الحملُ تجربةٌ مثيرة للاهتمام. وعلى الرغم من أنه يأتي بعدةِ تحدياتٍ جديدةٍ فيما يتعلق بالأسرة، إلا أنه قد يُغذي الصورة النمطيّة التي تعلق في أذهاننا عندما يرتبط بزيادة وزن الأم. فيهددُ الحملُ الصورةَ المثالية في المحافظة على جسمٍ صحيّ؛ ومع أن زيادة الوزن تصبحُ ضروريةً لصحة الجنين، إلا أن تلك الزيادة قد تُشعرُ النساءُ بعدمِ الرضا تجاه أجسادِهن.
وبالطبع عندما نضعُ في الاعتبار هوسَ ثقافتنا بالنحافةِ، والحميةِ الغذائية؛ نجد أن النساءَ الحوامل لم يَسلمنْ من شرِ ذلك الهوس.
فأصبحت زيادة الوزن –لأي سببٍ- قد تفتح بابًا للنقض، أو السخرية، أو التعرض لتشويهٍ أو يتم التعامل معها كوصمةِ عارٍ بصورة أو بأخرى، وخاصة تجاه النساء.
ففي عام 2019، نُشِرَت دراسةٌ جديدةٌ في صحيفة سوشيال سينس أند ميديسن (the journal Social Science and Medicine ) –وهي صحيفة مُتخصصة في العلوم الإنسانية- أن أغلبية النساء الحوامل، والنساء بعد الولادة يُعانين من تلك التجربة إثر الوصم الناتج عن زيادة الوزن. وبالطبع، تقترنُ عدة تبعاتٍ جسديةٍ، ونفسيةٍ سلبيةٍ بهذه التجربة المريرة.
فحص الباحثون النساءَ الحوامل في الثلث الثاني أو الثالث من فترةِ الحمل، علاوة على هؤلاء اللاتي قد أنجبن أطفالًا في عام 2018، واحتوى الفحص على سؤالٍ محوريٍ، أجابت جميع النساء عليه ألا وهو: «منذ بداية الحمل، هل قام أحد ما بمعاملتلكِ بصورة مختلفة بسبب وزنكِ؟ هل سبَّب لكِ شخصٌ ما أو شيءٌ ما حزنًا أو ضيقًا، أو جعلكِ تشعرينَ بعدم الراحة أو الإنزعاج بسبب وزنك؟».
أجابت أكثر من نصف النساء (65%) بنعم. وأضافوا أنهن تعرضن بالفعل لتلك التجربة المؤلمة. ومن ثم سأل الباحثون هؤلاء النسوة عن مصدر وصمة العار. وتتضمنت الإجابات أماكن العمل، والأهل، والأصدقاء، ومعارف تجمعات الكنائس أو الجوامع، والشريك، ومقدمي الرعاية الصحية، والغرباء، ووسائل الإعلام، وأمهات أُخريات، والمجتمع بصورةٍ عامة. شمل الفحصُ استبيانًا، والذي أجابت عليه النساء، وتضمن أسئلةً حول قياس معدلاتِ الاكتئاب، وسلوكياتِ الطعام.
ووفقًا للاستبيان، احتل المجتمعُ المركزَ الأول كأكثر المصادر شيوعًا، والتي تُصَنِّفُ زيادة وزن النساء الحوامل، أو النساء اللائي أنجبن أطفالًا كوصمةِ عارٍ.
وذلك على الرغم من أن عدة نساء عبّرنَ عن شعورهن بالضيق أو الإنزعاج من خلال عدة مصادر أخرى، ومن ضمنها: وسائل الإعلام (25%)، والغرباء (21%)، وأفراد العائلة (21%)، ومقدمو الرعاية الطبية (18%)، وأمهات أخريات (14%)، والأصدقاء (14%)، والعمل (14%).
وتزامنت نتائج البحث مع بحث آخر نُشر مؤخرًا، والذي يفحصُ محتوى تعليقات هذا الوصم، التي قيلت للنساءِ الحوامل.
وفي هذه الدراسة، شاركت النساءُ العديد من التعليقات المُهينة التي سمعنها من كلا الأصدقاء والغرباء. فصرحت إحدى السيدات للباحثين أن أحد الغرباء عنها قد قال لها أنها «بدينة للغاية حتى أنها لا يُمكن أن تكون حُبلى». وشاركت سيدةٌ أخرى أن أحدَ المعارف في الكنيسة قد قال أنه يجب عليها أن تعرضَ طفلها للتبني؛ لأنها ستجعله بدينًا. «لقد أمسك ببطني، ثم سألني متى ستعودين إلى طبيعتِك؟»- هكذا قالت سيدة أخرى عن شريكها. وحتى الأطباء الذين يقدمون الرعاية الطبية لهؤلاء الأمهات، قد شاركوا بدورهم في إطلاق عدة تعليقات مُزعجة ترتبط بوزن هؤلاء النسوة. فاقترح أحد الأطباء على مريضته أن تختار ما بين «الولادة الطبيعية، أو الكعك المُحلى».
تؤثر هذه التجاربُ المؤلمة -قطعًا- على صحة المرأة الحامل نفسيًا، وجسديًا. ففي أول دراسةٍ، ذكر الباحثون أنه كلما تعرضت المرأة لهذه التعليقات التي تَهزأُ من زيادة وزنها، تزدادُ أعراضُ الاكتئاب، والتي بالفعل تقوم بذكرها في الدراسة، إضافة إلى ما تنخرط فيه من أكلٍ عاطفيّ، وسلوكياتِ الحمية الخاطئة.
وترتبطُ تجربةُ الشعورِ بوصمة الوزن أيضًا بمقدار الضغط التي تذكره النساء، وتبلغُ عنه بصورة كبيرة. ومن الجدير بالذكر أن النتائج ظلت مرتفعةً؛ حتى في حالة محافظة المرأة على وزنِها. أي بعبارة أخرى، لا يُهم حقًا مهما ازداد وزن المرأة بسبب الحمل، أو ما كان مؤشرُ كتلةِ الجسم قبل الحمل. يتضمن الشعورُ الناتج عن وصمة زيادة الوزن بالفعل عدة مشاعر سلبية وهى الاكتئاب، والتوتر، وسلوكيات الحمية الخاطئة.
من الممكن لبعضِ الناس (ومقدمي الرعاية الصحية على وجه التحديد) أن يُعلقوا على وزنِ المرأة الحامل؛ وذلك يَنبُعُ من اهتمامهم بالجوانبِ الصحية الناتجة عن الوزنِ الزائد في فترةِ الحمل. وعلى الرغم مما يزيدُ عن عقد من الزمان، فإن النتائجَ العلمية تثبتُ أن إطلاق التعليقاتِ بشأن وصمةِ زيادة الوزن؛ لم تساعد في تحفيزِ الناس على خسارة وزنهم. في الواقع، ربطت الأبحاثُ تجربةَ وصمة البدانة بزيادة الوزن. ومن ثم يصبح الإنسان لقمةً سائغةً نتيجة وصمة البدانة في فكِ الاكتئاب-وخصوصًا بين النساء-، وكذلك له نتائجٌ سلبيةٌ متنوعةٌ فيما يتعلق بالصحة الجسدية.
قد تكون فترةُ الحمل مرهقةً للعديد من النساء. وبحلول الثلث الثاني منها، يصبح الحمل مرئيًا أكثر، والذي –على ما يبدو- لديه هذا التأثير الغريب الكافي؛ ليجعل شكل المرأة الحامل، ووزنها موضوعًا مناسبًا للنقاش. وأثبتت الدراساتُ بشكل قاطع أن أفضل نصيحة للبشر الذين تنتابهم الرغبة بشأن الحديث أو إصدار التعليقات حول المرأة الحامل أو التي أنجبت بالفعل هو الصمتُ، وعدم إصدار أي تعليقات على الإطلاق.