سلسلة فيزياء ≪سيرن- CERN≫- الحلقة الرابعة: مُكونات وجودنا

4

سلسلة فيزياء ≪سيرن- CERN≫- الحلقة الرابعة: مُكونات وجودنا|سلسلة فيزياء ≪سيرن- CERN≫- الحلقة الرابعة: مُكونات وجودنا

تكلَّمت في الحلقة السابقة عن النموذج القياسي بشكلٍ مُختصر، ولكن في هذه الحلقة سنحاول أن نتعرف إليه بشيءٍ من التفصيل، فقد عرفنا أنه يصف المُكونات الأساسية للمادة، وأن المادة في النهاية تنقسم لـ12 جُسيمًا أوليًّا، لا ينقسمون لجُسيماتٍ أُخرى، تلك الجُسيمات يتم تقسيمهم لمجموعتين، مجموعة اسمها (اللبتونات – Leptons)، وفيها 6 جُسيمات أولية والمجموعة الأُخرى اسمها (الكواركات- Quarks) وفيها الـ6 جُسيمات الأخرى.

يُفسِّر النموذج القياسي كيفية تفاعل المادة مع قوى الطبيعة، ففي الطبيعة توجد 4 قوى أساسية، هم:
الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة النووية القوية.

من المؤكد أن جميعنا سمع عن القوتين الأولى والثانية، ولكن قد يكون هناك بعضٌ لم يسمع عن القوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية، لكننا سنوضح ماهيتهم في تلك السلسلة.

في ثلاثينيات القرن العشرين، كان هناك اكتشافاتٌ ونظرياتٌ لكثيرٍ من عُلماء الفيزياء أدَّت إلى فهم المكونات الأساسية للمادة وكيفية تفاعلها مع قوى الطبيعة الأربعة. ومع ظهور النموذج القياسي وتطوره في سبعينيات القرن العشرين، أصبح لدى عُلماء الفيزياء نموذج يصف تفاعل المادة وقوى الطبيعة بدقة عالية جدًّا، وتم إثبات جدارته مع التجارب العلمية.
سنتكلم الآن عن تلك الجُسيمات الأولية، وقوى الطبيعة الأربعة حسبما يصفهم النموذج القياسي.

سلسلة فيزياء ≪سيرن- CERN≫- الحلقة الرابعة: مُكونات وجودنا

 

1- جُسيمات المادة

تتكون الجُسيمات الأولية تتكون 12 جُسيمًا أوليًّا، 6 جُسيمات منهم يتم تسميتهم بالكواركات، ويظهرون في الصورة السابقة باللون البنفسجي. والـ6 الآخرين اسمهم اللبتونات، ويظهرون باللون الأخضر.

كل مجموعة منقسمة لـ3 أجيال حيث إن الجيل يحوي جُسيمين؛ الجيل الأول يحوي أقل الجُسيمات وزنًا، وتكون جُسيماته أكثر استقرارًا من الجيل الثاني والثالث، والجيل الثاني يحوي جُسيمات أثقل من الجيل الأول وأقل استقرارًا منه، والجيل الثالث يحوي جُسيمات أثقل من الجيل الأول والثاني وأقلهم استقرارًا على الإطلاق.

كل المادة التي حولنا تتكون من الجيل الأول، لأن هذا الجيل هو الأكثر استقرارًا على الإطلاق. الجيل الثاني والثالث جُسيماتهم ليست مُستقرة؛ أي إنها سُرعان ما تتحول لجُسيمات الجيل الأول، وبالتالي لا يستمرون في الوجود لفترةٍ كبيرة تسمح بتكوين مادة مُركبة أكبر منهم.

أجيال الكواركات الثلاثة كما يظهرون في الصورة ترتيبهم كالتالي:

الجيل الأول: (الكوارك العُلوي- up quark) و(الكوارك السُفلي- down quark).

الجيل الثاني: (الكوارك الساحر- charm quark) و(الكوارك الغريب- strange quark).

الجيل الثالث: (الكوارك القمّي- top quark) و(الكوارك القعري- bottom quark).

وأجيال اللبتونات كالتالي:

الجيل الأول: (الإلكترون- electron) و(الإلكترون نيوترينو – electron neutrino).

الجيل الثاني: (الميون- muon) و(الميون نيوترينو- muon neutrino).

الجيل الثالث: (التاو- tau) و(التاو نيوترينو- tau neutrino).

2- قوى الطبيعة الأربعة

يعرف جميعنا الجاذبية بالطبع، فمعظم تفاعلنا اليومي معها، ولكن في الواقع، الجاذبية هي أضعف تلك القوى الأربعة. الجاذبية نطاق عملها لا نهائي، أي إنها من الممكن أن تعمل على مسافات طويلةٍ جدًّا، كالمسافة بين الأرض والشمس مثلًا، أو بين مجرة ومجرة أُخرى.

القوة الكهرومغناطيسية أيضًا يعرفها الجميع، ولكنها أقوى من الجاذبية بكثير، ونطاق عملها أيضًا لا نهائي. لكن لكي تتخيل كيف أن القوة الكهرومغناطيسية أقوى من الجاذبية، تخيَّل معي الموقف الآتي، لو أنك أمسكت بقطعة مغناطيس ووضعتها فوق مسمار مُلقى على الأرض، فسينجذب المسمار لقطعة المغناطيس، ذلك قد يبدو بديهيًّا للوهلةِ الأولى، ولكن الملاحظة الجديرة بالذكر، هي أن قطعة المغناطيس الصغيرة التي تحملها بين يديك، استطاعت أن تجذب المسمار إليها مُتحديةً جاذبية كوكب الأرض كله ومُتغلبةً عليها، فلك أن تتخيل مدى ضعف الجاذبية أمام القوة الكهرومغناطيسية.

القوتان النووية الضعيفة والقوية نطاق عملهما محدود، فهما يعملان فقط داخل نطاق الذرة، ولهذا فقد لا يعرفهما معظمنا، لأن خبراتنا اليومية لا تتقاطع معهم.

هذا ترتيب القوى الأربعة من الأضعف للأقوى:
الجاذبية < القوة النووية الضعيفة < الكهرومغناطيسية < القوة النووية القوية.

إذا نظرنا للصورة، سنجد أن هُناك 4 جُسيمات باللون الأحمر، تلك الجُسيمات اسمها (البوزونات- Bosons)، وهي جُسيمات حاملة للقوى، أي إنها تنقل تأثير قوى الطبيعة، وكل قوة من القوى الأربعة لها بوزون ينقلها:
– القوة النووية القوية ينقلها (الجلون- gluon).
– القوة الكهرومغناطيسية ينقلها (الفوتون- photon).
– القوة النووية الضعيفة ينقلها أكثر من جُسيم وليس جُسيم واحد (بوزونات دابليو- W bosons) و(بوزون زد- bosons Z).

ولكن، لا يوجد جُسيم ينقل قوة الجاذبية، ذلك لإن النموذج القياسي لا يشمل قوة الجاذبية، النموذج القياسي لا يستطيع وصف كيفية تفاعل الجاذبية مع الجُسيمات الأولى. يتم افتراض وجود بوزون للجاذبية اسمه (الجرافيتون- graviton)، ولكن العُلماء لم يكتشفوه فعليًّا بعد، فهو جُسيم افتراضي، لم يُثبَت وجوده في التجارب العلمية.
استطاع العُلماء إلى الآن تقديم نموذج علمي يشرح توحيد القوى الطبيعية الثلاثة الأخرى، لكن اتضح أن عملية ضم الجاذبية معهم في نموذجٍ واحد يصفهم كلهم هي عملية غاية في الصعوبة.

لم يستطع أحدٌ إلى الآن توحيد قوة الجاذبية مع قوى الطبيعة الثلاثة الأخرى، ولكن لحسن الحظ أن تأثير الجاذبية على مستوى الجُسيمات تحت الذرية ضعيفٌ جدًّا، وبالتالي من المُمكن تجاهل وجوده بشكلٍ سلس، ولهذا فالنموذج القياسي يستطيع العمل بكفاءةٍ عالية في وصف العالم الذري وتحت الذري دون إضافة الجاذبية في النموذج.

ولكن بالرغم من هذا، فنحن ما زلنا في حاجةٍ إلى توحيد الجاذبية مع قوى الطبيعة الثلاثة الأخرى، لكي يكون لدينا تصورٌ كامل عن تفاعل قوى الطبيعة مع بعضها،.النموذج القياسي لا يستطيع تقديم تلك الصورة حيث إنه لا يضم الجاذبية، ولكنه أفضل ما يملكه الفيزيائيون لوصف العالم تحت الذري إلى الآن.

ولكن، لا نريد أن ننسى أن الجُسيمات التي يضمها النموذج القياسي لا تُشكل في النهاية أكثر من 4% من المادة والطاقة في الكون، النموذج القياسي لا يتكلم أبدًا عن المادة المظلمة والطاقة المظلمة.

في 4 يوليو 2012، أعلنت التجارب في (ATLAS & CMS) بسيرن في مُصادم الهادرونات الكبير (LHC) عن اكتشاف جُسيم جديد بكُتلة تساوي 126 جيجا إلكترون فولت (126 GeV). الجيجا إلكترون فولت وحدة قياس للكتلة يستعملها الفيزيائيون ليقيسوا كتلة الأجسام الصغيرة جدًّا على المُستوى الذري وتحت الذري. الجيجا إلكترون فولت تُساوي تقريبًا 27-^10×1.783 كيلو جرام.
فيما بعد، تم تأكيد أن هذا الجُسيم هو جُسيم تنبأ بوجوده النموذج القياسي، هذا الجُسيم هو (بوزون هيجز- boson Higgs) الموجود باللون الأصفر في الصورة، وهذا أدَّى إلى حصول كل من (فرانسوا إنجلرت- Francois Englert) و(بيتر هيجز- Peter Higgs) على جائزة نوبل في الفيزياء السنة التالية مُباشرةً، سنة 2013، لاكتشافهم آليةً ساهمت في فهمنا لأصل كُتلة الجُسيمات تحت الذرية، وقد عُرِفَت تلك الآلية الآن باسم (آلية هيجز- Higgs Mechanism). تلك الآلية تشرح كيفية حصول المادة على كتلتها من خلال تفاعلها مع مجال افتراضي تم تسميته فيما بعد (مجال هيجز- Higgs Field)، هذا المجال تم إثبات وجوده عن طريق اكتشاف الجُسيم السالف ذكره، بوزون هيجز.

بالرغم من أن النموذج القياسي يصف ظواهرَ كثيرة جدًّا بدرجةٍ عاليةٍ من الدقة، إلا إنه غير مُكتمل. قد يكون النموذج القياسي هو جزء من صورةٍ أكبر عن العالم تحت الذري وعن الكون. وما زال العُلماء في سيرن وفي مُصادم الهادرونات الكبير يبحثون لجمع معلوماتٍ أكثر لكيما تساعدنا في تكوين القطع الناقصة من الصورة، لتكوين تصور أفضل وأكثر اكتمالًا عن الكون.

المصدر:

http://sc.egyres.com/2NctY

إعداد: Michael M. Louis

مراجعة: Asmaa Masoud

تدقيق: Mohamed Sayed Elgohary

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي