لا تُعد فكرة كروية الأرض فكرة حديثة، فقد كانت تلك الفكرة مُتعارف عليها في اليونان القديمة منذ القرن السادس قبل الميلاد، وظلت الفكرة محل اختلاف فلسفي إلى القرن الثالث قبل الميلاد. ففي هذا الوقت ظهر فيلسوف يوناني وُلد في قورينا (مدينة في ليبيا حاليًا) وعاش في الاسكندرية اسمه إراتوستينس القوريني- Eratosthenes of Cyrene.
إراتوستينس كان أول من قام بحساب محيط كوكب الأرض (ومنه يكون من السهل حساب نصف قطر كوكب الأرض عن طريق قسمة المحيط على 2π).
كيف قام إراتوستينس بقياس مُحيط كوكب الأؤض منذ اكثر من 2200 عام؟
في الواقع، لم يستخدم إراتوستينس أي شيء في قياساته باستثناء قوانين الهندسة الإقليدية التي تعلمناها جميعًا في المدرسة.
تخيل معي الصورة التالية، لو انك وضعت قلمين عموديين على ورقة مُسطحة كما في الصورة، وإذا جاء عليهما ضوء من مسافة بعيدة بشكل عمودي كما هو في الصورة على اليسار، فلن يكون هُناك ظل للقلمين، وإذا جاء عليها ضوء من مسافة بعيدة بشكل غير عمودي بحيث انه ستكون هناك زاوية بين الضوء وبين القلم ستكون الزاوية بين الضوء والقلم الأول (a) هي نفس الزاوية بين الضوء والقلم الثاني (a)، لإن أشعة الضوء الساقط على القلمين من مسافة بعيدة جدًا بهذا الشكل ستوازي بعضها البعض.
تخيل معي مرة أُخرى نفس الموقف، ولكن في هذه المرة سيكون هذا السطح مُنحنٍ، ما الذي تتوقعه؟
إذا كانت إجابتك بأن الزاوية ستكون مُختلفة فإجاباتك بالطبع صحيحة، ففي الوقت الذي سيكون فيه شُعاع الضوء ساقط على احد القلمين بشكل عمودي سيكون هُناك شُعاع ضوء موازٍ ساقط على القلم الاخر مُشكلًا زاوية بينه وبين هذا القلم.
ومن هُنا استطاع إراتوستينس ان يحسب مُحيط كوكب الأرض.
ففي الوقت الذي ستكون فيه أشعة الشمس ساقطة بشكل عمودي على أحد المَسلّات في اسوان، سيكون هُناك شعاع ضوء موازي ساقطًا على أحد المَسلّات في الاسكندرية ومُشكلًا زاوية بينه وبين مَسلّة الاسكندرية، كما في الصورة التالية.
المُثير للاهتمام أن الزاوية بين شعاع الضوء وبين مسلّة الاسكندرية هي نفسها الزاوية بين امتداد خط المسلّة داخل كوكب الأرض إلى المركز، وبين امتداد خط مسلّة اسوان إلى المركز ايضًا (في الواقع ما استعمله إراتوستينس لم تكُن مسلّة في أسوان، ولكنه بئر، وكان قد أجرى قياساته في منتصف النهار لما كانت الشمس عمودية على البئر وكان عُمق البئر مُضيء من اشعة الشمس العمودية عليه).
نعرف جميعًا ان الدائرة تتكون من 360 درجة، وقديمًا كان يتم تقسيم الدائرة لخمسين درجة، إراتوسيتنس حَسب تلك الزاوية بـ 1 من 50، اي ما يُعادل تقريبًا 7 درجات من 360، وبالتالي، إذا استطاع إراتوستينس حساب المسافة بين أسوان والأسكندرية، فسيتمكن من حساب مُحيط كوكب الأرض.
محيط كوكب الأرض = المسافة بين أسوان والأسكندرية × 50
كان إراتوستينس قد سمع أن السَفَر من الأسكندرية لأسوان يستغرق حوالي 50 يومًا بالجَمَل، وحيث ان الجَمَل يقطع في اليوم الواحد ما يُعادل 18.5 كم، فبالتالي تكون المسافة بين الأسكندرية وأسوان بحسب تقدير إراتوستينس حوالي 925 كم، ومن ثم يكون مُحيط كوكب 925 × 50 = 46250 كم، في الواقع إن مُحيط كوكب الأرض بحسب التقديرات الحديثة حوالي 40075 كم.
كانت طريقة إراتوستينس عبقرية في بساطتها، وما جعل النتيجة غير دقيقة فقط هو عدم إمكانيته في زمنه حساب المسافة بين الاسكندرية واسوان بالدقة الكافية فقط، لكن منهجه في التفكير عبقري، فمن معلومات بسيطة جدًا استطاع ان يصل لحساب مُحيط كوكب الأرض كله بدّقة قوية جدًا بالنسبة لإمكانيات زمنه فقط باستخدام الرياضيات والتفكير المنطقي.
إعداد: Michael M. Louis
مراجعة: Ahmed Reda
تحرير: زياد الشامي