لمع بريق أثينا اليونانية كمركز ثقافي مهم، في السنوات الواقعة بين انتهاء حروب الفرس، وبين الحرب البلوبنيزية (بين أثينا وأسبرطة) في القرن الخامس (ق.م)، حيث ازدهرت فنون الأدب المسرحي «التراجيديا الأغريقية»، مثل إيسخولوس وسوفوكليس، كذلك كانت حقبة ربيع الفلسفة الذهبي بعد نشأة المدرسة الطبيعية الأيونية والذرية، والتساؤل حول أصل الظواهر الطبيعية، ووضع نظريات لتفسير الكون، والفلسفة الفيثاغورية والنزعة الأورفية الصوفية والعلم الرياضي، والفلسفة الإيلية في الوجود وما بعد الطبيعة، إلى حركة معلمي البيان والخطابة «السوفسطائيون»، التي تزعمت حركة تنوير ذات أثر بالغ الفاعلية الاجتماعية والسياسية، وفي تلك الأثناء؛ جاء مواطن أثيني فقير، لا يهتم بتجاوز فقره، بل يشعر بأنه غني في فقره، وكان يقضي معظم وقته في إثارة النقاش مع الأصدقاء والمواطنين، ويسعى لتعليم الفلسفة والتفكير إلى الشباب الأثيني، غير راغب بمقابل مادي وذلك على نقيض معاصريه من السوفسطائيين الذين كانوا يتقاضون أجر ممارسة التعليم، وكان يعيش في حالة من زهد الدنيا وملذاتها، بسيط المظهر، وقد اشترك في الحروب الأثينية بكل بسالة وشجاعة مشهودة، فيقول عنه القبياس في محاورة المأدبة:
«إنه يروعك بقوة احتماله على الجوع حين كانت تضطرنا الظروف أن نحرم الطعام بسبب انقطاع الصلة بيننا وبين مواردنا، يمتاز من سائرنا جميعًا فليس بين الناس من كان يمكن مقارنته به».
وتُعتبر شخصية سقراط بين المؤرخين هي مشكلة تاريخية: تدعى «مشكلة سقراط»؛ ذلك لأنه لم يخلف من ورائه أي عمل مدون عن سيرته أو مذهبه، فسقراط لم يعنِ إلى التدوين قط، وغالبية الاعتماد التاريخي عنه ترجع إلى المحاورات الأفلاطونية التي تستمد منها فلسفة سقراط وطبيعة شخصيته، بالإضافة إلى ما روى عنه من أرسطوفان الشاعر المسرحي الهزلي وأكسانوفون الأرستقراطي، وبالرغم من وجود مدارس دلت على وجوده وفلسفته في الحياة؛ وقد تأسست على أثر مبادئ الفلسفة السقراطية مثل الكلبية والمغيارية، إلا أن الاعتماد على ما كتبوه من مصنفات سقراطية أدنى درجة، حتى أطلق عليهم «صغار السقراطيين»؛ وذلك يرجع لقلة الشذرات الباقية، فيكون الأوفى حظًا في مؤلفات أفلاطون الوثيقة.
الفلسفة السقراطية
أعلنت نبوءة معبد دلفي، ذات مرة أنه لا أحد أحكم من سقراط. ولقد حاول هو ذاته أن يثبت خطأ النبوءة، فبحث عن أولئك الذين يعدون حكماء، وطرح عليهم أسئلته. وهكذا سأل سياسيين وشعراء وصناعًا، فلم يجد واحدًا منهم قادرًا على ان يصف بدقة ما يفعل، ولم يجد بينهم حكيمًا، وحين كشف للناس جهلهم، جلب لنفسه عداوة الكثيرين.
هكذا كان المنهج الفلسفي السقراطي، يقوم على طرح الأسئلة، لكن طبيعة التساؤل لم تعد تدار حول مظاهر الطبيعة والكون، فإن ميل سقراط نحو الحكمة والتفلسف، تبلور في مناخ تأثره بأخلاق الفيثاغورية (الأورفية) واهتمامهم بسلوك الإنسان، وقد أفاد من مناهج السوفسطائيين، فأخذ على أثرهم التفلسف حول الإنسان، ولم يطل النظر في أمور الطبيعيات والرياضيات، كسابقيه، إذ أنه اهتم بالجانب العملي الأخلاقي للإنسان، فالعلم إنما هو العلم بالنفس لأجل تقويمها، فقد تبنى شعار: «اعرف نفسك بنفسك»، فقد كان من الأوائل الذين نظروا في شأن النفس البشرية.
