فقدان حاسَتَي الشمّ أو التذوّق ليس بالعرَض الجديد في الالتهابات الفيروسيّة أو مشاكل الدماغ وهو عارض موجود بالفعل ويُسمَّى (Anosmia) أو الخلل الشمّي (بالإنجليزيَّة: Olfactory Dysfunction)، وكما قال أسلافنا من قبل «إذا عُرف السبب بطل العجب» لذا لا يمكن أن نجزم إذا كان هذا العرَض من ضمن أعراض فيروس كورونا المستجدّ أم لا، إلّا بمعرفة سبب هذا العرَض وهل له علاقة مباشرة بهذا الفيروس الجديد أم لا!
سبب عرض فقدان حاستي الشم والتذوق؟
الأمراض الالتهابيّة (بالإنجليزيَّة: Inflammatory Disorders)
تُعتبر السبب الأكثر شيوعًا لفقدان حاستي الشمّ أو التذوّق، وتشمل أمراض الجيوب الأنفيّة (التهاب الجيوب الأنفيّة والتهاب الأنف والسلائل الأنفيّة). وَينشأ نتيجة الانسداد المباشر عن طريق التهاب الأعصاب القحفيّة (بالإنجليزيَّة: Cranial nerves) المتعلّقة بالرائحة أو أنسجة الغشاء المُخاطي التي تُحيط بالأعصاب.
الإصابات الدماغيّة (بالإنجليزيَّة: Head Trauma)
تٍعدّ صدمة الرأس سببًا شائعًا آخر لفقدان حاستي الشمّ أو التذوّق.
الشيخوخة وأمراض التحلل العصبي (بالإنجليزيَّة: Aging and Neurodegenerative Diseases)
ترتبط هذه العمليّات بفقدان الرائحة التي يمكن أن تؤدّي في النهاية إلى فقدان حاسة الشمّ تمامًا. الشيخوخة الطبيعيّة مرتبطة بانخفاض حساسيّة الشمّ، حيث أنّه مع تقدُّم العمر يفقد الإنسان عددًا كثيرًا من الخلايا في بصلة الشم (بالإنجليزيَّة: Olfactory bulb) والتي تعتبر مُهمّة في استشعار الرائحة. ومن المثير للاهتمام أنّ هناك دراسات تربط ضعف القدرة على الشمّ بالاضطرابات العصبيّة مثل مرض الزهايمر ومرض باركنسون.
الحالات الخِلقِيّة (بالإنجليزيَّة: Congenital Conditions)
ومن الحالات الخِلقيّة: متلازمة كالمان (بالإنجليزيَّة: Kallmann syndrome)، ومتلازمة ترنر (بالإنجليزيَّة: Turner syndrome).
العدوى الفيروسيّة (بالإنجليزيَّة: Viral Infection)
عدوى الجهاز التنفّسي العلوي الفيروسي (URI) هي واحدة من الأسباب الرئيسيّة الشائعة لخلل الوظيفة الشميّة.
الفيروسات الأنفيّة، والفيروسات التاجيّة، وفيروسات الإنفلونزا، وفيروسات الإنفلونزا المتلازمة، وفيروسات الجهاز التنفّسي المخلَويّة، والفيروسات الغُدِّيّة، والفيروسات المعويّة مجتمعة تمثّلُ على الأقلّ 70 ٪ أو أكثر من نزلات البرد الشائعة وجميعها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بفقدان حاستي الشمّ والتذوّق. [2]
علاقة فيروس كورونا المستجد بفقدان حاسَتَي الشمّ والتذوّق
مؤخرًا ظهر في عِدّة تقارير إعلاميّة وبحثيّة ارتباط الفيروس المستجدّ بهذا العارض وسوف نستعرض بعض التقارير:
في مدونة تابعة لجامعة ستانفورد ذكرت دكتور زارا باتل (Zara Patel) -أستاذة في نفس الجامعة- أنّه فقدان الشمّ قد يكون أحد العلامات المبكِّرة لعدوى مرض كوفيد-19، ويمكن أن يكون في بعض الحالات العلامة الوحيدة، ويمكن أن تظهر بعد الأعراض الأخرى.
على الرغم من أنّه قد لا يؤثّر على كل مريض يعاني من فيروس كورونا المستجد؛ إلّا أنّ فقدان الرائحة والطعم مرتبطان بالتأكيد بالمرض. في بعض البلدان بما في ذلك فرنسا، استخدموا هذا كآلية لفرز المُصابين حيث يحتاج الناس إلى معرفة أنّ هذه الأعراض يمكن أن تكون مرتبطة بمرض كوفيد-19 حتّى لا يستمرّوا في حياتهم كالمعتاد فينشرون الفيروس.
وأسردت قائلة:
«أولًا، إذا فُقِدتْ حاسّة الشمّ لديك ولم تعد حتّى بعد زوال جميع الأعراض الأخرى، فاطلب الرعاية في أقرب وقت ممكن، أمّا إذا انتظرت طويلًا، فسيكون هناك القليل ممّا يمكننا القيام به لمساعدتك. فإذا عُولجت مبكرًا، تكون التدخُّلات سهلة وبسيطة بما في ذلك التدريب الشمّي، والأدوية ستكون أكثر فعالية. ثانيًا، إذا فَقدَّتَ حاسّة الشمّ أو التذوّق أثناء هذا الوباء ولم يكن لديك أيّة أعراض أخرى، فاتَّصل بطبيبك حيث يُمكن للطبيب أن يقرّر ما إذا كنت بحاجة لعمل اختبار فيروس كورونا المستجدّ أو ما إذا كنت بحاجة إلى العزل الذاتيّ؛ لتجنّب كونك ناقلًا للفيروس في عائلتك أو مجتمعك» [3]
وفي صحيفة الإندبندنت البريطانيّة يشرح البروفيسور كارل فيلبوت -مدير الشؤون الطبية والأبحاث في مؤسسة الحواسّ الخمسة الخيرية (5 senses)- أنّ نزلات البرد والفيروسات غالبًا ما تُسبِّبُ احتقانًا أوَّليًا للأنف، وقد يؤدِّي إلى فقدان الإحساس بالرائحة بعد الإصابة بالفيروس وتُعرف هذه الحالة باسم (Post-viral smell loss).
يُكمِل البروفيسور فيلبوت قائلًا: :
«إذا نظرتَ إلى الأنسجة بالتفصيل تحت المجهر؛ فسترى أنّ النهايات الدقيقة التي تشبه الشعر للخلايا المستقبلة قد سقطت وبالتالي لم تعد الخلايا قادرة على التقاط جزيئات الرائحة من الأنف»
ويُضيف:
«يبدو أنّ الأنف يحتوي على تركيز عالي من الفيروس»
وقد ذكر أنّه نظرًا لأنّ غالبيّة التقارير القصصيّة قد أظهرت إصابة مرضى كوفيد-19 بفقدان حاسّة الشمّ على أنّه عرَضٌ عابر يستمرُّ لمدة تتراوح من أسبوع إلى أسبوعين تقريبًا، فمن المرجَّح أن الفيروس يُسبِّب نوعًا من الالتهابات في الأعصاب الشمِّيّة، بدلًا من التسبُّب في أيّ ضرر لبِنية المستقبلات.
وأكّد أيضًا قائلًا:
«على الرغم من أنّ ديناميكا هذه العمليّة الفيروسيّة لا تزال غير معروفة؛ إلا أنّ آليّة عملها حاسمة لفهمنا لكيفيّة حدوث فقدان الإحساس بالرائحة والطعم بعد مرض فيروسي» [4]
و جاء أخيرًا الردّ الحاسم من مجلة ناتشر الطبيّة العالميّة (Nature Medicine) في بحث نشرته الباحثة د.كارول هـ. يان، طبيبة الأنف والأذن والحنجرة وجراحة الرأس والعنق في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، أنّ فقدان الرائحة والطعم المفاجئ مُحدِّدان إلى حدٍ ما لمرض كوفيد-19.
في مسحها للمرضى الذين قَدِموا إلى المركز الطبيّ التابع للجامعة من أجل اختبار فيروس كورونا المستجد، ذكرت يان وزملاؤها أنّ 68٪ (40 من 59) من المرضى المصابين بالفيروس المستجد قد أَبلغوا عن ضعف في حاسّة الشمّ، و71٪ (42 من 59) ذكروا ضعف حاسّة التذوّق. [5]
يقودنا هذا إلى استنتاج واحد أنّه إذا أُصيب الإنسان بفقدان مفاجئ لحاسّة الشمّ أو التذوق فإنّه من المحتمل بنسبة كبيرة أن يكون مُصابّا بمرض كوفيد-19 تصل إلى عشر مرات أكثر من احتمالية إصابته بأيّ فيروس آخر، كما أكَّدت الطبيبة كارول يان، وحينئذ لابدّ أن يتخذ المصاب إجراءت العزل المنزليّ، وإذا ظهرت أعراض أُخرى مميِّزة للمرض لابدّ أن يبلِّغ الجهات الصحيّة المسؤولة.
ما الإجراءت التي يجب أن تُتَّبعها إذا شعرت بعرض فقدان حاستي الشم والتذوق؟
أولًا: اطمئنّ عزيزي القارئ، سوف يستغرق الأمر بضعة أيام أو أسابيع بسيطة ويختفي العرض تلقائيًا، وسوف تكون حِدَّته خفيفة، فمن النادر أن يتطوّر الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك، وهذا في حالة ظهور العارض وتأكَّدت من إصابتك بالفيروس، أمّا إذا لم تتأكّد من إصابتك بمرض كوفيد-19 فقد تُصَنَّف من ضمن أولئك المصابين الذين لم تظهر عليهم الأعراض (بالإنجليزيَّة: Asymptomatic patient) وهؤلاء هم الأكثر شيوعًا بالإصابة بالمرض.
وهذه بعض الإجراءات التي قد تُسْرِع من شفاء هذا العارض:
- إذا ظهر هذا العارض على أيّ مخالط لمريض مصاب بالفيروس أو غير مخالط فلابدّ أن يتّخذ إجراءت العزل المنزلي الذاتي، وإذا تطوّرت الأعراض لابدّ أن يُبلِّغ الجهات الصحيّة المسؤولة كما ذكرنا سابقًا.
- قد يساعد شطف أنفك من الداخل بمحلول الماء المالح إذا تأثَّرت حاسّة الشمِّ لديك بعدوى أو حساسية كما ذكرت هيئة الخدمات الصحيّة الوطنية البريطانية. [6]
- يمكن أن يُساعد التدريب على الشمّ في زوال العارض بصورة أسرع، وتكون العمليّة على النحو التالي:
هناك أربعة زيوت أساسيّة تُستخدم للمساعدة في استعادة حاسّة الشمّ، الزيوت الأساسية هى: الورد، والحمضيّات أو الليمون، والمنثول أو النعناع، والقرفة.
من أجل القيام بالتدريب يجب أن تشُمَّ كلّ زيت أساسيّ مرتين يوميًا لمدة 6 أسابيع.
الخطوات كالتالي:
-ضع بضع قطرات من الزيت العطري على كرة قطنيّة واتركها لمدة دقيقة أو دقيقتين.
-قَرِّب قطعة القطن من الأنف -ولكن لا تدخلها- مع شهيقك واستنشقها ببطء وبشكل طبيعي.
-حرِّك قطعة القطن بعيدًا، ثم كَرِّر عدّة مرات بنفس الزيت.
-كرِّر هذه العمليّة مع أخذ استراحة بضع دقائق بين كلّ زيت والآخر.
نصائح للتذكير:
–حدّد كلّ رائحة قبل الاستنشاق في كلّ مرّة.
–قد لا تشمّ أيّ شيء في البداية، لكن لا بأس بذلك، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تبدأ في شمّ أيّ شيء. [7]
ملحوظة مهمة جدًا: من العلاجات التي يستخدمها أطبّاء الأنف والأذن والحنجرة في بعض الأحيان لفقدان حاسّة الشمّ نتيجة الاستجابات الالتهابيّة وهي الستيرويدات الأنفيّة.
لا يُنصح أحد بها وخصوصًا مرضي فيروس كورونا المستجدّ حيث أنّها يمكن أن تزيد الحالة سوءًا، لذلك يجب أن تُعطى الستيرويدات تحت إشراف طبيب متخصِّص.
المصادر:
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
المصدر الرابع
المصدر الخامس
المصدر السادس
المصدر السابع
المصدر الثامن