رحلة عبر الجسيمات…مم يتكون العالم؟

fig-23-06-2018_08-24-46

جسيمات،بوزونات،فرميونات،كواركات،لبتونات،جسيم،بوزون،فرميون،كوارك،لبتون،فيزياء|مم يتكون العالم؟ رحلة عبر الجسيمات|مم يتكون العالم؟ رحلة عبر الجسيمات|مم يتكون العالم؟ رحلة عبر الجسيمات|مم يتكون العالم؟ رحلة عبر الجسيمات

انظر حولك، تأمّل الأشياء المحيطة بك ثم انظر لنفسك وفكر: ممَّ يتكون كل هذا؟

كان هذا السؤال مُؤَرقًا للعلماء، بل والفلاسفة من قبلهم، فقديمًا اعتقدوا أنّ كل شيء في ذلك الوجود مُكَوَّن من أربعة عناصر فقط: الماء والنار والهواء والتراب، واعتقدوا أنَّ كل مادة تختلف عن الأخرى لاختلافها في نسب تلك العناصر، حتى أنَّهم ظنوا أنَّه يُمكن تحويل الحديد إلى ذهب بإضافة بعض الماء أو التراب(1).

لا تتعجب؛ فلمْ يكن لديهم ما لدينا الآن من العلم حتى يدركوا سذاجة فكرتهم، ولكن كان هناك من أخذ الأمر بمنطقية أكثر بالرغم من أنّه جاء قبلهم بمئات السنين؛ ففي عام 300 ق.م فكر الفيلسوف ديموقراطيس أنّ المادة -أي مادة- يمكن تقسيمها إلى أجزاءٍ أصغر كما يمكن أنْ يتم تقسيم هذه الأجزاء إلى أجزاء أصغر والتي يمكن تقسيمها بدورها، ويمكننا الاستمرار في التقسيم لكن لابد من نقطة ينتهي عندها، ولذلك اعتقد ديموقراطيس أنَّ التقسيم ينتهي بجزء لا يقبل الانقسام، هو أصغر وحدة تتكون منها المواد وعلى أساس ذلك أطلق عليها لفظ (atom) أي الذي لا ينقسم(2).

من هنا جاءت فكرة الذرة (atom) ولكن هل الذرة غير قابلة للانقسام فعلًا؟ بالطبع لا؛ فكلنا يعلم أنَّ الذرة تتكون من نواة يدور حولها إلكترون أو أكثر، فضلًا عن تفاعلات الانشطار النووي التي تخبرنا أن حتى النواة قابلة للانقسام، ومع ذلك ظلت التسمية كما هي…ثم توالت مجهودات علماء مثل بور وهايزنبرج وغيرهما لوضع نماذج للذرة وأجريت التجارب لمعرفة ما تتكون منه، واستمر تكبير الصورة للبحث عن ذلك الجزء الغير قابل للانقسام؛ لفهم أفضل لما يتكون منه هذا العالم، حتى توصلنا حديثًا إلى ما يسمى النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات الذي أشرنا إليه في المقال السابق.

النموذج المعياري للجسيمات (the standard model of particles)

حسنًا، إن كنت تظن أننا وجدنا جسيمًا واحدًا أساسيًا غير قابل للانقسام؛ فيؤسفني أن أخبرك أنَّهم في الواقع 17 جسيمًا أوليًا يُشكلون كل ما ترى: أنا وأنت وأرضنا هذه وما تحمل عليها، ويتم تصنيف هذه الجسيمات دون الذرية -كما بالصورة- إلى(3):

  1. الفرميونات: وهي الجسيمات التي عند تجمعها تكون المواد مثل قوالب الطوب.
  2. البوزونات: هي التي تمكن الفرميونات من التفاعل مع بعضها البعض مثل الأسمنت الذي يلصق قوالب الطوب ببعضها كي تُكون الحائط.

جسيمات،بوزونات،فرميونات،كواركات،لبتونات،جسيم،بوزون،فرميون،كوارك،لبتون،فيزياء
صورة توضح النموذج المعياري للجسيمات وتصنيفها.

الفرميونات (fermions)

هي الجسيمات الأولية التي تكون الذرات وكل المادة المحيطة بنا، وعددهم 12 جسيمًا وتتميز الفرميونات بأنها يطبق عليها مبدأ باولي للاستبعاد، الذي ينص على أنَّه يستحيل أن يكون هناك جسيمان لهما نفس الحالة في نفس الزمن ونفس المكان، لذلك -على مقياس أكبر- لا يمكن لك أن تعبر خلال الجدار، بصيغة أخرى لا يوجد جسيمين لهما نفس أعداد الكم الأربعة، كما أنَّ تلك الجسيمات تتميز بدوران مغزلي حول محورها ويوصف بعدد كم مغزلي (s) يأخذ قيمة النصف ومضاعفاته (1/2، 3/2، 5/2…وهكذا)، وتتوزع الفرميونات في مجموعتين يضم كل منها ستة جسيمات:

الكواركات (Quarks)

ستة جسيمات أولية هامة؛ لأنها المسؤولة عن تكوين النواة، تتميز أن شحنتها ليست عددًا صحيحًا من وحدة القياس (ev)، بل كسرًا وترتب في ثلاثة أزواج حسب الوزن وهي(4):

  • علوي/سفلي (up/down)

هي الجسيمات الأقل وزنًا والأكثر استقرارًا، وهي التي تكون البروتونات والنيترونات، حيثُ أنَّ البروتون يتكون من كواركين علويين وكوارك سفلي، بينما يتكون النيوترون من كواركين سفليين وكوارك علوي، ويختلف الكوارك العلوي عن السفلي في كتلتيهما كما في شحنتهما أيضًا؛ فتبلغ قيمة شحنة العلوي +2/3 بينما السفلي -1/3 ev، وبذلك إذا قمت بحساب شحنة البروتون ستجدها +1 ev بينما شحنة النيترون صفر(متعادل) كما نعلم جميعًا.

  • ساحر/ غريب (charm/strange)

هذا الزوج أكبر وزنًا وأقل استقرارًا عن الزوج السابق، لكن له نفس الشحنتين حيث تبلغ شحنة الكوارك الساحر +2/3 بينما الغريب -1/3 ev.

  • قمي/ قاعي (top/bottom)

الكوارك القمي هو الأثقل بين الكواركات فيبلغ وزنه 173.1Mev وشحنته +2/3 ev، أمّا القاعي فشحنته -1/3 ev.

جسيمات،بوزونات،فرميونات،كواركات،لبتونات،جسيم،بوزون،فرميون،كوارك،لبتون،فيزياء
رسم يوضح أنواع الكواركات.

الكواركات كائنات اجتماعبة للغاية؛ لا توجد منفردة لكنها دائمًا توجد في ثنائيات تُسمى ميزونات (mesons) أو ثلاثيات تسمى باريونات (baryons)، وتعتبر البروتونات والنيترونات من الباريونات، ويطلق على كل ما ذكرنا من كواركات وميزونات وباريونات لفظ هادرونات (hadrons).
بالطبع لاحظت أن أسماء الكواركات غريبة حتى لفظ «كوارك» نفسه غريب، لكن ليس هذا كل شيء؛ فلكل كوارك نكهة (flavor) ولون (color)، بالطبع لا نعني هنا نكهة نتذوقها بل يقصد بها نوع الكوارك سواء كان علويًا أو سفليًا…إلخ، وكذلك اللون لا نعني به شيئًا يُرى لكنه يصف ارتباط الكواركات مع بعضها؛ فكل كوارك إمّا أن يكون أحمر أو أخضر أو أزرق (ألوان الضوء الأساسية)، وحين يرتبط الكوارك بآخر فإن ذلك يحدث بنفس الطريقة التي تتجمع بها تلك الألوان كي تعطي الضوء الأبيض مثلًا: الباريونات يجب أن تحتوي على كوارك أخضر وآخر أزرق وآخر أحمر كي يكون الباريون عديم اللون متعادلًا، وكذلك الميزونات يجب أن تحتوي على كوارك بلونٍ ما وكوارك مضاد باللون المتمم له كي تصبح متعادلة كما هو موضح بالصورة الآتية.

جسيمات،بوزونات،فرميونات،كواركات،لبتونات،جسيم،بوزون،فرميون،كوارك،لبتون،فيزياء
صورة توضح خاصية اللون عن طريق ارتباط الكواركات لتكوين البروتونات والنيترونات المصدر.

أظنك الآن أكثر فهمًا لما يوجد داخل النواة، لكن ماذا عن الإلكترونات؟

اللبتونات (leptons)

هي القسم الثاني في عائلة الفرميونات وتضم ستة جسيمات أخرى لكل منها نكهة أيضًا، وعلى عكس الكواركات فإنَّ اللبتونات أخف كثيرًا من الكواركات ولا ترتبط ببعضها بل تحب أن تظل منفردة، كما أنَّ شحنتها عدد صحيح (0، -1) ev، وتوزع الجسيمات الستة أيضًا على ثلاث عائلات، كل عائلة تتكون من جسيم والنيوترينو المقابل له، وكل عائلة لها رقم خاص مسمى باسمها كالآتي(3):

  1. إلكترون/ نيوترينو إلكترون (electron/ electron neutrino)
  2. ميون/ نيوترينو ميون (muon/ muon neutrino)
  3. تاو/ نيوترينو تاو (tau/ tau neutrino)

الإلكترون هو ذلك الصغير الذي يدور حول النواة شحنته -1 ev، لاحظ أنَّ النواة تتكون من عدة جسيمات أوليّة، أما الإلكترون فهو جسيم أولي بذاته؛ لذلك نسمع عن تفاعلات انشطار النواة بينما لا نسمع عن انشطار الإلكترون، أمّا الميون والتاو فهما أيضًا سالبا الشحنة كالإلكترون لكن أثقل منه؛ ولذلك من الصعب إيجادهما في الطبيعة إذ أنهما لا يلبثان أن ينحلا إلى لبتونات أكثر استقرارًا.
أمّا النيوترينو فهي جسيمات مميزة للغاية؛ لأنها عديمة الكتلة لذلك تسير بسرعة الضوء، كما أنّها غير مشحونة لذلك لها قدرة عالية على اختراق المواد، في الواقع هناك ملايين من جسيمات النيوترينو قد اخترقتك بالفعل أثناء قراءتك هذا المقال…يظهر النيوترينو بأحد أنواعه الثلاثة أثناء تفاعلات الانحلال، ولا فرق بين نوع وآخر إلا في العائلة التي ينتمي إليها والرقم الخاص بها.

ظل العلماء لفترة طويلة يعتقدون أن النيوترينو جسيم عديم الكتلة، ولكن الأبحاث والتجارب أثبتت أنّه ليس عديم الكتلة ولكن له كتلة صغيرة للغاية وحصلت التجارب التي أثبتت أن للنيوترينو كتلة على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2015.

أنت الآن على علم بالجسيمات الأولية المكونة لكل شيء أمامك، كل شيء حرفيًا -تراه أو لا تراه- مكون من بعض هذه الجسيمات الاثني عشر، لكن لماذا لا يكون الكون عبارة عن حساء من هذه الجسيمات دون أي تجمع أو نظام؟ لماذا تتحد عدة كواركات لتكون النواة؟ لماذا يدور الإلكترون حول النواة ليُكون الذرة؟ ولماذا كل شيء تقريبا؟ هنا يأتي دور القسم الثاني من عائلة الجسيمات (البوزونات)…

البوزونات (bosons)

هي خمسة جسيمات أخرى مختلفة عن الفرميونات، لا تكون المادة بذاتها ولكنها هي التي تحكم التفاعلات بين الفرميونات وبعضها وهي الوسيط الذي يسمح بتأثير القوى المختلفة على الجسيمات من خلال تبادلها،
على عكس الفرميونات، فإن الدوران المغزلي للبوزونات عدد صحيح (0، 1)، كما أنَّها لا تخضع لمبدأ باولي للاستبعاد فلا مشكلة على الإطلاق أن يكون هناك بوزونان لهما نفس أعداد الكم الأربعة.
أربع أنواع من البوزونات تسمى البوزونات المعيارية (guage bosons) مسؤولة عن هذه التفاعلات وتأثير القوى على الجسيمات وهم:

الفوتون (photon)

جسيم عديم الكتلة غير مشحون يحمل القوى الكهرومغناطيسية ويتحكم في أي تفاعل بين الجسيمات المشحونة وبعضها؛ حينما يتنافر إلكترونان فالسبب فوتون وحين يدور إلكترون حول النواة فالسبب فوتون أيضًا، بل حتى عندما ترتبط ذرة بأخرى لتكون جزيئًا فهناك فوتون(5).

جلوون (gluon)

هي ثمان جسيمات ملونة –بالطبع لا نعني لونًا نراه ولكن هي مسمى لخاصية مثل الكواركات ولكن بطريقة أكثر تعقيدًا- تحمل القوى النووية القوية وتتحكم في التفاعلات بين الجسيمات الملونة؛ ولذلك يقع نطاق عملها على الكواركات فحسب؛ لأنها الجسيمات الوحيدة التي تمتلك خاصية اللون؛ فهي المسؤولة عن ضم الكواركات مع بعضها لتكوين البروتونات والنيترونات، وهي أيضًا التي تربط البروتونات والنيترونات ببعضها داخل النواة، وتَحُول دون تنافر البروتونات بفعل شحنتها المتماثلة، ولو اختفت الجليونات لتحللت كل الأنوية فورًا.

 البوزونان Wو W&Z bosons) Z)

هما جسيمان لهما كتلة ويحملان القوى النووية الضعيفة، أحدهما مشحون (+1/-1) وهو البوزون W لكن البوزون Z عديم الشحنة، والتبادل بين هذين البوزونين هو ما يحدث أثناء التفاعلات بين النكهات (الأنواع) للجسيمات مثل تفاعلات الانحلال حين يتحول جسيم غير مستقر إلى جسيمات أكثر استقرارًا.

جسيمات،بوزونات،فرميونات،كواركات،لبتونات،جسيم،بوزون،فرميون،كوارك،لبتون،فيزياء
صورة توضح البوزونات المعيارية ودورها في التفاعل بين الفرميونات.

بوزون هيجز (higgs boson)

كانت البوزونات  السابقة معيارية، لكن هذا البوزون لا ينتمي إليها لأنه مختلف عنها: فهو الجسيم الوحيد الذي قيمة دورانه المغزلي صفر، ذلك بأنه لا يُعني بالقوى الأساسية بل هو يعني بكمية قياسية وهي الكتلة؛ فالجسيمات تكتسب الكتلة من خلال تفاعلها مع بوزون هيجز، أمّا الجسيمات التي لا تتفاعل معه تصبح عديمة الكتلة مثل الفوتونات، أي أنّه يكسب خاصية الكتلة للجسيمات بل حتى يكسبها لنفسه.

انتهت الآن رحلتنا عبر الجسيمات، لكن لم ينتهي بحث العلماء بعد؛ فمثلًا بالرغم من أنَّ النموذج المعياري يفسر ثلاث قوى أساسية: (الكهرومغناطيسية والقوى النووية القوية والضعيفة)، إلّا أنه لم يستطع تفسير الرابعة وهي الجاذبية، وإن كان هناك تنبؤات بوجود جسيم أولي لها يسمى الجرافتيون لكن حتى الآن لم نكتشفه، فمازال أمامنا الكثير لنعلمه ويظل الكون يخبرنا أنه أجمل وأدق مما نظن، ففي كل مرة تنظر فيها إلى الموجودات حولك قدِر ما تحتويه من جمال وكن ممتنًا إلى جهود العلماء التي أسفرت عن كل هذا بقدر تساؤل الإنسان الأول عن «ممَّ يتكون العالم؟»

إعداد: يارا محمد
مراجعة: Ahmed M. Saeed
تدقيق: محمود الدعوشي
تحرير: زياد الشامي

المصادر:

1.
Can You Turn Iron into Gold? [Internet]. [cited 2018 Jun 23]. Available from: http://sc.egyres.com/7MITO
2.
How did the Atom obtain its name? [Internet]. [cited 2018 Jun 23]. Available from: http://sc.egyres.com/EfX53
3.
The Standard Model – The Physics Hypertextbook [Internet]. [cited 2018 Jun 23]. Available from: http://sc.egyres.com/Vpxq4
4.
Quarks [Internet]. [cited 2018 Jun 23]. Available from: http://sc.egyres.com/tho4r
5.
The Particle Adventure | What holds it together? | Residual EM force [Internet]. [cited 2018 Jun 23]. Available from: http://sc.egyres.com/ydvjJ
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي