من الممكن القول إن البحر هو أعظم الشخصيات الأدبية، إذ يجد لنفسه مكانًا بين أفضلِ رواياتِ الغموض المكتوبة على الإطلاق. ورغم ذلك فإن البحر شخصيةٌ متواضعةٌ للغاية، فنادرًا ما يأخذ مركز الأحداث. وبدلًا من ذلك، يتسلل البحر من بين أركان الدراما، ودائمًا ما يكون رفيق التغير ويبدو كخلفيةٍ مشرقةٍ ومتغيرةٍ يعكس برويّة كل ما يستحق معرفته عن القصة ولاعبيها.
ولا يوجد مسرحٌ للأحداث يناسب قصةً غامضةً أفضلَ من البَحْر. وقرأتُ ذات مرّة، أننا نعرف أكثر عن المساحة الخارجية عما نعرف عن المناطق الموجودة في المحيط. لذا يُمثل البحر المجهول، وعمقُه وظلمته تُنَادِينا لرحلةٍ استكشافية. كما يمكن تسخير تغيّر أوضاعه في نقل مختلِف مشاعرنا، فالبحر يمكنه أن يكون هادئًا أو قاسيًا أو ساكنًا أو موحشًا أو مسالمًا أو غاضبًا، فوجوده في الأدب يحفز المُخيّلة بطريقةٍ نادرًا ما يفعلها غيره. ويقع البحر في منطقةٍ بين التفكير وغياب الوعي، وفي مكانٍ تطفو فيه الأحلام والكوابيس حيث يمكن من خلاله خلق الأشكال المبتكرة أو ذوبانها.
وفي السنوات القليلة الماضية، تعرفتُ على قصةٍ حقيقيةٍ لاختفاء ثلاثةٍ من عمال أحد المنارات من جزيرة هبرديس الخارجية (Outer Hebrides) باسكتلندا وذلك في عام 1901. وفي الحال جذبتني القصة، فالاختفاء وحده أذهلني وأثارني، ولكن وجودَ البحرِ كمسرحٍ للحدث عمّق سحرّ القصة. فراودتني أسئلة مثل: ماذا حدث لهؤلاء الرجال؟ وكان لديّ شعور بأن البحر وحدّه من يعرف الحقيقة. وفي روايتي الجديدة «حاملي المصابيح» أنتقل بالحدث ليصير في عام 1972، حيث نتتبع في الروايةِ الحرّاس وزوجاتهم في مسارٍ للكشف عن الأحداث.
وإليكم ترشيحاتي لأفضل 7 رواياتٍ غامضةٍ أحداثها تدور بالقرب من البحر، ويلعب البحر دورًا هامًا في قصتها:
«نور بين محيطين»… إم إس ستيدمان
هي قصةٌ عن الحب والخسارة والتضحية، وتدور أحداث الرواية في منارةٍ أسترالية يلتقي بها توم وإيزابيل ويتخذان قرارًا مروعًا سيترك تأثيره على أجيالٍ قادمة.
هنا يلعب البحر دورًا باعتباره غطاءً للضمير المضطرب للزوجين، حيث يتقبلان أن بعض الأكاذيب لا يمكن إغراقها أبدًا.
«قارب النجاة»… شارلوت روجان
- يُمثِل البَحْر أعلى المخاطر في هذه الرواية المشوقة عن مجموعةٍ من الغرباء الذين يُجْبَرون على البقاء معًا بعد غرق سفينةٍ في المحيط أثناء عبورهم إلى نيويورك.
وتواجه شخصية «نيوليود جريس» معضلةً للنجاة، ولكن لا تقتصر النجاة فقط على المحيط بل تشمل أيضًا نجاتها من الأشخاص الذين أصبحت بصحبتهم. ويطرح العمل المرعب سؤالًا عن إلى أي مدًى يمكننا أن نذهب لحماية أنفسنا؟
«امرأة الضابط الفرنسي»… جون فاولز
لطالما استعمل الكُتَّاب البحر باعتباره مجازًا وتعبيرًا عن الجنين، حيثُ تعيد دورات المدّ والجزر للبحرِ الرغباتِ بنفس السرعة التي تُغرِقها بها. وفي الرواية تقف سارة على الرصيف البحري الشهير، كوب، في «ليام ريجيس دوسيرت» بإنجلترا مُحْدِقّةً في المياه بلا مبالاةٍ بينما تنتظر عودة حبيبها. ولكن ما المأساة التي حلّت بها؟ وهل يمكنها أن تحظى بالحرية التي يعدها البحر بها؟
«الشاطئ»… أليكس جارلاند
يتتبع الرحال ريتشارد خريطةً لجزيرةٍ تايلاندية غامضةٍ في بحثه عن الجنة، لكنه يكتشف في رحلته أن البَحْر يمكنه أن يخبئ أسوء الأسرار.
تلتقي روايتي «ملك الذباب» و«قلب الظلام» في هذه الرواية المُثيرة العصرية التي تعود للتسعينيّات، إذ تلتقطُ لحظةً من الزمن وترسل تحذيرًا من السفر لجيل العشرينيّات في كل مكان.
«السيد ريبلي الموهوب»… باتريشيا هايسميث
- تنسج الرواية بأجوائها المُبهجةِ والخادعة شبكةً مُسْكِرة من خلال قصة القتل والغموض التي تحدث على جانبي البَحْر الأبيض المتوسط المتلألئ. ويمثل البحر مرآةً لشخصية «توم ريبلي» المراوغة ودوافعه غير الواضحة، إلى جانب أن الرواية تتضمن واحدًا من أفضل مشاهد القوارب التي لا تُنسى في كل العصور.
«ريبيكا»… دافني دو مورييه
- تنزلق الرَاوِية الصغيرة مجهولةُ الاسم في علاقةٍ رومانسيةٍ مع الأرمل الغامض «مكسيم دي وينتر»، وتضعك الرواية أمام تساؤلاتٍ عدّة مثل ماذا حدث لزوجة الرجل الأولى؟ ولماذا يغرق ماندرلي ومنزله في الأسرار؟
وتُعد الكاتبة الإنجليزية «دو مورييه» ملكة الرواية الرومانسية القوطية، وهنا تستخدم أجواءَ ساحل كورنوال الوعرة في تجسيد وِحدة الراوية وضعفها.
«حياة باي»… يان مارتيل
- تعد رواية حياة باي حكايةً حديثةً وقصةً نجاة. وهي حكاية تظل عالقةً بالذاكرة عن الطفل بايسكين، الذي يظل محصورًا في قارب النجاة بالمحيط الهادئ بصحبة نمرٍ بنغالي.
ويوظف الكاتب مارتيل البحر لإحداث تأثيرٍ هائل، إذ يجعل التأثير تحت قلمه يصبح سحريًّا ووهميًّا كما تظهر المعجزات على السطح في الأحداث بينما تصير الحقائق مائعة.