سيكولوجيّة العِناق

سيكولوجية_العناق

لا شك أن العناق هو أحد أهم طرق التواصل البشري وأكثرها فعالية، حيث -في الغالب- يجعلنا نشعر بتحسّن، ويعطينا الإحساس بالأمان والطمأنينة، بجانب أنه يعكس قيمتنا لدى الآخرين والرغبة في وجودنا في عالمِهم. تقول )فيرجينيا ساتير -(Virginia Satir: «نحن نحتاج يوميًا لأربعة أحضانٍ لنعيش، ولثمانية لنعالج أنفسنا، ولإثني عشر لننمو ونتطوّر».

هل العناق ضارٌ كما يعتقد البعض؟

يظن بعض الناس أن عناق الكثير من الغرباء أو العناق بشكلٍ عامٍ يزيد من احتمالية تعرّض الشخص للجراثيم ومن ثم احتمالية مرضه، ولكن الدراسات الأخيرة تقول غير ذلك، فدراسة جامعة (كارنيجي ميلون- Carnegie Mellon) أفادت بأنه بالإضافةِ إلى أن العناق يجعلنا أكثر تواصلًا مع الآخرين، إلا إنه أيضًا يحمينا من الأمراض والتوتر.

وإثباتًا لذلك، قام الباحثون بدراسةٍ على مجموعةٍ من الأشخاص لقياس مدى الدعم الاجتماعي الذي يتلقوه كالعناق. وتم ذلك عن طريق استطلاعاتِ الرأي والمقابلات الشخصية اليومية عبر الهاتف، التي استمرت لمدة أسبوعين، حيث تم حقنهم بفيروس مُسبِّب لنزلات البرد ومراقبة ماقد يحدث. ومن المثير للاهتمام، أن الذين تعرَّضوا لدعمٍ اجتماعيٍّ جيد من عناقٍ وتواصلٍ جسدي، جعلهم أقل عُرضةً لنزلات البرد مقارنةً بغيرهم من الذين لم يتلقوا دعمًا اجتماعيًّا مماثلًا. مما يُثبت أن العناق يساعد على تقليل التوتر والوقاية من الأمراض على عكس اعتقادات بعض الناس(1)(2) (5).

كيف يمكن للعناق أن يغيّر حياة شخصين؟

هل جربت أو تخيّلت مرةً كيف سيكون شعورك إذا كنت مصدر عطاء لجمعيةٍ خيريةٍ ما؟ بالتأكيد ستكون سعيدًا ويملؤك إحساسٌ بالفخر والارتياح، لأنك قمت بعملٍ جيدٍ ممّا جعلك تشعر بهذا الشعور الجيّد. وهكذا أيضًا عندما نرى أحدًا ما يعاني من شيءٍ ما سيء أو يواجه مأزقًا ما، فإننا نشعر بألمه وكأننا مكانه. عندما نشعر بألمه والتعاطف معه، فإننا نحتاج حينها لعناقٍ كبيرٍ من أي أحدٍ كما يحتاج الشخص المتألم نفسه حينها. وبالطبع عندما يحدث هذا سيتسبب في الارتياح لكلا الشخصين.

التواصل الجسدي ضروري لكوننا بخير في العموم؛ أحد الأبحاث أفاد بأن ما يُسمَّى بالـ«الجوع الجسديّ» موجودٌ فعلًا. الضغوط الحياتية اليومية تُسبِّب إفراز أجسامنا لهرمون الكورتيزول (Cortisol Hormone)، مما يزيد من القلق والتوتر، كما يَزيد إنتاج هرمون الأوكسيتوسين (Oxytocin Hormone) عند عناقنا لشخصٍ ما مهتم ومُهم، مما يجعلنا نشعر بارتياحٍ أكثر. ويؤدِّي كل ذلك إلى احتمالية الحاجة إلى  تطوّر العلاقات الاجتماعية وتكوين علاقات جديدة أكثر اهتمامًا إذا لم نحصل على الاهتمام المطلوب من العلاقات الموجودة في محيطنا(3).

تحكي الطبيبة النفسية )هيلاري جاكوبز – (Hilary Jacobs إحدى تجاربها وتقول: «في يومٍ ما منذ عدة سنوات، بطريقةٍ عفوية قمت بحضن إحدى المرضى لدي، كانت تُدعى (جريتشن -Gretchen )، وكان ذلك في لحظة قد وصل بها اليأس والحزن لدرجةٍ صعبة وقاسية على المستوى الإنساني. ولم يكن أمامي إلا أن أمد لها ذراعيّ واحتضنها لعلها تستمد بعض الراحة والاطمئنان من عناقي لها، وقد تشبّثت بي وعانقتني بشدة».

وبعد عدة شهور أبلغتني جريتشن أن عناقي لها في ذلك اليوم قد غيّر حياتها قائلةً: «الحُضن الأُمِّي -نسبةً إلى الأُم- الذي وهبتيني إيّاه ذلك اليوم قد أزاح عني الإحباط الذي لازمني طيلة حياتي»(4).

وتقول أيضًا إحدى الطالبات بإحدى الجامعات: «أثناء امتحاناتي النهائية في سنة التخرج كتبت جملتين: «أتشعر بضغوط الامتحانات؟ خذ حُضنًا بلا مقابل!». وبعدها استعنت بصديقي ثم وقفنا عند مدخل مكتبة الحرم الجامعي رافعين اللافتات وانتظرنا. أبدى المارة اِثنين من ردود الأفعال، إما أعادوا النظر لهواتفهم واستمروا في المشي والتنحّي جانبًا، وإما أضاءت وجوههم من البهجة واحتضنونا. بعضهم كان متحمسًا، وبعضٌ آخر كان يصرخ: «لقد أسعدت يومي!»، أو: «شكرًا لك، كنت أحتاج لهذا». وأحدهم قفز بين ذراعيّ وكاد أن يسقطني أرضًا. بعد ساعتين من هذه التفاعلات الدافئة، أنا وصديقي لم نكن نصدق كم كنا نشطاء وسعداء حينها»(2).

بالتأكيد يُعد العناق طريقةً فعّالةً للمُعافاة، حيث تُبيِّن الكثير من الأبحاث أثره الفعّال في معالجة كلٍّ من الأمراض والوحدة والإحباط والقلق والتوتر وجعل حياتنا أفضل.

وهنا نذكر بعض الفوائد التي توضّح أهمية أن يكون العناق من أساسيات حياتنا اليومية:

  • يساعد العناق على بناء الثقة بين الأشخاص وخلق الإحساس بالأمان، ممّا يساعد على خلق علاقاتٍ اجتماعيةٍ آمنة ومفتوحة.
  • يعزّز من معدلات هرمون الأوكسيتوسين، ممّا يساعد على معالجة الإحساس بالوحدة والانعزال والقلق.
  • الاستمرار في العناق لفترةٍ أطول يعزّز معدلات هرمون (السيروتونين – Serotonin)، وهو ما يساعد على رفع معدلات السعادة عند الأشخاص.
  • يساعد أيضًا على احترام الذات، فمنذ لحظة ولادتنا وعناق عائلتنا لنا يجعلنا نشعر بأننا مهمّين ومحبوبين.
  • يجعلنا أكثر هدوءًا، فهو يريح الأعصاب ويزيح القلق والآلام، حيث يعمل على توازن الجهاز العصبي.
  • يعلّمنا قيم الأخذ والعطاء، والمشاركة والتبادل بينهما.
  • يجعلنا نشعر بنفسنا في تلك اللحظات، ونُملأ بالطاقة، ممّا يجعله شعورًا خاصًّا.
  • الطاقة المتبادلة أثناء العناق تجعلنا نشعر باتحاد ومشاركة أمورٍ كثيرة تزيد التفاهم وتُعزِّز العلاقة بشكلٍ عميقٍ ومستمر.

والآن -ببساطة- يمكننا أن نقول: «إن كانت تفاحة واحدة يوميًا تغنيك عن الطبيب، فكذلك عناقٌ واحدٌ في اليوم يغنيك عنه!»(4) (5) (6).

 

إعداد وتصميم: Mahmoud Ismail
مُراجعة علمية: هشام كامل
تدقيق: محمد الجوهري
تحرير: Ahmed M.Saeed

المصادر:
Cohen, S., Janicki-Deverts, D., Turner, R. B., & Doyle, W. J. (2014). Does Hugging Provide Stress-Buffering Social Support? A Study of Susceptibility to Upper Respiratory Infection and Illness. Psychological Science, 26(2), 135-147. doi:10.1177/0956797614559284http://sc.egyres.com/ZAEz5

Killam, K. (2015, March 17). A Hug a Day Keeps the Doctor Away. Retrieved August 21, 2016, from http://www.scientificamerican.com/article/a-hug-a-day-keeps-the-doctor-away/ http://sc.egyres.com/a2anJ

The Undeniable Power of a Simple Hug. (2016, June 17). Retrieved August 21, 2016, from https://www.psychologytoday.com/blog/lifetime-connections/201606/the-undeniable-power-simple-hughttp://sc.egyres.com/kJCXg

cobsHendel, H. (2016). The Healing Power of Hugs. Psych Central. Retrieved on August 21, 2016, from http://psychcentral.com/blog/archives/2016/06/30/the-healing-power-of-hugs/http://sc.egyres.com/9Luly

Schoenewolf, G. (2016). The Psychology of a Hug. Psych Central. Retrieved on August 21, 2016, from http://blogs.psychcentral.com/psychoanalysis-now/2016/02/the-psychology-of-a-hug/http://sc.egyres.com/4K6Oo

Goldstein, E. (2014). The Power of a Simple Hug as a Natural Anti-Depressant. Psych Central. Retrieved on August 21, 2016, from http://blogs.psychcentral.com/mindfulness/2014/12/the-power-of-a-simple-hug-as-a-natural-anti-depressant/ http://sc.egyres.com/PhaEf

 

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي