فوبيا الارتباط العاطفي

DEPENDENCIA-EMOCIONAL

|

نحنُ لا نعيشُ وحدنا في هذه الحياة، وفي كل مرحلة من مراحل حياتنا، يجبُ علينا أن نلتزم بمسؤولياتنا تجاه مَن هم حولنا من بشر، وأن نشهد الكثير من العلاقات والتعاملات، ولكنَّ مواجهة هذه التجارب ليست سواءً بالنسبةِ إلى لجميع، فهناك من يصل معهم الأمر لأن يصابوا بـ… فوبيا الارتباط.

ما هي فوبيا الارتباط؟

إنه خوفٌ مَرَضي من أيِّ ارتباطاتٍ تتضمن بشرًا، وليس خوفًا من العلاقات بشكلٍ مجرد، ويتضمن ذلك تعسُّر اتخاذ أيِّ قراراتٍ صعبةٍ في مختلف جوانب الحياة. ولكنَّ من يعانون من فوبيا الارتباط لا ينتابُهم القلق حين لا يُعْنَى الأمر بالبشر، فشراءُ منزلٍ مثلًا أو سيارةٍ أو ما شابه، لا يشكل لهم أيَّ معاناة، ولكن غالبًا ما ينتابهم الخوف عند قطع وُعودٍ لأيِّ شخص.

لكن، ما السبب؟

هذا الخوفُ من الارتباط يمكن أن تتسبب فيه صدمةٌ سابقة، أو علاقةٌ مؤذية مع أحدِ أولئك الذين كانوا من الأقرباء. فإذا ما تعرضت لمثل هذا الموقف، من الممكن ألَّا تكونَ مستعدًا لأن تضع ثقتك في البشر مرةً أخرى.

وبالنسبةِ إلى بعضِ الناس، يبدو شعور حمل المسؤولية تجاه أيِّ شخصٍ آخر أمرًا غير هين، فهم بالكاد يُدبرون أمورهم ولا يوجد لديهم أي قدرة على الاهتمام بمشاعر شخصٍ آخر، ولكن، كلٌّ ينمو على قدر وعائه، وإذا لم تسمح لنفسك أن يكون لديك متسعٌ لأي شخصٍ آخر، فقد فاتك ما يستحقُ كلَ هذا العناء، ألا وهو الحب.

ربما يكون هناك من الأسباب الكثير مما يمنعك من الارتباط بأي شخصٍ آخر، ولكن عليك أن تسأل نفسك إذا كانت هذه الأسباب قويةً كفاية لتمنعك من أن يصل الجمالُ إلى قلبك.

هل المصاحَبة تُغني عن الرومانسية؟

هُناك من البشر من لا يستطيع أن يُحب أيَّ أحدٍ خارجَ نطاق والديه وإخوته، فتجدهم يحملون الكثير من الودِّ تجاه آبائهم، ولكنهم يشعرون باضطرابٍ إذا أحسوا أيَّ شعورٍ مُهمٍّ تجاه شخصٍ مختلف، حتى لمن الممكن أن يرغبوا بالتعلُّقْ، ولكن خوفهم يمنعهم من ذلك.

في المجتمعات الغربية، يميل الناس في العلاقات لرفض الزواج أو حتى العيش معًا، ويفضلون أن يحصل كلٌّ من الطرفين على حياةٍ منفصلة، ليستمتع كلٌّ منهما بمساحته ووقته الخاص، فهما يوافقان فقط على أن يكونا في علاقة -سواء أكانت مقتصرةً على طرفين أو علاقة مفتوحة- طالما أن كلًّا منهما لديه حياته الخاصة، وهذا يستدعي أن يُقلل الطرفان من الوقت الذي يقضيانه معًا أو يتقابلان فيه. فحتى وإنْ عاشا معًا، لا يكونُ هناك أيُّ توقعاتٍ للقاء أو الاجتماع، فتجد أن كلًّا من الطرفين لديه دائرةٌ مختلفة من الأصدقاء الذين يقابلونهم بشكلٍ مستمر، كما يفضلان أن يحصل كلٌّ منهما على حسابٍ بنكيٍّ منفصل، ويمارسان الرياضة في نوادي مختلفة، أو حتى أحيانًا يقضيان العُطلات في أماكن مختلفة، وقد يحصلون على وظائف في مدن بعيدة عن بعضها عدة أميال دون أي مشكلة.

وقد أصبح تفادي العلاقات الرومانسية أكثر شيوعًا، فالمصاحبة لا تقتضي الالتزام، وهي تُرضي نظرتنا الأنانية والسطحية فيما يتعلق بالرومانسية، فحين تكون طرفًا في علاقة، يقتضي منك هذا أن تلتفت لاحتياجات الطرف الآخر، على عكس المصاحبة. كما أن توافر وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التعارف قد ساعد بشكلٍ كبير على جعل الحياة الرومانسية سلسلة متصلة لا تنتهي من المصاحبات والشركاء الجدد.

لا تخلط الأمور

في أحيانٍ كثيرة، قد يختلط علينا الأمر بين القلقِ من الارتباط والتحمس الزائد المقلق، وحينها، يميل الكثير من الناس لإنهاء الموضوع حتى قبل أن يبدأ. فمن الممكن أن تشعرنا مقابلة شخص جديد بالتوتر، وأحيانًا ما نفهم ذلك على أنه قلق مُحزن، بينما هو -في الواقع- لا يتعدَّى كونه حماسًا لا أكثر، فإن أنهيت العلاقة، تجد أنك قد أعلنت الهزيمة وانسحبتَ حتى قبل أن تقابل الشخص الآخر. إذن،كن دائمًا على علم أن للقلق والحماس التأثيرُ ذاته على الجسم.

أيكون التفادي هو الحل؟

في كل مرةٍ نفتحُ فيها قلبنا لشخصٍ، أو لشيءٍ، أو لمكانٍ جديد، هناك خطر أن نتعرض للخذلان؛ ومع ذلك، فتفادي هذه المخاطرة لن يجعل حياتنا إلا أصغر وأكثر ضيقًا.

هناك من يقول أن أبوابَ الجحيمِ مغلقةٌ من الداخل، وحقيقة الأمر أن حياتك إنما هي ملك لك، لك أن تعيشها كما تشاء. كن حرًا، وأطلق سراح نفسك من السجن الذي أحكمت صنعه لها، وامشِ في هذه الحياة بقلبٍ مُحبٍّ للأمل ويتوقُ للجمال.
فجميعنا يعلم أننا من الممكن أن نُجرح، ولكن إذا حرمت نفسك من الحب، فقد يُجنبك هذا الألم، ولكنه سيحرمك أيضًا من حياة قلبك.

فحين تحب شخصًا ما ثم تتعرض للخيانة، يكون الشفاء صعبًا وطويل المدى، كما يجعلك تشعر بالانفصال بين نفسك ورغباتك وبين صورة الحياة كما كُتب لها، فتجد صعوبةً في أن ترى الخير الموجود في العالم مرةً أخرى. ولكن في النهاية، يظل قلبك خصبًا لزرع الحب كي ينمو ويتفجر عَبَقُه، وثِقْ أن الابتعاد عن شخصٍ خاطئٍ أو علاقةٍ سامة هي خطوة صائبة؛ كي يدخل الشخصُ الصحيح إلى حياتك وقلبك.

 

إعداد: ضحى إبراهيم

مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح

تدقيق لغوي: أحمد أبو المعارف

المصادر:

1

2

3

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي