطانيون غزو المستعمرة الألمانية مرة أخرى، عن طريق إرسال قوات من جنوب أفريقيا، استطاع فوربيك بقوة قوامها (155) ضابطًا ألمانيًا، و(1200) إفريقي أسكاري، و(3000) حمّال، أن يلحقوا الهزيمة بـ(12000) من القوات البريطانية، لقد سمحت الأسلحة التي تركها البريطانيون على شواطئ تانجا للجنرال فوربيك بتكوين فوج جديد، وتزويده بالأسلحة البريطانية الحديثة، واستئناف القتال لأربع سنوات أخرى.

إلى هذه اللحظة يُعتبر الجنرال بول فون فوربيك أحد رواد تكتيك حرب العصابات، لقد حارب فورتيك وجنوده الأسكاريون حتى آخر يوم في المعركة دون هزيمة واحدة، ولم يستسلموا إلا بعد أن وُقعت الهدنة في (1918)، وسربُ نحلٍ غاضب كان هو العامل الحاسم في تانجا.

إعداد: محمد عزام

المصدر: دورتشميد،إريك، دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ، دار المدى للنشر، بيروت 2002 ، من 243 إلى 256.

رابط الجزء الأول :

https://www.egyres.com/articles/الوجه-الآخر-للتاريخ-قراءة-في-كتاب-دور/

#الباحثون_المصريون

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي