يُعَد شكسبير أحد أهم الكتاب الانجليز، فما زالت أعماله تتداول في جميع أنحاء العالم حتى الآن. كان شكسبير شاعرًا وكاتبًا مسرحيًّا ومُمثلًا في عصر النهضة في إنجلترا. قدم الكثير من الأعمال التي تناولت المشاعر والصراعات الإنسانية.

كتب شكسبير نحو 37 مسرحية تدور حول مواضيع مختلفة تاريخية، وتراجيديا، وكوميديا، وكوميديا تراجيدية.

تُعتبر «العين بالعين» إحدى مسرحيات الكوميديا التراجيدية التي كتبها في الفترة الأخيرة لكتاباته التي تندرج تحت هذا التصنيف، لأنها وعلى عكس مسرحيات التراجيديا البحتة، فهي تنتهي بالمُصالحة والغُفران.(1)

تدور مسرحية العين بالعين حول مصير (كلاوديو-Claudio) والذي كان قد قُبِض عليه بُناءً على القوانين التي فعلها (أنجيلو-Angelo).

أراد الدوق أن يرى ما قد يحدث في غيابه، فتظاهر بالسفر خارج البلاد، واختار أنجيلو لينوب عنه في الحكم، ولكنه لم يُغادر، بل تنكر في زي راهب، وأخذ يُراقب كيف تصرف نائبه.

كان أنجيلو صارمًا وغيرَ متزعزعٍ في اتخاذ قراراته، فما إن رأى أن هنالك تحررًا زائدًا في فيينا، أخذ على عاتقه تخليص المدينة من العلاقات الجنسية غير المشروعة.

كانت هناك قوانين قديمة غير مُفعَّلة أعاد أنجيلو تطبيقها، وبُناءً عليها قبض على كلاوديو لإقامته علاقةً جنسية أسفرت عن حمل مع خطيبته (جوليت-Juliet) قبل إتمام الزواج، وحكم عليه بالموت ليكون عبرةً لغيره من المواطنين.(2)

كانت (إيزابيلا-Isabella) أخت كلاوديو على مشارف الرهبنة. عندما علِمَت بما حدث لأخيها ذهبت إلى أنجيلو تطلب منه العفو، ولكنه ساومها بأنه لن يعفُ عنه إلَّا إذا وافقت على إقامة علاقةٍ جنسية معه.

وهنا تدخل الدوق ووضع لها خطة. أخبرها بأن تتظاهر بالموافقة على تلك العلاقة، ولكن بدلًا من ذلك، ستذهب (ماريانا-Mariana) خطيبة أنجيلو التي تركها بعد أن أضاعت مهرها في حادث غرق سفينة، بهذا وبعد أن يقيم معها علاقة سيضطر أن يتزوجها ويعفو عن كلاوديو.

جرت الأمور وفقًا للخطة، ولكن رفض أنجيلو العفو عن كلاوديو خوفًا من الانتقام، فأرسل له الدوق رأس قرصان ميت على أنها رأس كلاوديو ليظُن أنه قد نُفِّذَت أوامره، وتظُن أيضًا إيزابيلا أن اخوها قد قُتِل، فتقوم بتقديم شكوى إلى الدوق الذي سيعود قريبًا وتُخبِره بأعمال أنجيلو المُنافية للآداب.

وأخيرًا يعود الدوق لمظهره ويُعلِن أنه سيستقبل كل الشكاوى فورًا. أخبرته إيزابيلا بالقصة كاملة وتظاهر بعدم تصديقها، لكنه بعد ذلك سيكشف عن حقيقة تنكره، ويضطر أنجيلو أن يعترف بكل جرائمه ويُعفَى عن كلاوديو ويطلب الدوق الزواج من إيزابيلا.(2)

تحليل (جون مولان-John Mullan) كيف تداولت العين بالعين قضايا العدالة والرحمة والعقاب

اعتاد القُراء ممن كَتب لهم شكسبير «العين بالعين» رؤية العقاب الواقع على الجُناة والمُخالفين للقانون، فكان الإعدام في المدن الرئيسية بمثابة متعة عامة. استُخدِمَت المقطرة (وسيلة تعذيب) وأعمدة التشهير لعرض وإذلال المجرمين.

كان الجَلد العلني عقوبةً لبعضِ الجرائم ومنها الجرائم الجنسية، أيضًا كان الكي بديلًا في بعض الأحيان كعقابٍ لبعض الجرائم الوحشية.

امتلكت محاكم الكنائس الصلاحية لمُحاكَمة وعقاب التجاوزات الجنسية، بما في ذلك الزنا وإنجاب الأبناء غير الشرعيين. أما عقوبة الجرائم الأقل فقد تكتفي باعتراف المذنبين بخطاياهم وإعلان توبتهم في الكنائس أمام جماعة المصلين.(3)

تظهر أيضًا أهمية العقاب بطريقتين خلال المسرحية:

أولًا، كسلطة للدولة تستخدمها لكبح الشهوات الجامحة لمواطنيها.

ثانيًا، كمصيرٍ للمسيحيين الذين يخالفوا التعليمات الأخلاقية للدين.

تحدث أنجيلو في المشاهد الأولى عن وجود سببين متماثلين لعقاب المجرمين، فالعدالة القاسية التي طبقها هي تعاليم الدين كما هي قوانين فيينا.

تُقدِّم المسرحية تصورًا دراميًّا نفسيًّا لهؤلاء القاسين في عقاب الآخرين بأنهم قطعًا يعانون من مشاكل نفسية. كما في «الملك لير» عندما تصور شمَّاسًا يجلد عاهرةً قال له: «إنك تجلدها لأنك كنت تشتهيها». فنجد أن أنجيلو الذي لا يطبق تعاليم الدين هو من يحاسب الآخرين بقسوة بدافع خوفه الداخلي من أن يحاسب نفسه.(3)

لاحظ الكثير أن إيزابيلا التي هي النقيض لأنجيلو، هي داعمةٌ مخلصة لتوأمها. لإيزابيلا أيضًا مواقف متطرفة تجاه العقاب، فنجد استمتاعًا مُقلقًا في وصفها للعقاب الذي تفضله عن تضحيتها بعذريتها. تصور إيزابيلا نفسها في منزلة الشهداء بما في ذلك من أحد أنواع التلذذ بالعقاب.

استخدم شكسبير جملة تبدو كعقاب حاد: «العين بالعين والسن بالسن»، كما جاء في العهد القديم. اختار شكسبير هذا العنوان ليناقش أحقية البشر في تطبيق العقاب باسم الرب. وهو مأخوذ من موعظة في إنجيل القديس متى.(3)

بالرغم من أن الدوق هو الضامن لنا بأن الأوضاع ستتحسن، فإنه أمضى معظم أحداث المسرحية يقنع الجميع أنهم سيهلكون بسبب خطاياهم. فقد أخبر كلاوديو بشكلٍ ما أن يكون «متيقنًا من موته».

في نموذج لثورة المسرح الأخلاقية شجع الدوق (إلبو-Elbow) أن يلقي بومبي في السجن بسبب جرائمه القذرة.

عندما عاد بصفته الدوق في الفصل الأخير، ظل يتظاهر ويعاقب البريئين. تظاهر بالأمر بالقبض على إيزابيلا بسبب حديثها ضد آنجلو. وعندما أعلنت ماريانا حقيقة أنجيلو، أمر ايضًا بعقابها، وبذلك أعطى أنجيلو الحبل كاملًا ليشنق نفسه.(3)

تذوق الفاضلات مرار فضيلتهن. ففي مشهد النهاية، أقنع الدوق إيزابيلا أن كلاوديو دفع ثمن إصراراها، مما جعلها تظن أنه قد عُدِم.

يمثل توأم إيزابيلا نقيضًا لها مثله مثل آنجيلو. فصرحت إيزابيلا في حديث ذاتي لها يجب أن يمس قلوبنا: «كم أن عفتها أكبر من أخيها». تعلمت كم هو صعب أن تحافظ على عفتها. قد نظن أنها أيضًا قد عوقبت.

وفي تطورٍ مريرٍ للأحداث كان على إيزابيلا أن تثبت مدى رحمتها من خلال مساعدتها لمريانا في النيل من أنجيلو، حينها كانت إيزابيلا ما زالت تعتقد أن أنجيلو هو السبب في موت أخيها. مع إنها قد اجتازت الاختبار بنجاح، إلا أن المكافأة التي نالتها في النهاية قد يراها البعض أحد أشكال الإدانة، فقد كان عليها أن تتزوج الدوق.

بعد أن تعلمت ما تعلمته من تلك التجربة لم تستطع أن تصبح راهبة رغمًا عنها في النهاية. فقد قال لها الدوق: «أعطني يدك، قولي أنك ستكونين ملكًا لي». فلم يكن لها مجالٌ للرد وما زال الممثلين والمخرجين مترددين حول كيفية إيصال ردها بدون حديث.(3)

المصادر:
(1)
William Shakespeare [Internet]. Biography. [cited 2019 Dec 21]. Available from: https://www.biography.com/writer/william-shakespeare
(2)
SparkNotes: Measure for Measure: Overall Summary [Internet]. [cited 2019 Dec 21]. Available from: https://www.sparknotes.com/shakespeare/measure/summary/
(3)
Measure for Measure and punishment [Internet]. The British Library. [cited 2019 Dec 21]. Available from: https://www.bl.uk/shakespeare/articles/measure-for-measure-and-punishment