بِمجرَّد أن أذكر كلمة رواية يتبادر إلى ذهنك ذلك الشّكل الورقيّ القديم الذي تحوي طيّاته قصّةً طويلة، غالبًا رومانسيّة ونهايتها حزينة. أمّا إذا لاحظت أنّ الأمر ربما يكون أعقد من ذلك وتساءلت كيف تُطبَخ الرّواية، وكيف يصنع الكاتب هذا الكمّ الغريب من التّفاصيل والأسرار فربّما عليك أن تقرأ قليلًا.
إنّ الرّواية عملٌ نثريٌّ إبداعيّ، تُسرد من خلالهِ التجربة الإنسانيّة في أشكالٍ كثيرة تختلف طولًا وتعقيدًا. وعادةً تكون من خلال سلسلةٍ من الأحداث تدور حول مجموعة من الأشخاص في إطارٍ واسع، ويشمل هذا التّعريف أنواعًا وأساليبَ للرّواية.[1]
أنواع وأساليب الرواية
من أنواع الرّواية ما هو مشهور مثل الروايات الرومانسيّة والواقعية والتاريخيّة.[1] وأيضًا منها ما هو أقل شهرة مثل الروايات الرسائليّة، وهي عبارة عن رواية تُسرد من خلال رسائل يكتبها واحد من الشخصيّات أو أكثر. وقد كُتبت أول روايات هذا النوع عام 1740م. وتعتمد الروايات الرسائليّة على وجهة النظر الذاتية في سرد الأحداث، وساهم ذلك فيما بعد في نشأة الروايات النفسيّة.[2]
وأيضًا هناك نوعٌ تميز به الأدب الإسباني وهي الرّواية البيكارسكية (Picaresque novel) أو الصعلوكيّة، وهي صورة أوّليّة للرّواية يكون فيها البطل أحد أبناء الطبقة المتدنّية الفقيرة، وتبدأ مغامرته بالانتقال من مكان إلى آخر ومن طبقة اجتماعية إلى أُخرى، يحرّكه هدفٌ واحد وهو النّجاة. وكان أوّل ظهور لهذا النّوع من الروايات في القرن السادس عشر.[3]
عناصر الرواية
وبتدقيق النظر في الرّواية سنجد أن الرواية تتكون من عدة عناصر:
الحبكة
وهي كيفية سير الأحداث خلال الرواية، ويحددها الروائي بوضوحٍ غالبًا كما في رواية الجريمة والعقاب لدستوفيسكي (Dostoyevsky)، حيث ترسم الرواية حياة شاب ارتكب جريمةً وسُلّطت الأضواء على نضاله تجاه عقوبته.[1]
الشخصيّات
وتتّضح أهمية الشخصيّات في الرواية في أنّ الحبكة تعتمد عليها، لأن رد فعل النّاس يختلف في الظرف الواحد.
فلنفترض أن قصّتك تدور أحداثها حول رجل اختفت زوجته للتوّ، ربما عن عمد، الرجل الخجول والمنغلق على نفسه قد يتفاعل مع هذا الوضع بالحزن الذي يعطي لاحقًا لمحة عنه وعن زوجته، والرجل المغامر الواثق من نفسه قد يفترض أنّ اختفاءها ليس باختيارها ويبحث عنها بهدف إنقاذها، أمّا الرجل القاسي والغاضب فقد يبحث عنها بهدف الانتقام، هكذا تختلف الحبكة باختلاف الشخصيّة.
وقد تكون الشخصيّات كبيرة العدد بما أنّها عنصر رئيسيّ في كل دراما، كما في رواية آنّا كارنينا (Anna Karenina)، وقد تقتصر الرواية على شخصيّتين فحسب، فكما في رواية إشعال نار (To build a fire) اكتفى (جاك لندن) بشخصٍ واحدٍ مع كلبه.
ويكون لدى الكاتب أربعة مصادر ليأتي بتلك الشخصيّات، أوّلها الكاتب نفسه، وأشخاص حقيقيّون يعرفهم، وأشخاص يسمع عنهم، وخياله الخالص.[4]
وجهة النّظر وطريقة السّرد
قد يكون من الممتع في الروايات أنّها تسمح لنا برؤية العالم من خلال رأس شخصٍ آخر. وهذا هو تعريف وجهة النظر: بعينيّ مَن نرى الأحداث؟ ومن خلال رأس مَن؟ ولمن هذه المشاعر التي نشارك بها الشخصيّة؟ ومن هنا فإن اختيار شخصيّة وجهة النّظر هو أمرٌ حيوي بالنسبة للرواية.[5]
ربما لتعرف أكثر عمّا كان يحدث خلف السِتار، عليك أن تنظر ماذا كان يفعل الكتّاب في عمليّة الإحماء للكتابة، فمثلًا ادّعت (أغاثا كريستي) بأن غسل الصحون يحفّز تدفّق الأفكار.
بينما اعتمد (غراهام غرين) على الأدوات المناسبة، حيث زعم أنّ الآلة الكاتبة ليست مرتبطة بدماغه وأنّه يفضّل استعمال القلم.
وقد يبدو الأمر طريفًا حتّى تعلم أنّ (أونوري دو بالزاك) الكاتب الفرنسيّ كان يفضّل القهوة أثناء الكتابة، وحين وصل إلى تناول خمسين فنجانًا في اليوم، مات متسممًا بالكافيين.
وكان (إرنست هيمنغواي) يكتب واقفًا![6]
ماهيّة الرِّواية من بُعدٍ أعمق
إن الرواية محاولة لإحداث مِرآة من المرايا يستطيع الروائيّ من خلالها رؤية وجهه، وهي أساسًا محاولة لإحداث الذات. وما (وصف الواقع) و(قول الحقيقة) إلا أهداف ثانويّة في الرواية يطلب بها الكاتب أن يعيره القارئ اهتمامه.
أما هدفه الحقيقي فهو أن يفهم نفسه ويدرك غرضه، وبهذا يكون قد مكّن القارئ من فهم نفسه ويدرك غرضه الخاص به.
ولا يعني هذا القول أن هدف الروائيّ ليس الحقيقة بل إنّ هذه الحقيقة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال معرفته لذاته بوضوح.
وهذا يعني أنّ الفن ليس رفع مِرآة أمام الطبيعة وإنّما رفعها أمام وجهك. وقد يفشل الكاتب في تحديد نوع المِرآة التي تدور في ذهنه، فهناك مِرآة مستوية تعكس ما يوضع أمامها، وهناك أخرى محدّبة لا تُظهر إلّا وجهك وقد تشوّهه تشويهًا هائلًا، لكنّها أيضًا رائعة إذا ما أردت أن تتمعن في تجاعيد وجهك وإذا كتبت الرواية بهذه الطريقة قد تفقد الرواية القليل من مصداقيتها.
وإضافة إلى ذلك توجد مِرآة متّسعة الزاوية تشبه بعض مرايا القيادة، إذ تستطيع في مدى حدودها الضيّقة أن تعكس مساحةً واسعة من الواقع وهذا ما ينبغي أن يكون هدفًا للروائي.
ويشير (أينشتاين) إلى أن سكّان المدن يتوجّهون إلى الجبال في عطلات نهاية الأسبوع لأن الأُفق الرحيب يمنحهم إحساسًا بالحرّيّة وهذا هو بالضبط ما يسعى إلى تحقيقه الروائي.
أما بالنسبة للقواعد وحيل الأسلوب والبناء وبناء الشخصيّات. فهي من الأمور التي يتوصّل إليها الكاتب أثناء مواصلة سيره، أو يتعلمها من روايات الآخرين ولا توجد أساسًا إلّا قاعدة واحدة: تجنّب الطرق المسدودة.
إنّ معظم الكتاب الذين انتهوا إلى طرقٍ مسدودة أقدموا على ذلك لأنّهم أولوا الحدث الفنّي إيمانًا زائدًا، والفكر إيمانًا قليلًا. وربّما تكون المشكلة في أنّ الروائي لا يعرف ما يريد من الحياة ومن ثمَّ الفنّ.
وفي النهاية تذكّر أنّه ربّما كان صحيحًا القول أن الرواية تدور حول التربية، فإن هدفها هو تربية الكاتب ومن ثَمَّ القارئ.[7]
المصادر
[1] https://www.britannica.com/art/novel
https://www.britannica.com/art/epistolary-novel [2]
https://www.britannica.com/art/picaresque-novel [3]
[4]كتاب تقنيات كتابة الرواية لنانسي كريس، ترجمة زينة جابر إدريس، ص9, 13
[5] نفس المصدر السابق ص229
[6] المصدر السابق ص320
[7] كتاب فن الرواية لكولن ولسون، ترجمة محمد درويش ص241