استبدال تاريخ الصلاحية بأجهزة استشعار للتلف للحد من إهدار الطعام

استبدال تاريخ الصلاحية بأجهزة استشعار للتلف للحد من إهدار الطعام

تُهدر مئات الملايين من أطنان الطعام في الولايات المتحدة الأمريكية (USA) كل عام، وعلى الصعيد العالمي، تقدر الخسارة بأكثر من مليار طن. يوجه الكثير من الباحثين أصابع الاتهام إلى تاريخ الصلاحية المدوّن على المنتجات، ويعتقدون أنه السبب وراء تخلص المستهلكين من كميات كبيرة من الأطعمة قبل تعرضها بالفعل للفساد. للخروج من هذه الأزمة، أراد علماء الغذاء والمستشعرات وضع أدوات التحليل في أيدي المستهلكين. فهم يتخيلون أجهزة سهلة الاستخدام تعطي قراءات حاسمة وتقول: «لا يجب تناول هذا المنتج بعد الآن».

تاريخ الصلاحية مؤشر غير دقيق على جودة الطعام

يعتبر المستهلكون تاريخ انتهاء الصلاحية مؤشرًا على أن الطعام لم يعد صالحًا للاستهلاك الآدمي بعد الآن. في الواقع، تستخدم الشركات المصنّعة مجموعة متنوعة من المعايير والطرق التحليلية لتحديد التواريخ التي تراها مناسبة لمنتجاتها، لكن لا تأخذ هذه المعايير بعين الاعتبار كيفية تخزين الناس للمنتجات في المنازل. كما يمكن أن يسبّب اختلاف الصيغة المدونة على ملصق الصلاحية الحيرة للمستهلكين. ففي عام 2015م، وجد معهد تسويق الأغذية (Food Marketing Institute) – والمسمى في الوقت الحالي بشركة سوق المواد الغذائية (Food Marketplace Inc.) – أن 83% من المشترين يتجنبون اختيار المنتجات التي مر التاريخ المدون على ملصقها الذي يحمل عبارة (يباع قبل هذا التاريخ)، هذا الملصق ليس له علاقة بكون المنتج صالح للأكل من عدمه، إنما هو توجيه لتجار التجزئة بإنزال السلع من على أرفف متاجرهم ووقف عرضها للبيع. وبالرغم من تمتّع الملصقات في دول الاتحاد الأوروبي (European Union) بصيغ موحدة، وجد أن 9.5 – 12% من مخلفات الأطعمة المنزلية يُعزى إلى تاريخ الصلاحية المدون على المنتجات.

تقول إميلي برود ليب (Emily Broad Leib) – مديرة مركز قانون وسياسة الغذاء في كلية هارفارد للحقوق (Harvard Law School)-:

«تعتمد أغلب إرشادات سلامة الغذاء التي نتبعها على مبدأ (إذا انتابك الشك في منتج معين، تخلّص منه فورًا)، وأرى أنه مبدأ معيب، فنحن نهدر بهذا الكثير من الطعام»

تدعم برود ليب فكرة وضع ملصقات موحدة، مع عبارات أكثر سهولة على الفهم مثل: (يفضل استخدامه قبل هذا التاريخ)، أو (استخدمه قبل هذا التاريخ).

يقول الخبراء أن استخدام هذه العبارات الواضحة يمكن أن يقلل من هدر الطعام، لكن هذه الملصقات لا تستطيع إخبارنا بجودة الطعام الفعليّة في الوقت الحالي. عند تحديد تاريخ الصلاحية، تنظر شركات المواد الغذائية أولًا إلى الخصائص التي تتعلق بالجودة أو السلامة، مثل: النمو الميكروبي، أو فقدان القيمة الغذائية بسبب الأكسدة، أو التغيرات في قوام الطعام وتركيبه البنائي نتيجة انتقال الماء خلاله. ثم يقيسون على منتج معين كيف تتغير هذه الخصائص مع الزمن، ويقدّرون فترة الصلاحية وفقًا للنماذج التي ينشئونها بمساعدة البيانات التي جمعوها من قبل. لكن هذا يفترض أن المنتج الغذائي محفوظ في الظروف الموصى بها للتخزين منذ خروجه من المزرعة حتى وصوله إلى مائدة الطعام.

تقول ماريا كوراديني (Maria Corradini) – عالمة الأغذية في جامعة جيلف (University of Guelph) –:

«إذا تعرض الطعام لظروف غير تلك الموصى بها، لن نستطيع معرفة ذلك، وعندها يكون تاريخ الصلاحية بلا فائدة»

استخدام بصمات الفلورسنت (Fluorescence Fingerprints) لقياس جودة الطعام

تبحث كوراديني عن طرق جديدة لقياس جودة المنتجات الغذائية أثناء انتقالها من الشركات إلى الموزعين ثم المستهلكين خلال سلسلة التوريد (Supply Chain). وإحدى الطرق التي يستخدمها معملها في تحليل الطعام هي بصمات الفلورسنت، والتي تتضمن تتبع التغيرات في إشارة الفلورسنت الخاصة بالطعام مع مرور الوقت، ومقارنة هذه القياسات بالتغيرات في نسب المواد الغذائية وغيرها من العوامل التي تحدد جودة الطعام. مما يعني أنك غير مضطر إلى الاعتماد على الإحصائيات الثابتة الخاصة بالشركات المنتجة، فالبصمات المضيئة تتيح لك تتبع العديد من سمات المنتج الغذائي في وقت واحد. لكن الجانب السلبي في هذه الطريقة هو أن معظم المستهلكين لا يمتلكون أجهزة قراءة بصمات الفلورسنت في منازلهم، لكن سوف يتم إدخالها في مصانع المنتجات الغذائية قريبًا.

أجهزة استشعار الغازات (Gas Sensors)

طوّر فيرات جودر (Firat Güder) –الذي يعمل مهندسًا في كلية إمبريال في لندن (Imperial College London) – جهاز استشعار منخفض التكلفة من الورق السليلوزي لمتابعة جودة الطعام. تقوم بعض الميكروبات التي تنمو على اللحوم والأسماك بتحليل الأحماض الأمينية (Amino Acids) للحوم والأسماك، وتطلق بعض الغازات مثل الأمونيا (Ammonia) والأمينات (Amines) الأخرى، ومركبات الكبريت (Sulfur Compounds) أثناء تكاثر المستعمرات الميكروبية. يقيس مستشعر جودر معدل تدفق التيار الكهربائي خلال الورق، حيث يمتص الورق الغازات من داخل عبوات الطعام، ويشير التغير في تدفق التيار إلى نمو الميكروبات. تعطي هذه الطريقة قراءات دقيقة، كما يمكن أن يتتبّع المستهلكون جودة الطعام من خلال هواتفهم المحمولة. تستطيع أنف الإنسان تمييز روائح الألبان والأسماك، لكن أجهزة استشعار جودر أكثر حساسية من الأنف. فهي لا تنبهنا فقط عندما يكون الطعام فاسدًا بالفعل كي نتخلص منه، لكنها تنبهنا أيضًا عندما يقترب موعد تلف المنتج الغذائي كي نستهلكه قبل أن يفسد بالفعل، وبذلك تساعد على الحد من هدر الطعام.

يصمم كين سوسليك (Ken Suslick) الباحث في جامعة إلينوي في إربانا – شامبين (University of Illinois at Urbana-Champaign) أيضًا أجهزة استشعار يمكنها تتبع فساد الغذاء. يشير سوسليك إلى أن أجهزة الاستشعار البسيطة مثل جهاز جودر تفتقر إلى الاختيارية. بمعنى آخر، يعطي المستشعر الورقي إشارة عن جميع الغازات (القابلة للذوبان في الماء) التي يمتصها، لكنه لا يستطيع تحديد مقدار مساهمة كل غاز في الإشارة الناتجة. لذلك يحاول فريق جودر إيجاد طريقة لعمل تعديلات كيميائية على الورق للتمييز بين الغازات المختلفة. بينما يسعى سوسليك إلى التغلب على المشكلة التي أشار إليها بطريقة أخرى؛ فبدلًا من استخدام مقياس واحد مثل التوصيلية الكهربائية (Electrical Conductivity) خلال الورق، تقوم أجهزة سوسليك بتمرير الهواء عبر مجموعة من المستشعرات المختلفة لتوليد إشارة معقدة يمكن معالجتها وتصنيفها.  يحاكي هذا النموذج فكرة عمل الأنف البشرية؛ فالأنف تحتوي على 400 مستقبل، يمكن أن يرتبط كل منها بجزيئات مختلفة، مما يخلق نمط إشارة تفسره أدمغتنا على أنه رائحة معينة. لذلك يطلق سوسليك على مستشعره مصطلح الأنف الإلكترونية (Electronic Nose).

في حالة مستشعر سوسليك لفساد اللحوم، يتم وضع شريط بلاستيكي أو ورقي (للاستخدام مرة واحدة فقط) مطبوع عليه مجموعة من الأصباغ الحساسة كيميائيًا داخل آلة الاستنشاق المحمولة. عند سحب الهواء إلى داخل الماكينة ومروره عبر شريط المستشعر، يتغير لون الأصباغ بتفاعلها مع المركبات المتطايرة الموجودة في عينة الهواء. يلتقط الجهاز صورة لنمط الألوان الناتج ويقارنه بسجل الأنماط الذي أنشئ من قبل باستخدام مركبات وتركيزات معروفة.

في الوقت نفسه، تقوم شركة آريبال (Aryballe) الفرنسية – المختصة بتقنيات الشم الرقمية – بتصنيع أجهزة تحاكي الأنف في عملها. يعتمد أنف آريبال الإلكتروني على مبدأ التعرف على الأنماط أيضًا، ولكن بدلًا من استخدام مجموعة من الصبغات، يستخدم مجموعة من الببتيدات (Peptides) المدمجة في فروع الرقاقة الضوئية، مما يخلق سلسلة من المستشعرات البيولوجية المصغرة. تلتقط الببتيدات المواد الكيميائية المتطايرة من عينة الهواء المسحوبة داخل الجهاز. ويرتبط كل مستشعر تقريبًا بالمواد الكيميائية المتطايرة، فتتغير الطريقة التي ينتقل بها الضوء عبر فرعه في الرقاقة. وتُكون قوى الارتباط المختلفة للمستشعرات معًا نمطًا يمكن قراءته بواسطة الأنف الإلكترونية، وتتم مطابقته مع الأنماط الموجودة في قاعدة البيانات الخاصة بالمواد الكيميائية المتطايرة.

وعلى الرغم من مزاياها العديدة، إلا أنَّ هذه الأجهزة لم تصل بعد إلى أيدي المستهلكين بسبب ارتفاع أسعارها. لذلك تعمل الفرق البحثية بجد لتقليل تكلفة صنعها لتكون في متناول الجميع حول العالم في أسرع وقت.

 

المصدر

شارك المقال:
0 0 votes
Article Rating
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي