علم ما وراء الجينات

علم-ما-وراء-الجينات

علم ما وراء الجينات|علم ما وراء الجينات

نعلم جميعًا من أين نحصل على جيناتنا، أليس كذلك؟ نعم صحيح من آبائنا، وتُمِد هذه الجينات خلايا الجسم بخطة تستطيع من خلالها أن تنمو وتؤدي وظائفها منذ تكونها وحتى موتها. ولكن، أحيانًا يعبث شيئ ما بهذه الخطة، وهذا الشيء ما هو إلا البيئة التي نعيش بها. بالطبع لن تغير البيئة الجينات، ولهذا السبب لن نسمي هذا التغير وراثيًّا، فما يتغير حقًا هو بعض المُركّبات المتحكمة في هذه الجينات، ويمكننا تشبيه هذه المُركبات بمفاتيح الإضاءة في كيفية عملها، حيث تتحكم في ما إذا كان الجين سيعطي تأثيره أم لا.

وتوصف مثل هذه التغيرات بالتغيرات (الإبيجينية – Epigenetic)، ويُعرف هذا العلم باسم علم ما وراء الجينات.

أحد الأمثلة على هذه المركبات أو مفاتيح الإضاءة كما سميناها هو (مجموعات الميثيل – Methyl groups)، والتي تتكون من ذرة كربون مرتبطة بثلاث ذرات من الهيدروجين، ويرمز إليها هكذا: CH3، وترتبط هذه المُركبات بالحمض النووي لكلٍ منا، فتجدها ملاصقة لجينات معينة منذ البداية.

https://gfycat.com/gifs/detail/eachdisastrousguineafowl

نعرف أن الإبيجينوم الخاص بكل فرد يكون مشابهًا تمامًا لأبويه عند الولادة، ولكن ما توصل إليه العلماء أنه بإمكانه التغير على مدار حياة الفرد. كيف ولماذا؟ ما يحدث أن عدة عوامل في البيئة المحيطة -كالملوثات أو النظام الغذائي- قادرة على أن تؤثر على مجموعة الميثيل فتزيلها بعيدًا عن الجين، وقد يغير هذا آلية عمل الجين ويؤدي إلى توقفه عن العمل أو عمله ولكن بشكل غير طبيعي، تعتمد قوة التأثير على التوقيت وعلى طبيعة الجين المتضرر.

خير مثال على التغيرات الإبيجينية ومدى تأثيرها هي التجربة التي قام بها (راندي جيرتل ودانا دولينوي – Randy Jirtle and Dana Dolinoy) عام 2003، وهما عالمان كانا يعملان بجامعة دِوك في دورهام شمال كارولاينا، حيث عرّضوا بعض الفئران لحمية غذائية معينة تؤثر على جين يُسمى (Agouti gene)، وهو جين مسؤول عن لون الفراء في صغار هذه الفئران، فوجدوا أن هؤلاء الصغار -والمتوقع أن يولدوا بلون بني- وُلدوا بلون ذهبي! ليس هذا كل شيء فقد كانوا يأكلون بشراهة عجيبة مما جعلهم أسمن بكثير عن أمثالهم من الفئران الطبيعية.

علم ما وراء الجينات
المصدر: http://sc.egyres.com/NDLyb

كل هذه التغيرات في مظهر وسلوك الفئران ترجع إلى الحمية الغذائية لأمهاتهم، والتي أحدثت تغيرات إبيجينية ظهرت على الصغار لأنها حدثت أثناء نموهم في المشيمة. السؤال هنا: هل ستحدد هذه التغيرات أيضًا مصير الأجيال القادمة لهؤلاء الصغار؟ الإجابة لا، فكل جنين يستطيع أن يمحي هذه التغيرات من الإبيجينوم الخاص به ويعيده تمامًا وراثيًا كما ينبغي.

أو هكذا ظن العلماء..

ولكن بعد سبع سنوات من هذه التجربة، أثبتت (مارجريت موريس – Margaret Morris) وفريقها في جامعة نيو ساوث ويلز في سيدني بأستراليا أن التغيرات البيئية على الإبيجينوم يمكن أن تورث. أثناء التجربة، أخذ الباحثون ذكور فئران صغيرة وعرّضوا نصف هذه الفئران لحمية غذائية طبيعية، بينما تعرض النصف الآخر لحمية عالية الدهون فازداد وزنهم إلى أن أصيبوا بداء السكري، كما نراه يحدث مع كثير من الأشخاص، بعد ذلك تم التزاوج بين هذه الذكور الممتلئة وإناثٍ وزنهم طبيعي، وكان الجيل الناتج صغارًا وزنهم زائد. وعند تجربة التزاوج بين ذكور وإناث معتدلي الوزن، وجدوا صغارهم أيضًا كذلك معتدلي الوزن. وقد كانت هذه التجربة دليلًا على أن الآباء يمكن أن يورّثوا لأبنائهم التغيرات الإبيجينية التي تعرضوا لها.

بعد ذلك ببضعة سنوات، قرر مايكل سكينر (Michael Skinner) وزملاؤه في جامعة ولاية واشنطن في بولمان القيام بدراسة مشابهة، واستخدموا هنا الملوثات عوضًا عن الحمية الغذائية. أظهرت الدراسة نفس النتائج، ألا وهي أن الآباء إذا تعرضوا لملوثات معينة أثرت عليهم، يمكنهم توريث هذه التغيرات لأبنائهم وحتى أحفادهم.

وتوالت الأبحاث بعد ذلك، مؤكدة صحة هذه النتائج حتى أيقننا أننا لسنا نتاج جيناتنا فقط وإنما للبيئة دور كبير في تكويننا.

المصدر

إعداد: نوران عبد الفتاح
مراجعه علمية: مرثا فارس
تدقيق لغوي: هاجر زكريا
تحرير: نسمة محمود

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي