«ليس كل ما يلمع ذهبًا حقيقيًّا». ذهب الحمقى ما بين العصر القديم والحديث
يُعتبر ذهب الحمقى هو الاسم الشائع لكبريتيد الحديد (FeS2)، أو بيريت الحديد. يشتهر بقدرته على خداع عمال المناجم السُذج، وبقدرته على جعلهم يعتقدون بأنهم وصلوا إلى قطعٍ صخريةٍ غنيةٍ بالذهب. ويُعتبر معدن البيريت، الذي يشبه الذهب في شكله الخام مصدرًا للعديد من القصص حول هِبات الذهب التي تم منحها دون جدوى. لقد أبحر العديد من الرجال عبر المحيطات مع سفنٍ تزن أطنانًا من هذا المعدن اللامع، فقط ليكتشفوا عند وصولهم إلى منازلهم أنها بلا قيمة، وأن ليس كل ما يلمع ذهبًا حقيقيًّا.
نشأ مصطلح «ذهب الحمقى» فقط من حقيقة أن المنقبين في الغرب لم يكونوا مجهزين لفصل المادة الذهبية من الحجر التي كانت متأصلة فيه، كما أن اللون هو السمة المشتركة بين الذهب الحقيقي وذهب الحمقى. إلا أن بعض الخصائص البسيطة التي يمكن ملاحظتها مثل الكثافة (الفرق في وزن العينات ذات الحجم المتساوي)، أو اختبار كيميائي مباشر عن طريق التفاعل مع حمض النيتريك، ستكفي مع ذلك لتمييز الذهب الحقيقي عن ذهب الحمقى.
يتميز ذهب الحمقى بأنه أكثر صلابة وهشاشة من الذهب الحقيقي، في حين أن الذهب ناعم جدًا ويسهل تشكيله، بينما لا يمكن تشكيل البيريت.
تاريخ البيريت في العصور القديمة والحديثة
لقد تم ذكر ذهب الحمقى (بيريت الحديد) في النصوص العلمية المبكرة بالإضافة إلى العديد من الأدبيات، بداية من القوائم المسمارية البالغة من العمر 4000 عام والمكتوبة على الأقراص الطينية التي ينتجها السومريون. ثم وصفه الطبيب اليونانى بيدانيوس ديوسكورايدز كمُضافٍ مفيد في بعض الأدوية، وبذلك قدم وصلة رئيسية بين علم المعادن في العالم الكلاسيكي وعصر النهضة بأوروبا. وتكشف سجلات جابر ابن حيان أن البيريت، في أوائل العصور الوسطي لدولة فارس، تم استخدامه لتطوير سلسلة من الاستخدامات التكنولوجية الحديثة.
وبحلول القرن الحادي عشر، كتب أبي الريحان البيروني عن 100 معدن، وكان من بينهم البيريت. كما ذكره الرازي في كتابه الأسرار. بينما تم تصنيف البيريت للمرة الأولى على أنه يحتوي على فلز الحديد في عام 1682 من قبل مارتن ليستر، وهو طبيب إنجليزي.
دور ذهب الحمقى في الكشف عن الولايات المتحدة الأمريكية
لقد كان المستعمرون مدفوعين بالوعود بإيجاد الذهب، وكان لجون سميث له دورٌ هام في اكتشاف الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هدفه العثور على الذهب، وكان مقتنعًا بأن الذهب موجود في هذه المنطقة.
في يونيو 1607 وجدوا «منجم أمريكي أصلي» من رمل الطين مع بلورات ذهبية متلألئة. لم يكن هذا منجمًا، بل مجرد رواسب رسوبية. حمل كريستوفر نيوبورت حوالي 1100 طن من هذا الخام إلى إنجلترا في سوزان كونستانت لإجراء الفحص. تحولت البلورات الذهبية لتكون البيريت.
اضطر اكتشاف الذهب الاستعراضي (البيريت) إلى الانتظار حتى عام 1612، عندما بدأ جون رولف إنتاج التبغ وبيع أول تبغ فرجيني في إنجلترا عام 1614 مما أثار الهجرة الكبرى.
ذهب الحمقى والكشف عن الديناصورات
في عام 1878 حدثت اكتشافات مهمة في منجم للفحم في قرية صغيرة في برنيسارت في بلجيكا، فعُمال المنجم الذين كانوا ينقبون في طبقة من الفحم على عمقٍ يزيد عن 300 متر تحت سطح الأرض، ارتطمَتْ أدواتهم فجأةً بطفْلٍ في طبقة الفحم (طين ناعم صفائحي)، ثم ما لبثوا أن عثروا على ما بَدَا مثل قِطَعٍ كبيرةٍ من الخشب المتفحِّم، وقد جُمِعَت هذه القطع بشغف شديد، لأنها بَدتْ مليئَةً بالذهب! وعند فحصها عن قرب، اتضح أن هذا الخشب ما هو إلا عظام متحجرة تنتمي لديناصور الإجواندون، وأن الذهب ما هو إلا «ذهب الحمقى» (بيريت الحديد). فما اكتشفه عُمال المنجم بالمصادفة لم يكن ذهبًا، بل كنزًا دفينًا حقيقيًّا من هياكل مكتملة لديناصورات الإجواندون.
بعض استخدامات البيريت – ما بين العصر القديم والعصر الحديث
لقد لعبت مادة البيريت دورًا هامًا في التاريخ تحت ستار «ذهب الحمقى»، حيث إنها كانت مفيدة في تمكين العديد من جوانب ثقافتنا الحديثة وصناعتها، بينما غالبًا ما يُعد البيريت مادة يتم إغفالها اليوم. كما أن هذا المعدن المشرق (الكبريتيد المعدني) هو الأكثر وفرة في قشرة الأرض ويوفر تباينًا كيميائيًّا ملحوظًا للسليكات والأكاسيد التي تُشكِّل معظم الصخور.
لقد كان البيريت مصدرًا لكلٍّ من الفلزات والكبريت منذ العصور القديمة، والتي لعبت دورًا هامًا في حضارتنا. يتحلل المعدن بسهولة بالحرارة مع إنتاج غازات الكبريت وأكسيد الكبريت وبقايا غنية بالفلزات. كما أنه يتأكسد بسهولة في المياه لتشكيل صفائح حمراء وصفراء يمكن استخدامها كأصباغ. باختصار، إنه معدن استثنائي كانت فوائده متاحة بسهولة للمجتمعات البدائية وأدت إلى تطوير حضارتنا الحديثة.
في بداية العصر الحديث، كان البيريت ثمينًا لأسباب مختلفة جدًا لا علاقة لها بقشرته اللامعة: كان يُستخدم بدلًا من الصوان (حجر القداحة) لإشعال البارود في المسدسات الأسبانية، كما يُنتج البيريت مادة الورنيش الأخضر وأحيانًا بلورات خضراء ملحية، ويمكن طحن ذهب الحمقى وخلطه مع الماء ويُترك في الشمس لإنتاج حمض كبريتي (حمض الكبريتيك) الذي يستخدم بمثابة ترياق في الطب والعمليات الصناعية.
اعداد : منار حمدي مصطفى علي
تصميم: تسنيم عبد العزيز محرم
تحرير: تسنيم عبد العزيز محرم