منهج سقراط
كان سقراط يجادل ويناقش كل من يُبدي رغبة في ذلك، نجده يطارح الأرستقراطي، ويشافه البسطاء، ويكالم الشيوخ والشباب؛ فإذ بالحوارات تثار حول مسائل الحياة والموت، وحول الأخلاق والفضائل وغيرها، لقد مثلت تلك الحلقات جميع الاتجاهات الفكرية والاجتماعية حينها. بيد أن منهج سقراط الجدلي قد تشكل من تأثره من مناهج السوفسطائيين، وإلى إعجابه بالمنهج الجدلي لزينون الإيلي من جانب آخر، ففي محاورة بارمنيدس؛ يذكر أن سقراط قابل بارمنيدس وزينون وتلقى منهم دروس في الجدل.
انتهج سقراط طريقة في الجدل تعمد أسلوب التهكم والتوليد؛ إذ به يطرح الأسئلة بشكل ما يتمظهر بالسخرية أو طلب الاستفسار والتسليم، أي أنه يصطنع الجهل، فيشتهر بقوله: أنا أعرف شيئًا واحدًا وهو أني لا أعرف شيئًا. وفي طريقة الحوار التي تعتمد على إلقاء الأسئلة، والذي يقوم فيها إلى مناقشة الإجابات عبر طرح تساؤلات أخرى نقدية؛ فيرد الإجابات إلى بعضها البعض، حتى يوقع المحاور في التناقض والإرباك والاعتراف بالجهل، أي أنه يعمد إلى الوصول لتضارب الردود، ويستمر في طرح الأسئلة المتعاقبة، والتي يقيس نتيجتها مع الردود السابقة بشكل بارع، وبعد الاعتراف بالجهل والتمكن من المحاور، يذهب إلى حالة توليد المعرفة عبر الشخص نفسه، إذا يهدف إلى التوصل إلى تعريف حدي لمفهوم ما يتفقا عليه من الاستنتاج لما سبق، ومنها يكون المحاور قد قام بتوليد المعاني والماهيات المشتركة للموضوع. وقد تعرض سقراط لانتقادات عديدة بسبب تجنبه للإجابة عن أي سؤال، بقول أنه لا يعرف شيئًا، واهتمامه المنصب على طرح الأسئلة وطلب التعريف الشامل من محاوره، وقد أجاب على هذا النقد بقوله:
«إن اللوم الذي يوجّه إليَّ كثيرًا، وهو أني أسأل الناس أسئلة وأن ليس لدي من العقل ما أستطيع به أن أجيب عنها، لوم عادل لا اعتراض لي عليه، وسببه أن الله قد أرغمني على أن أكون قابلة (أي يولد)، ونهاني عن أن ألد»
المدركات العقلية والمعرفة
تقوم فلسفة سقراط على أن العقل قادر على الكشف عن ماهية حقيقية كلية، على خلاف نسبية السوفسطائيين التي ترجع المعرفة لمصدر الحواس فقط، والتي تؤدي لنسبية في الأخلاق والقانون والعدالة. لكن سقراط استسقى مكانة العقل من مفهوم النوس (بالإنجليزيّة: nous)، الخاص بأنكساغوراس الذي يضيف إلى الوجود تصور طبائع وماهيات، أي أشياء عقلية ومعقولة، هي ما تميز الحي عن غير الحي، فالعقل هو العلة الأولى للتغيرات الطبيعية. بذلك يبني سقراط مفهوم المدركات العقلية حيث يرى أن غاية العلم إداراك الماهيات، فيعتمد على الاستقراء في الجزئيات إلى أن يتدرج إلى مفهوم ومعنى كلي، لذا كانت حوارت سقراط تدور حول فلسفة المعاني، إذ به يهدف إلى ايجاد تعريفات ومعاني كلية، فكان يسأل: ما الخير وما الشر، ما الشجاعة، ما العدل، وهلم جرا، فكما قال أرسطو:
«فهو أول من طلب الحد الكلي طلبا مطردا، وتوسل إليه بالاستقراء. وإنما يقوم العلم على هاتين الدعامتين: يُكسب الحد بالاستقراء، ويُركب القياس بالحد، فالفضل راجع إليه في هذين الأمرين».
هكذا يؤسس سقراط مذهبه «المدركات العقلية»، أن المعرفة الكلية تستمد من العقل، فإذا به يجعل المعرفة هي الفضيلة؛ فالفضيلة علم والرذيلة جهل، أي أنه يجب على المرء السعي لاكتساب المعرفة، فارتكاب الخطيئة ناتج عن افتقارنا للمعرفة، فسبب الشرور هو الجهل، فهو يرى الانسان يريد الخير دائمًا، وانما يصدر منّا الشر لجهلنا بالأمور؛ «كل فرد منا يتصف بالطيبة بقدر حكمته وبالسوء بقدر جهله»، هكذا تهتم فلسفة سقراط بالجوانب الأخلاقية والتي تسعى لأجل حياة خيرة، فهو يرى أن المعرفة تأتي بالتوليد العقلي الذاتي والتي عندها تجلعنا نقوم بالفضائل على أكمل وجه وبالحياة القويمة المشتركة، فخبرة المعرفة هي الحياة الخيرة؛ اذا ما تعلم الناس هذه الخبرة ومعناها أي ما يسمى معرفة، فإنهم لا يفعلون أنسب الأفعال بسبب تأثرهم باللذة.
سعى سقراط لفصل الأخلاق عن الدين، إذ تسائل عن امكانية أن تمنح الفلسفة علم أخلاق للمجتمعات بعيد عن الارتباط بالدين، حيث يقول في محاورة أوطيفرون:
«أن ليس الخير خيرًا لأن الآلهة ترضى عنه، بل إن الآلهة ترضى عن الخير لأنه خير، بذلك ربط سقراط الأخلاق بالانسان نفسه وضميره».
لقد كان موت سقراط، في عام 399 ق.م حدث مسطر في تاريخ الفكر وأعلامه لما به من إيمان وصمود وكبرياء، وله عظيم الأثر في نفوس تلاميذه وأصدقاءه والفلسفة بعده، فقد مثَّل أمام المحكمة، بعد أن وجَّه إليه الاتهام من أحد الديموقراطيين، أنيتوس والشاعر مليتوس والخطيب ليقون، بأنه مذنب لأنه ينكر آلهة المدينة ولأنه يفسد الشباب. وقد حُكم عليه بالإعدام بعد اقرار هيئة المحلفين بذنبه. مات سقراط ولكن فلسفته لم تمت، اعدم وهو في أعين مواطني أثينا رجل أحمق، لكن ذلك لم يثنيه عن فلسفته لأخر رمق في حياته. بالرغم عزوفه عن الكتابة، وبالرغم وجود تباين حول تماسك مذهب فلسفي لسقراط، وتفرق النحل بعده واختلاف الصور المرسومة له بينهم، لكن تظل قيمة سقراط المعلومة قطعًا بلا شك، فيلسوف المشائين الذي أحب الفلسفه وسعى للمعرفة والاصلاح، والذي قال عنه أكسانوفان: «أنه بلغ أحسن ما يأمله أحسن الناس وأسعدهم»، وقال عنه أفلاطون: «كان بحق أعقل وأعدل وأحسن من عرفت في حياتي كله».
صغار السقراطيين
تنسب المصنفات السقراطية إلى العديد من المدارس التي صاحب روادها سقراط وتأثروا به، اتخذ كل اتجاه منهما، صورة عن سقراط وفلسفته، “فأصبح تلاميذ سقراط مركز عاصفة من الفلسفات شديدة التباين”، تختلف بشكل كلي عن الصورة التي رسمها أفلاطون والتي بقيت للإنسانية عن سقراط.
المدرسة المغيارية
بعد موت سقراط، تفرق أصحابه وتلاميذه؛ فعاد أقليدس إلى وطنه ميغارا، أنشأ بها مدرسة اشتهرت بالجدل، فقد تأثر مثل سقراط، بالجدل الإيلي وبالأخص برهان الخُلف مثلما انتهج زينون، فيعتمد على نقد الأمر فيما ترتب عليه من أثار، وإلى تأثره المعروف بالسوفسطائيين، فقام مذهبه على معالجة المذهب الإيلي بالماهيات السقراطية، فقد قال: «إن الوجود واحد، والخير واحد كذلك، وما ليس خيرًا فلا وجود له»، وجاء بعد أقليدس، أوبوليدس الملطي، والذي اتبع برهان الخُلف أيضًا في مجابهة المنطق الأرسطي. وجاء بعدهم أستلبون الميغاري والذي ذاعت مكانته، وقد نهج مجابهة فلسفة أفلاطون، ونقد نظرية المُثُل عن طريق برهان الخُلف، فقد عدد الحجج في أن المثال واحد لا يتعدد؛ فعلى سبيل المثال، إذا أردت أن تقول إن هذا الشخص يحقق معنى الإنسان، وكان هذا الشخص في ميغاري، فيلزمك القول إنه لا يوجد إنسان في أثينا. وانتقد الحكم على الأشياء بمعانٍ محدودة ثابتة على طريقة أفلاطون وأرسطو، وذلك لأنه يرى أن ذلك يؤدي إلى تطابق ماهيتين متمايزتين، إذ بهذا يمتنع الحكم من الأساس؛ فإذا قلت إن الطيب هو بالفعل نفس الشيء الذي هو إنسان، لم يسغ لك إضافة الطيب إلى الدواء مثلًا أو إلى الغذاء. كان لأستلبون نزعة مهدت للمذهب الكلبي، فبعد نهب مدينة ميغارا، سأله أحدهم عن مقدار ما خسره، أجابه؛ «إنه لم يملك شيئًا غير المعرفة، وأن أحدًا لم يغتصبها منه». بشكل عام قد أخذت المدرسة المغيارية طابع النقد الجدلي اللاذع والتي أدت بعد ذلك لظهور مذهب تشكيكي على يد بيرون.
المدرسة القوريناية
نشأ أرستبوس في قورينا، وسافر إلى أثينا وانضم إلى السوفسطائيين، ومن ثم تعرف على سقراط، فلزمه وكان من مريديه، ولما مات سقراط، سافر إلى نواحي عدة، ثم عاد إلى بلده، اتبع أرستبوس المذهب الحسي في المعرفة لبرتوغاورس، فيقول: «إننا لا ندرك سوى تصورتنا»، أقام من ذلك المنطق، مذهب في الأخلاق يُبنى على الشعور باللذة والألم؛ اللذة هي الخير الأعظم، وهي مقياس القيم جميعًا. فلأن العلم بالأشياء غير مؤكد، ومصدر المعرفة هو الحس، فالحكمة إذن لا تكون في السعي وراء الحقيقى المجردة بل في اللذات الحسية، إذن فالسعادة هي الفضيلة، وفائدة الفلسفة أن تهدينا إلى حسن اختيار أفضل اللذات، وقد أثر الاهتمام بالحاضر وباللذات العابرة، لذلك نبذ التعلق باللذات لما فيه من قلق وألم مثل التفكير في المستقبل، «الحرية الحقة والسعادة الصحيحة في التخلص من الشهوة باللذة التي ترضيها أو التخلص من الحياة متى لم يعد منها نفع».
قُتل أرستبوس على أيدي بعض الناس الساخطين من أقواله، وهو على فراش الموت قال: أن أعظم تراث تركه لأبنته أريتي، هو أن علمها «ألا ترى قيمة ما لشيء، تستطيع أن تستغني عنه»، وقد خلفته ابنته في رئاسة المدرسة وخلفها ابنها أرستبوس الصغير. وجاء هجسياس ورأى أن اللذة لا تتحقق إلا في النادر، وأن السعادة أمنية مستحيلة، لذا فقد ذم في طلب اللذة لأنها تنتج ألم دائمًا، فالحكمة عنده في اتقاء الألم، وكان له خطاب يحبذ الانتحار، فقد لقب بالناصح بالموت، فإن الامتناع عن اللذات إن أدى إلى متاعب في الحياة، فيكون الموت أفضل منها، وقد نفاه بطليموس وأغلق المدرسة.
المدرسة الكلبية
تتلمذ أنتستانس على يد غورغياس السوفسطائي، وعرف سقراط ولزمه وتأثر بحياته وتقشفه واستخلص من أقول سقراط فلسفة للحياة، وبعد موت سقراط، اخذ يعلم تلاميذه في مكان اسمه الكلب السريع، فأطلق عليه وأتباعه بالكلبيين، كان أنتستانس يمقت العلوم النظرية مثل أرستبوس القوريناي، فاهتم بالحياة الفاضلة، واقتصر كلامه عنها، فكان يرى أن الفضيلة في الابتعاد عن اللذة، إذ به يحتقرها بقوله: «إني أؤُثر أن أبتلى بالجنون، على أن أشعر باللذة»، وكان يرى أن الفضيلة أفعال والأفعال لا تعلم بل تكتسب بالمران، هكذا كان هدفه في الفضيلة طلب الحياة البسيطة، فكان يعبر بذلك عن حياة الحرية والاستقلال، فاتخذ شعارًا: إني لا أملك حتى لا يتملكني أحد. كانت حياة الكلبيون تبعد عن متاع الحياة، فكان يشترط للانضمام إليهم، أن يتخلى عن المكانة الاجتماعية، فالنظرة الكلبية ترى أن كل فلسفة يمكن دحضتها، فإن الحكمة لا تكون في بحوث ما وراء الطبيعة بل في الحياة البسيطة التي تحرر الفرد من الاعتماد على الرفاهية، لذلك انصب اهتمامهم في فلسفة الأخلاق، إذ أن السعادة ليست في اللذة بل في الحياة الفطرية البسيطة.
بعد أنتستانس، جاء ديجين؛ الذي ذاعت شهرته، كان يعيش حياة تقفشف وتسول، فكان يحسد الحيوان على الحياة البسيطة، إذ به ينام على الأرض، ويأكل أينما وجد طعام، ويمارس حاجاته أمام أعين الناس، لا يعير لهم بال –يرى الكلبيون أن الشهوة الجنسية طبيعىة كالجوع، ويستغربون أن يخجل الناس في اشباع رغباتهم أمام الأخرين- وقد قصت العديد من الحكايات عن ديجين، منها ما ذكر أنه التقى بالإسكندر الأكبر؛ فقد مر عليه وهو نائم في الشمس وقال له: أنا الاسكندر الأكبر، فأجابه؛ وأنا ديجين الكلبي، قال الملك: اسالني أي شيء تريد، فأجابه: ابتعد حتى لا تحجب عني الشمس.
بذلك كانت جوهر الكلبية أن تقتصر حاجات الجسد على الضرورات المحضة حتى تكون الروح حرة قد المستطاع، فهم ينزعون إلى تأييد استقلال الإنسان في كل شيء، فكانوا لا يرتبطون بعصبية الوطن، أو بالتمسك بالحياة، فكانوا يقبلون أن الانتحار عمل مشروع، وكان الكلبيون من دعاة العودة للطبيعة التي سادت في العصر الحديث مع روسو.
هكذا كانت مذاهب صغار السقراطيين، تدور حول الاهتمام بماهية الفضيلة، وتعنى بفلسفة الأخلاق، كما غلب على مذهب سقراط، ولم ينتهي أثر تلك المدارس على حدود الحقبة الهلينية بل كانت المؤثر لظهور مدارس أخرى في العصر الهلينستي مثل الإبيقورية والرواقية الذين نهجوا أيضا الاهتمام بمنحى الأخلاق.
كتابة وإعداد: عصام أسامة
مراجعة علمية/لغوية: مايكل ماهر
تحرير: نسمة محمود
المراجع: تاريخ الفلسفة الغربية، برتراند راسل تاريخ الفلسفة اليونانية، يوسف كرم قصة الحضارة، حياة اليونان، ويل ديورانت