ما هو رأس المال البشري؟

ما هو رأس المال البشري؟

شهدت فترة الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي ظهور أول الكتابات الاقتصادية عن مفهوم رأس المال البشري. عندما وضع الاقتصاديان جاري بيكر (Gary Becker) وثيودور شولتز (Theodore Schultz) من جامعة شيكاغو -والحاصلان على جائزة نوبل- نظرية رأس المَال البشريّ (theory of human capital)، تمحورت النظرية حول اعتبار الاستثمار في رأس المَال البشريّ -كأحد عناصر الإنتاج- لا يختلف بتاتًا عن الاستثمار في شراء الآلات والمعدات، فكلاهما ينتج عنه زيادة في العائد ويترتب عليه زيادة في الإنتاج.
وعلى الرغم من اعتبار رأس المال البشري مدخلًا غير مادي -كالآلات- يدخل على عملية الإنتاج باستخدام قدراته العضليّة أو العقليّة فقط، إلا أن الإنفاق على تحسين قدراته وتدريبه وتطويره لها أثر إيجابي على الاقتصاد، بحيث لا يمكن فصل هذه النتائج عن الأفراد المستهدفين منها، وبذلك تتزايد قيمة أعمال الأفراد، مما يعني زيادة في تراكم رأس المال البشري في الاقتصاد، بحيث يمكن اعتبار الاستثمار في رأس المَال البشريّ ذو مردود اقتصادي شأنه شأن الاستثمار في المدخلات المادية كالآلات والمعدات.

تعريف رأس المال البشريّ

رأس المال البشري هو عبارة عن القيمة الاقتصادية الناتجة عن تحسين قدرات الأفراد العاملين في الاقتصاد، والتي تؤدي إلى زيادة المستوى العام لإنتاجية الفرد، والحاصلة نتيجة عن الاستثمار في التعليم والتدريب والتطوير المستمر.
ميّز بيكر وشولتز في نظريّتهما عن رأس المال البشريّ بين نوعين من رأس المال البشريّ، هما:

1- رأس المَال البشريّ الخاص والذي يتم فيه تدريب العاملين وتطوير مهارتهم الخاصة بأعمال المؤسسة التي يعملون بها، ولا يمكن تعميم الاستفادة منه لبقية مؤسسات المجتمع.
2- رأس المَال البشريّ العام، والذي يتضمن تدريب العاملين وتطوير مهاراتهم على أعمال عامة، يمكن الاستفادة منها في تنفيذ أعمال أيّة مؤسسة مهما كان طبيعة نشاطها.

توصل بيكر وشولتز أيضًا إلى أن المؤسسات تميل إلى استثمار رأس المال البشريّ الخاص بأعمالها فقط، بينما يتولى الأفراد الاستثمار في الحصول على المهارات العامة التي تؤهلهم للعمل في أيّة مؤسسة.

أنواع رأس المال البشريّ

يشمل الاستثمار في رأس المال البشريّ الإنفاق على أي مجال يساهم في تحسين وتطوير قدرات العاملين في الاقتصاد، والتي يجب أن تنعكس عليهم بزيادة انتاجيتهم كمًّا، بالإضافة إلى زيادة جودة عملهم. إلا أن هناك بعض الصعوبات في قياس القيمة النهائية لمدى الاستفادة من التدريب والتطوير، ؤذلك لصعوبة فصل العنصر البشري عن محتوى التدريب. لذلك يتم استخدام مدى تطوّر أداء العاملين ومدى انعكاسه على إنتاجيته كأحد مؤشرات قياس الاستثمار في رأس المال البشريّ.
ولكن بشكل عام، هناك مجموعة من المجالات تعتبر من مكوّنات الاستثمار في رأس المال البشريّ، كالإنفاق على تحسين التعليم والصحة وتحقيق الرفاهية وتنمية الالتزام وزيادة مهارات الاتصال وامتلاك فن في التعامل مع الأفراد ومهارة حل المشكلات بالإضافة إلى التدريب الخاص بالعمل، وغيرها من المجالات التي تعمل على تحسين أداء قوة العمل، بما يمكّنهم من القيام بأعمالهم على أحسن وجه، ويساهم في زيادة كفاءتهم وإنتاجيتهم، والذي يؤدي في النهاية إلى زيادة الدخل الكلي على مستوى الاقتصاد.

رأس المال البشري والتعليم

ركز بيكر في نظريته على أهمية التعليم، وأشار إلى أن التعليم يتضمن تكلفة مادية كما أنه يستغرق وقتًا، ويجب أن يكون العائد من التعليم أكبر من تكلفته حتى يعتبر أنه استثمار. كما أن التعليم يتضمن تضحية بأمور يمكن القيام بها كالسفر والالتحاق بوظيفة سهلة أو إنجاب أطفال، لذلك يجب أن يكون للتعليم مردودٌ أكبر يعوّض بعض هذه التضحيات. نظرية بيكر تضمن شرحًا مفصلًا لفوائد التعليم ونتائجه الإيجابية على الأفراد والشركات والدول.

التعبئة الاقتصادية ورأس المال البشري

يؤدي الإنفاق على الاستثمار في رأس المَال البشريّ إلى التعبئة الاقتصادية وزيادة الفوائد الاقتصادية التي تعود على جميع المشاركين فيه، بدءًا بالأفراد ومرورًا بالمؤسسات المشاركة وصولًا إلى الاقتصاد بأجمعه، حيث أن زيادة دخول الأفراد تؤدي إلى زيادة الثروة، ومن ثم زيادة الاستهلاك وتعميم الفائدة على جميع قطاعات المجتمع.
كما أن الأجور المرتبطة بالوظائف التي تتطلب مستوىً تعليميًا عاليًا أعلى بكثير من الوظائف والأعمال التي تتطلب مجهودًا عضليًا. ففي العام 2019 أُجريت دراسة أمريكية هدفها تحديد أثر التعليم على مستوى دخول العائلات، وتوصلت إلى أن متوسط دخول العائلات الحاصلة على شهادة جامعية هو 95700 دولار، وهو معدل أعلى بكثير من متوسط دخل العائلات الحاصلة على شهادة الثانوية، الذي هو 45800 دولار فقط. توصلت الدراسة أيضًا إلى أن قدرة العائلات الجامعية على الاستهلاك والادخار أعلى بكتير من العائلات غير الجامعية، كما أن قدراتهم على الادخار واكتساب الثروة أعلى، مما يدل على أن للتعليم -كأحد أشكال الاستثمار في رأس المال- أثرًا محوريًا على تعبئة الاقتصاد.
بالإضافة إلى الأثر السابق، يؤثر المستوى التعليمي للآباء بشكل آخر غير مباشر، إذ أن ارتفاع دخول هذه الأسر سيعطي الأبناء فرصًا أفضل في الحصول على مستوى تعلمي أعلى من أقرانهم في العائلات غير الجامعية ذات الدخل الأكثر انخفاضًا، مما يعني قدرتهم في الحصول على دخل أعلى في المستقبل، وإمكانية تكوين ثروات أعلى مما يساهم في تعبئة الاقتصاد في المستقبل. كما أشارت الدراسة الأمريكية إلى أن هناك فروقًا كبيرةً في التصنيف الاجتماعي لمراكز أبناء العائلات الجامعية مقارنة بأبناء العائلات غير الجامعية من حيث مستويات الثروة لمصلحة أبناء العائلات الجامعية.

خاتمة

خلاصة القول أن الاستثمار في رأس المَال البشريّ من خلال الإنفاق على التعليم والتدريب له أثر إيجابي على قدرات العاملين، كما أن له أثرًا كبيرًا على القيمة الاقتصادية الكلية للمجتمع. ركزت نظرية بيكر أيضًا على ضرورة تطوير رأس المال البشريّ شأنه شأن الاستثمار في الآلات والمعدات، فكلاهما له مردودٌ اقتصاديٌ لا يستهان به. لذلك هناك العديد من البرامج التنموية التي تركز على الإنفاق على التعليم بهدف الاستثمار في رأس المَال البشريّ، لتحسين مستويات الأداء الاقتصادي.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي