من هو كارل ماركس؟
يُعد كارل ماركس فيلسوفًا ومؤلفًا وعالم اجتماع وخبيرًا اقتصاديًا، وُلد عام 1818 وتُوفي في عام 1883، واشْتُهر بكتاباته عن الرأسماليّة (Capitalism) والشيوعيّة (Communism).
تعاون كارل ماركس مع فريديرك إنجلز ونُشر لهما البيان الشيوعي (The Communist Manifesto) في عام 1848.
كما قام بتأليف كتاب رأس المال (Das Kapital)؛ الذي ناقش نظرية قيمة العمل (Labor theory of value).
العوامل التي أثرت في تكوين فكر كارل ماركس
تأثر ماركس بالاقتصاديين السياسيين الكلاسيكيين مثل: آدم سميث ودافيد ريكاردو، ومع أن تخصصه في الاقتصاد الماركسي (Marxian economics) ليس مفضلًا بين التيار الحديث.
مع ذلك كان لأفكاره تأثيرًا كبيرًا على المجتمعات؛ وبشكلٍ خاص في المشاريع الشيوعيّة مثل: الاتحاد السوفييتي والصين وكوبا.
ولا يزال ماركس مؤثرًا بين المفكرين المُعاصرين في علم الاجتماع والاقتصاد السياسي وتخصص الاقتصاد البدعي -غير الأرثوذكسي- (Heterodox Economics).
أنظمة ماركس الاقتصادية الاجتماعية
يُساوي العديد من الناس كارل ماركس بالاشتراكية (Socialism)، ومع ذلك تظل أعماله لفهم الرأسمالية كنظامٍ اقتصاديّ واجتماعيّ نقدًا صالحًا في العصر الحديث.
ففي كتابه رأس المال؛ عرض ماركس أن المجتمع يتكون من طبقتين رئيسيتين:
-الأولى هم الرأسماليين؛ وهم أصحاب الأعمال الذين ينظمون عملية الإنتاج ويملكون وسائلها مثل: المصانع والأدوات والمواد الخام والذين ينتفعون بالأرباح.
-الثانية هم طبقة العمال الذين أسماهم البروليتاريا (Proletariat)، لا يملك العمال أيًّا من وسائل الإنتاج ولا المنتجات النهائية التي يعملون عليها، ولا أيّ أرباحٍ من مبيعات هذه المنتجات، فقط يعملون مقابل أجورهم من المال.
واعترض ماركس هنا على استغلال الرأسماليين للعمالة بسبب هذه الترتيبات غير العادلة.
المذهب التاريخي لماركس
تُعد المادية التاريخية (Historical Materialism) نظرية أخرى من أهم نظريات ماركس، وتفترض أن المجتمع في أي نقطةٍ زمنية معينة محكومٌ بنوعية التكنولوجيا المستخدمة في عملية الإنتاج.
وفي ظلّ الرأسمالية الصناعية؛ يحكم الرأسماليون العمالة عبر تنظيمها في المصانع والمكاتب حيث يعملون من أجل تقاضي الأجور.
وقبل الرأسمالية؛ اقترح ماركس أن الإقطاعية (Feudalism) موجودةٌ كمجموعةٍ محددة من العلاقات الاجتماعية بين الأمراء أو النبلاء وبين طبقة الفلاحين المرتبطة بالعمالة باليد أو باستخدام الحيوانات المنتشرة في ذلك الوقت.
استخدام الماركسية كأساس
وَضعت أعمال ماركس أُسسًا لقادة الشيوعية المستقبليين مثل: فلاديمير لينين وجوزيف ستالين.
وانطلاقًا من فرضية أن الرأسمالية تحمل بذور تدميرها؛ كونت أفكاره أساس الماركسية (Marxism)، وقدمت الأساس النظري للشيوعية.
كل شيء كتبه ماركس يَعبُر من خلال وجهة نظر العمال تقريبًا، وتأتي من خلاله أفكارُ أن الأرباح ممكنٌ تحقيقها، حيث تُسرق القيمة من العمال وتُحول لأصحاب الأعمال.
لقد كان كارل ماركس بلا نزاع واحدًا من أهم المفكرين الثوريين في زمانه.
حياته المبكرة
وُلد كارل ماركس في مدينة ترير، في مقاطعة بروسيا (ألمانيا حاليًا)، في 5 مايو لسنة 1818.
كان ماركس ابنًا لمُحامٍ يهودي ناجح، تحوَّل إلى اللوثرية –التي تنتسب لتعاليم مارتن لوثر– قبل ولادة ماركس.
درس ماركس القانون في بون وبرلين، وفي برلين تم تقديمه إلى فلسفة جورج فيلهلم فريدريش هيغل (G.W.F. Hegel). وانخرط في التطرّف في سنٍّ مبكرة من خلال أتباع هيجل الشباب، وهم مجموعة من الطلاب الذين انتقدوا المؤسسات السياسية والدينية في عصرهم.
حصل ماركس على الدكتوراة في جامعة ينا عام 1841، ومنعته أفكاره المتطرفة من الحصول على منصبٍ تدريسي، وبدلًا عن ذلك عمِل كصَحفي، وأصبح بعدها مُحررًا في جريدة راينيش زيتونج (Rheinische Zeitung) الليبرالية في كولونيا.
حياته الشخصية
عاش ماركس في فرنسا لبعض الوقت بعدما كان في مقاطعة بروسيا؛ وهناك حيث التقى برفيق دربه فريدريك إنجلز، وقد طُرد من فرنسا لينتقل إلى بلجيكا لفترةٍ قصيرة، قبل انتقاله إلى لندن حيث قضى ما بقي من حياته مع زوجته هناك.
مات ماركس بسبب التهاب الشعب الهوائية وذات الجنب في لندن يوم 14 مارس لعام 1883. ودُفن في مقبرة هاي جيت Highgate)) في لندن.
في عام 1954؛ كشف الحزب الشيوعي لبريطانيا العظمى النقابَ عن شاهد قبر كبير، بما في ذلك تمثال نصفي لماركس ونَقْش « اتّحِدوا يا عمال العالم»، وهو تفسير إنجليزي للعبارة الشهيرة في البيان الشيوعي: «البروليتاريين من جميع البلدان، اتّحدوا ».
أشهر أعماله
فيما يلي بعض أشهر أعمال كارل ماركس:
البيان الشيوعي
يُلخص البيان الشيوعي نظريات ماركس وإنجلز حول طبيعة المجتمع والسياسة، وهو محاولة لشرح أهداف الماركسية، ثم الاشتراكية لاحقًا.
وضَّح ماركس وإنجلز أن الرأسمالية غير مستدامة عند كتابتهم للبيان الشيوعي، وكيف سيتم استبدال المجتمع الرأسمالي الموجود آنذاك بآخر اشتراكي.
كتاب رأس المال
داس كابيتال وعنوانه الكامل نقد الاقتصاد السياسي (A Critique of Political Economy)، هو نقد للرأسمالية؛ يُناقش نظريات ماركس عن السلع، وأسواق العمل، وتقسيم العمل، والفهم الأساسي لمعدل العائد لأصحاب رأس المال.
أصل كلمة الرأسمالية
يُعتبر أصل كلمة الرأسمالية في اللغة الإنجليزية غير واضح، وبالرغم من ذلك كان لماركس المُساهمة في انتشار هذا المصطلح.
وفقًا لقاموس أكسفورد؛ فلقد استخدمها وليم ثاكري لأول مرة في روايته: الجديد (The Newcomes) عام 1854؛ والتي قصد بها الاهتمام بالممتلكات والأموال بشكلٍ عام.
وليس معلومًا لنا إذا كان كِلا الكاتبين على درايةٍ بأعمال أحدهم الآخر، ومع اختلاف سياقاتهم إلا أن كليهما ذكروا مصطلح الرأسماليّة على أنه أمر غير جيد.
التأثير المُعاصر
يتبع الأفكار الماركسية وخاصةً الشكل النقي منها عددٌ قليل في الأزمنة المُعاصرة، حيث اعتنق عدد قليل من المفكرين الغربيين الماركسية بعد عام 1898 عندما تمت الترجمة عن كارل ماركس لأول مرة إلى اللغة الإنجليزية من قِبل الاقتصادي يوجين فون بوهم بافرك.
أظهر بوهم بافرك أن ماركس فشل في دمج أسواق رأس المال أو القيم الذاتية في تحليله، وأبطل معظم استنتاجاته الأكثر وضوحًا. ومع ذلك، هناك بعض الدروس التي يُمكن حتى للمفكرين الاقتصاديين الحديثين تعلمها من ماركس.
ماركس والرأسمالية
على الرغم من أنه كان من أشد نقاد الرأسمالية، أدرك ماركس أن نظامها كان الأكثر إنتاجيةً عن الأنظمة الاقتصادية السابقة أو البديلة.
ففي كتابه رأس المال؛ كتب عن الإنتاج الرأسمالي الذي شمل تطوير نُظمٍ تكنولوجية جديدة؛ فلقد اعتقد أن كل الدولِ عليها أن تصبح رأسمالية وتُطوِّر قدرتها الإنتاجية، ومن ثَمَّ يتمرد العمال بشكلٍ طبيعي مُتحولين إلى الشيوعية.
ولكن مثله مثل سابقيه كآدم سميث ودافيد ريكاردو؛ توقَّع ماركس أنه بسببِ سعي الرأسمالية الدؤوب للربح عن طريق المنافسة، والتقدم التكنولوجي لخفض تكاليف الإنتاج، فإن معدل الربح في الاقتصاد سوف ينخفض دائمًا بمرور الوقت.
نظرية قيمة العمل
آمن كارل ماركس بنظرية قيمة العمل، مثله مثل جميع الاقتصاديين الكلاسيكيين؛ وذلك لشرح الاختلافات النسبية في أسواق الأسعار.
تنص هذه النظرية على أنه يمكن قياس قيمة السلعة الاقتصادية المُنتَجة بشكلٍ موضوعي من خلال متوسط عدد ساعات العمل المطلوبة لإنتاجها؛ بمعنىً آخر، إذا استغرق صنع الطاولة ضعف الوقت الذي يستغرقه صنع الكرسي، فيجب اعتبار الطاولة ذات قيمة مُضاعفة.
لقد فهم ماركس نظرية العمل بشكلٍ أفضل من أسلافه (حتى آدم سميث) ومعاصريه، وقدَّم تحديًا فكريًا مدمرًا لخبراء اقتصاد الأسواق الحرة والحرية الاقتصادية (Laissez-faire) في كتابه رأس المال وهو:
«إذا كانت السلع والخدمات تميل إلى البيع وفقًا لقيم العمل الموضوعية الحقيقية التي تُقاس بساعات العمل، فكيف يتمتع أي رأسمالي بالأرباح؟»
واستنتج ماركس أن معنى ذلك إما أن الرأسماليين كانوا يدفعون أقل من اللازم أو يجعلون العمال يعملون بشكلٍ إضافي، وبالتالي يستغلون العمال لخفض تكلفة الإنتاج.
بينما ثبت في النهاية أن إجابة ماركس غير صحيحة، وتبنى الاقتصاديون لاحقًا النظرية الذاتية للقيمة (Subjective theory of value)، كان تأكيده البسيط كافياً لإظهار ضعف منطق وافتراضات نظرية العمل، ساعد ماركس عن غير قصد في إشعال فتيل ثورة في التفكير الاقتصادي.
التغيير الاقتصادي إلى التحول الاجتماعي
كتب الدكتور جيمس برادفورد “براد” ديلونج، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، في عام 2011:
« جاءت مساهمة ماركس الأساسية في العلوم الاقتصادية في الواقع في جزء من 10 فقراتٍ من البيان الشيوعي، والذي يصف فيه كيف يسبِّب النمو الاقتصادي التحولات بين الطبقات الاجتماعية، والتي غالبًا ما تؤدي إلى صراع على السلطة السياسية».
ويكمن وراء هذا جانبٌ لا يحظى بالتقدير في كثيرٍ من الأحيان من الاقتصاد وهو أخذ المشاعر والنشاط السياسي للفاعلين في المجتمع في الاعتبار.
وقدَّم لاحقًا الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي نتيجةً طبيعية لهذه الحجة؛ حيث اقترح أنه على الرغم من عدم وجود خطأ في عدم المساواة في الدخل بالمعنى الاقتصادي، إلا أنه قد يؤدي إلى انتكاسة ضد الرأسماليّة بين الناس.
وبالتالي هناك اعتبارٌ أخلاقي وأنثروبولوجي (إنساني) لأي نظام اقتصادي، وتُعتبر الماديّة التاريخية هي فكرةُ أن البنية المجتمعية وتحولاتها من أمر إلى آخر يمكن أن تكون نتيجةً للتغيير التكنولوجي في كيفية إنتاج الأشياء في الاقتصاد.
تناولنا معًا مُقدمةً لكل من يُريد التعرف على كارل ماركس الملقب بمؤسس الشيوعية الحديثة وبعضًا من إسهاماته في التاريخ الاقتصادي.