كيف تؤثر الموسيقى على دماغنا ؟

MusicDesign

دائمًا ما كنت أمجد الموسيقى، وكنت أقول أنها ثاني أعظم شيء في الوجود بعد العلم ( لغة الكون الثانية )، ولكن، هل هذا صحيح فعلًا؟ هل الموسيقى مؤثرة لهذه الدرجة؟ كيف تستطيع الموسيقى زيادة إنتاجية الإنسان أو حتى قدراته العقلية، وكيف تؤثر على دماغنا وتجعلنا نشعر بمشاعر مختلفة. هل يمكن أن تؤثر على رؤيتنا للآخرين وللعالم؟ ماهي علاقة الموسيقى بحالات نادرة من الصرع وهل يُمكن لتلف في جزء من الدماغ أن يؤثر على إدراكنا للموسيقى؟!

أدمغة الموسيقيين.

قام العالمان (كريستيان جيزر-christiangaser) و(جوتفرايد شلوج-Gottfried shlaug) في الثامن من اكتوبر لعام 2003 بدراسة الفروق الظاهرية بين أدمغة الموسيقىين والأشخاص الذين لا يعزفون الموسيقى والمبتدئين في العزف تم إثبات وجود اختلافات في حجم المادة الرمادية الموجودة في عدة مناطق يتم استخدامها من قِبَل الموسيقىين أثناء عزف الموسيقى، فالتدرب على عزف الموسيقى يحتاج عمل العديد من مناطق الدماغ كالـ(القشرة الحركية الأولية-primary motor cortex) و(القشرة الحركية الجسدية-somatosensory cortex) و(القشرة أمام الحركية-premotor cortex) و(المناطق العلوية الأمامية من القشرة الجدارية- anterior superior parietal areas) و(التلفيف الصدغي السفلي-inferior temporal gyrus). تلك هي المناطق بالتحديد التي يختلف حجم المادة الرمادية فيها ويتراوح اختلافها بين الموسيقىين والأشخاص الذين لا يقومون بالعزف والمبتدئين في العزف، فالموسيقىين يملكون النصيب الأكبر من الاختلاف حيث لديهم الحجم الأكبر للمادة الرمادية في تلك المناطق أكثر من الأشخاص الغير موسيقىين والمبتدئين في العزف، ومبتدئي العزف يقعوا في منتصف هؤلاء حيث يملكون مادة رمادية أكبر من الذين لا يقومون بالعزف وكمية أصغر من العازفين، ويحتل الأشخاص العاديون الذين يكتفون فقط بسماع الموسيقى المرتبة الأخيرة(1).

وهناك مقولة عظيمة لبروفيسور (أوليفر زاكس-oliver sacks) البروفيسور الشهير لعلم الأعصاب بمدرسة الطب في جامعة نيويورك في كتابه (ميوزيسوفيليا-(Musicophiliكان يتحدث فيها عن عظمة التأثير الذي تحدثه الموسيقى في المُخ حيث قال:«ربما سيكون صعبًاعلى الجراحين تمييز أدمغة الفنانين، الكُتاب، أو حتى المتخصصين بالرياضيات، ولكنهم يستطيعون تمييز ادمغة الموسيقىين المُحترفين بدون تردد.» (2).

الموسيقى واللغة.

طبقًا لدراستين لجامعة ستانفورد فإن الموسيقيين يستطيعون التعامل مع اللغات بشكل أفضل من غيرهم ولديهم مهارات واسعة في ذلك حيث يقومون بتمييز الفارق في المقاطع اللفظية أفضل بكثير من غيرهم، وأظهرت تلك الدراسات أيضًا أن الموسيقيين يتمتعون بذاكرة لفظية أفضل بكثير، ففي دراسة قام بها عالم النفس (ستيفن بونجارد-StephanBongard) وعالمان آخران من قسم الموسيقى بجامعة أولدينبرج في ألمانيا، تمت دراسة مُطولة عن مجموعة من الطلاب كان فيها الطلاب الذين يتعلمون حصصًا إضافية في العزف كانوا أفضل في الذاكرة اللفظية عن أقرانهم الذين كانوا يدرسون حصصاً إضافية  في العلوم أو في  أي شيء آخر. قالت (نادين جاب-nadine gab)باحثة ما بعد الدكتوراة سابقة في جامعة ستانفورد:«هذه النتائج لها آثار محتملة هامة لتحسين معالجة الكلام عند الأطفال الذين يعانون صعوبات في فهم اللغة ومهارات القراءة، وتستطيع تلك النتائج أيضًا أن تساعد كِبار السن الذين يجدون صعوبة في القدرة على تمييز التغيرات السريعة في الأصواتبالمقاطع وإدراك الكلام ومهارات الذاكرة اللفظية، وحتى هؤلاء الذين يتعلمون لغة ثانية.» (3).

الموسيقى وكيمياء المُخ.

تؤثر الموسيقى إيجابا على دماغ الإنسان لدرجة كبيرة، حيث تجعل مناطق محورية في التحكم في مِزاج الإنسان تبدأ في تعديل مِزاجه للأفضل. ففي دراسة نُشرت في الخامس والعشرين من ديسمبر 2010، وجد الباحثون ارتفاع نشاط منطقة (النواة المُذنبة-caudate nucleus) أكثر عندما يتوقع الإنسان أن الجزء القادم من الموسيقى سيقوم بالتأثير عليه لدرجة كبيرة، بينما تتأثر منطقة ( النواة المتكئة – Nucleus accumbens) بالاستجابة العاطفية للموسيقى (peak emotional responses –استجابة عاطفية كبيرة)،ووجدوا أيضًا ارتفاع نشاط منطقة (المُخطط البطني-ventral striatum) عندما يتأثر الإنسان فعليًا بتلك اللحظة التي لها أكبر تأثير على مخ الإنسان من تلك المقطوعة، ارتفاع نشاط تلك المناطق من الدماغ يدُل على إفراز أكبر لـ(الدوبامين-Dopamine) وهو ناقل عصبي قوي جدًا في التأثير الإيجابي على مزاج الإنسان وإسعاده (4). أيضًافي دراسةأجريت على مرضى خاضعين لعملية جراحية (5) لـ(استبدال المفصل-joint replacement)، وجدت تلك الدراسة أن استماع المرضي الخاضعين للعملية تحت تأثير مخدر موضعي للموسيقى يُقلل من الإجهاد والضغط بتقليل إفراز الـ(كورتيزول-Cortisol) .

الموسيقى تُغير رؤيتنا للعالم.

نُشرت دراسة  في السابع والعشرين من يوليو عام 2011 أن الموسيقى لا تؤثر فقط على مزاجنا أو حتى دماغنا، ولكنها تؤثر أيضًاعلى إدراكنا للعالم والبشر. كان الخاضعون للتجربة بهذه الدراسة يستمعون للموسيقى بينما يقومون بتعريف الوجوه المعروضة علىهم والتي حينها كانت مُبهمة بعض الشيء ويقولون ما اذا كانت تلك الوجوه مبتسمة أو لها مظهر مُبهج أو اذا كانت بائسة ليختبروا ما إذا كانت الموسيقى ستؤثر على اختيارهم ورؤيتهم للعالم، وكانت النتائج أن الخاضعين للتجربة كانوا أكثر ميلًا لرؤية وجوهاً مُبهجة عندما كانوا يستمعون لموسيقى سعيدة والعكس صحيح (6).

الصرع و الموسيقى.

تلقى دراسات استخدام الموسيقى كعلاج للصرع اهتمام كبير ففي دراسة(المركز الطبي بإيليونز-Illions medical center) لتجربة أثر مقطوعة (سوناتا-sonata) لموزارت على 29 مريض بالصرع، واستمعوا لتلك المقطوعة خلال التجربة لمدة 5 دقائق، والنتائج كانت تحسن حالة 19 مريض منهم (79%) وتقليل نشاط أدمغتهم الزائد الذي كاد يعرضهم للنوبات الصرعية،وأيضًا في قسم طب الأعصاب المُتعلق بالأطفال بمستشفي رويال للأطفال في أدنبرة قامت تجربة اخرىعلى الأطفال المُصابين بالصرع للتأكد من تلك الفرضية وكانت النتيجة إيجابية أيضًا، حيث كان متوسط النبضات العصبية الصرعية قبل الاستماع للموسيقى 3.23 لكل 10 ثواني ولكن أثناء الاستماع قلت حتى أصبحت 2.85.يوجد حالة مرضية تسمى (الصرع الموسيقى-musicogenic epilepsy) مُصطلح يُطلق على الاضطرابات التي تحدث في دماغ بعض الأشخاص المُصابين بنوع نادر من الصرع يتم تحفيزه بالتعرض لسماع الموسيقى، فسماع الموسيقى يُمكن (في حالتهم) أن يؤدي لإصابتهم بعدد أكبر من النوبات الصرعية التي يتم تحفيزها من قبل الموسيقى، ولكن هذا النوع من الصرع نادرًا للغاية (7).

تلف أجزاء المخ وعلاقتها بإدراك الموسيقى.

قام فريق بحثي مُكون من (ناتالي جوسيلين-nathelieGosselen) و(إيزابيل بيريتز-Isabelle pertez) وعالمان آخران بدراسة أثر (الضرر-damage) في مِنطقة اللوزة الدماغية ( amygdala )، الواقعة في (الفص الصدغي-Temporal lobe) لمريضة استثنائية تم إطلاق علىها اسم «S.M» وهي مُصابة بـ(إصابة ثنائية كاملة-complete bilateral damage) في منطقة اللوزة الدماغية في حين أن الفص الصدغي لديها بدون إصابات جسيمة، تم اكتشاف أن إحداث أضرار في مِنطقة اللوزة الدماغية يؤدي لتغير في طريقة فهم الدماغ للموسيقى الحزينة والمرعبة وإدراكها، حيث عُرضت عليها بعض أنواع الموسيقى السعيدة، الحزينة، المُرعبة والمُريحة وطُلب منها أن تقوم بتقييم هذه الأنواع من الموسيقى والقول إذا ما كانت الموسيقى مائلة أكثر لتكون نوعًا من هذه الأنواع، لم تبد تلك السيدة كفاءة في إدراك أي من الموسيقىالحزينة أو المُرعبة وأظهرت ضعف شديد في إدراكها أو التعرف عليها، بينما أظهرت إدراك طبيعي للموسيقى السعيدة، وتقدير أقل لهدوء بعض الموسيقى، فقد قيمت الموسيقى الهادئة بأنها مريحة ولكن بقيمة أقل من التقدير الطبيعي لمدي الراحة والهدوء لتلك الموسيقى(8). وقال العلماء المُشاركين لهذا البحث أن النتائج مُشابهة للنتائج التي حدثت عندما تمت هذه التجربة من قِبل هؤلاء العلماء أنفسهم وبعض العلماء الآخرين عام 2005 (9) على مرضي تعرضوا لـ(ضرر أمامي من جانب واحد للفص الصدغي-unilateral anteromedial temporal lobe damage).

وعبر الفيزيائي العظيم ألبرت آينشتاين عن عظمة الموسيقى عندما قال:

«لو لم أكن فيزيائيًا، لأصبحت موسيقيًا. أنا أفكر عادةً بالموسيقى. أنا أعيش أحلام يقظتي في الموسيقى. أري حياتي بمصطلحات الموسيقى. إنني أحصل على المُتعة الأكبر في حياتي من الموسيقى.» (10).

المصادر :

1- Gaser, Christian, and Gottfried Schlaug. “Brain Structures Differ between Musicians and Non-Musicians.” The Journal of Neuroscience: The Official Journal of the Society for Neuroscience 23, no. 27 (October 8, 2003): 9240–45. http://goo.gl/yJR18j

2-https://goo.gl/J4xT3U

3-http://goo.gl/G3Nlvm

4- Salimpoor, Valorie N., Mitchel Benovoy, Kevin Larcher, Alain Dagher, and Robert J. Zatorre. “Anatomically Distinct Dopamine Release during Anticipation and Experience of Peak Emotion to Music.” Nature Neuroscience 14, no. 2 (February 2011): 257–62. doi:10.1038/nn.2726. http://goo.gl/4JNTD

5- Koelsch, Stefan, Julian Fuermetz, Ulrich Sack, Katrin Bauer, Maximilian Hohenadel, Martin Wiegel, Udo X Kaisers, and Wolfgang Heinke. “Effects of Music Listening on Cortisol Levels and Propofol Consumption during Spinal Anesthesia.” Frontiers in Psychology 2 (2011): 58. doi:10.3389/fpsyg.2011.00058. http://goo.gl/UueDBQ

6- Jolij, Jacob, and Maaike Meurs. “Music Alters Visual Perception.” Edited by Joseph Najbauer. PLoS ONE 6, no. 4 (2011): e18861. doi:10.1371/journal.pone.0018861. http://goo.gl/f368m2

7-https://goo.gl/7yLXF6

8- Gosselin, Nathalie, Isabelle Peretz, Erica Johnsen, and Ralph Adolphs. “Amygdala Damage Impairs Emotion Recognition from Music.” Neuropsychologia 45, no. 2 (January 28, 2007): 236–44. doi:10.1016/j.neuropsychologia.2006.07.012. http://goo.gl/x1JCE7

9- Gosselin, Nathalie, Isabelle Peretz, Marion Noulhiane, Dominique Hasboun, Christine Beckett, Michel Baulac, and Severine Samson. “Impaired Recognition of Scary Music Following Unilateral Temporal Lobe Excision.” Brain: A Journal of Neurology 128, no. Pt 3 (March 2005): 628–40. doi:10.1093/brain/awh420. http://goo.gl/lmffih

10-https://goo.gl/u0C7Vc

إعداد: Shehap Aymen
مراجعة لغوية: Ahmed M. Gawish

مراجعة علمية: Hosny Ayman

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي