كيف تتفادى الخلايا السرطانية محاولات المقاومة المناعية الذاتية؟

OCfeature

|||

عند التحدث عن السرطان لا يمكن إغفال أهمية الجهاز المناعي الطبيعي وغير الطبيعي، وذلك لأنه وبالرغم من عدم توصلنا إلى شرحٍ كاملٍ لوظيفة الجهاز المناعي البشري حتى الآن، إلا أن مفهوم الجهاز المناعي ومواجهته مع السرطان موجود منذ أكثر من 150 عامًا. حيث قدَّم (بول إرليش- Paul Ehrlich) وصفا للأنسجة والخلايا الأولية في آليات الدفاع عن النفس في الجسم المعروفة اليوم باسم الجهاز المناعي. وقد تمكن عام 1892 من تطوير (الأنتيتوكسين- Antitoxin) وكان يستخدم لعلاج الدفتيريا (Diphtheria). وفي عام 1908 حصل إرليخ والعالم الروسي إيلي ميتشنيكوف (Elie Metchnikoff) على جائزة نوبل في الطب وعلم وظائف الأعضاء لعملهم في علاجات الأمصال والمناعة.
خلال هذه الفترة، كان أحد الأطباء الأولين الذين اقترحوا مفهوم تحفيز جهاز المناعة الخاص بالفرد لمهاجمة السرطان الدكتور ويليام كولي (William Coley)، وهو جراح العظام الأمريكي وباحث السرطان. وأشار إلى أن بعض مرضَى السرطان الذين يعانون من العدوى البكتيرية بعد العمليات الجراحية لديهم عمر أطول من أولئك الذين لا يعانون من عدوى ما بعد الجراحة. وقد افترض كولي أن العدوي البكتيرية أدت إلى تنشيط بعض أنواع الظاهرة المناعية التي يمكن أن تتعرف على الخلايا السرطانية وتحاربها.
وقد عمل الباحثون منذ عقود على تطوير علاجات فعالة للسرطانات من جميع الأنواع. ومن المثير للاهتمام، أنه قد لوحظ أن بعض السرطانات تتراجع تلقائيا، مما يؤدي إلى تحسن صحة المريض. وعلى الرغم من أن هذه الانتكاسات العفوية للسرطان نادرة، فقد تم الإبلاغ عنها. وأحد الفرضيات المفسرة لسبب اختفاء تلك السرطانات هو أن الجهاز المناعي للفرد يؤثر عليها بطريقة غير متوقعة مما يؤدي إلى تعرف الجسم على البروتينات غير الذاتية وتدمير الخلايا السرطانية. (1-أ)
وأثناء دراسة حالات الانحدار العفوي تلك تم توثيق استجابات الأجسام المضادة العفوية (Spontaneous antibodies) للسرطانات الذاتية في بعض المرضى. وكذلك، تم الإبلاغ عن استجابات الخلايا التائية العفوية (spontaneous T-cell) ، وكانت أقوى الأدلة التي تربط الاستجابة المناعية هي استجابات الخلايا التائية المرتبطة بالانحدار التلقائي لسرطان الجلد.
وقدأشار ذلك إلى أن الجهاز المناعي الطبيعي لديه القدرة على التعرف على بعض الخلايا السرطانية كخلايا شاذّة وتدميرها. وفي منتصف القرن العشرين، وصف علماء المناعة لويس توماس وماكفارلان بورنيت (Lewis Thomas and Macfarlane Burnet) مفهوم (المراقبة المناعية Immune surveillance-) ،والذي يشرح كيف يمكن للخلايا المناعية الطبيعية أن تتعرف على الخلايا السرطانية وتحظر نموها وتدمرها.

ولتصور كيف يمكن للخلايا السرطانية الأولية أن تتخطى المراقبة المناعية للسرطان، اقتُرِح وجود عملية تسمَّى ( Immunoediting- والتي تعرف بالتعديل المناعي)، ولها ثلاث مراحل متميزة. المرحلة الأولى هي (المراقبة المناعية Immune- surveillance)، والتي تميزت بالقضاء الفعال على الخلايا غير الطبيعية.
ثم يتم التقدم إلى المرحلة التالية من (التعديل المناعي – Immunoediting) وذلك إذا تمكنت خلية غير طبيعية “خلية سرطانية” من تجنب التدمير المناعي بطريقة ما. وبحدوث ذلك يتم التقدم إلى المرحلة الثانية التي تسمى (التوازن المناعي – Immune equilibrium ).
هذه المرحلة من التعديل المناعي مشابهة من الناحية النظرية للسكون السريري (أي وجود ورم غامض خامل). خلال هذه المرحلة، هناك مواجهة، حيث تتشبث الخلايا السرطانية بالبقاء على قيد الحياة والخلايا المناعية تقاتل مرة أخرى، بحيث أن الورم ككل لا ينمو ولا يتقلص بدرجة كبيرة. مع تطور مزيد من الطفرات والتغيرات الأيضية داخل الخلايا السرطانية من هذا الورم الخبيث، تتطوركيفية تمكن خلايا السرطان من التهرب من ردود الفعل المناعية للمضيف. وهذه المرحلة الثالثة التي تسمى (الهروب المناعي- Immune escape )، فإن سلالة الخلايا السرطانية تهرب بشكل أكثر كفاءة من التوازن المناعي للجهاز المناعي، وسوف يبدأ الورم ككل في النمو والغزو، وفي نهاية المطاف، يدخل السرطان في مرحلة (Metastasis) وفيها تنتشر الخلايا السرطانية في أماكن أخرى من الجسم. عندما يحدث هذا الوضع، فإن الجهاز المناعي قد هزم في جوهره، لأنه لم يعد فعالًا في عرقلة نمو الورم الخبيث. ، وتتميز معظم السرطانات في الإنسان بعملية الهروب المناعي وقد لوحِظَ أن ذلك يتصادف مع تحولها إلى سرطانات خبيثة.(1-ب)
ولمعرفة كيف تتمكن الخلايا السرطانية من الوصول إلى مرحلة الهروب المناعي يجب أولا فهم تركيب وآلية عمل الجهاز المناعي.
الوظيفة الأساسية للجهاز المناعي هي حماية الكائن الحي بأكمله من العوامل المعدية مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات. ومع ذلك، فإن النظام لديه العديد من الآليات للقضاء على الخلايا المضيفة التي لديها تشوهات داخلية وخارجية. ومنها خط الدفاع الأول وهو حاجز مادي(physical barrier)، مثل الجلد والأغشية المخاطية، التي تحرس الجسم ضد الغزو الممرض المحتمل. خط الدفاع الثاني هو نظام المناعة الفطري، الذي يتكون من مجموعات من الخلايا على سبيل المثال، (البالعات / الضامة –phagocytes / macrophages ) التي توجد تحت الحواجز المادية. وتتمثل الوظيفة الأساسية لهذين الخطين من الدفاع في وقف الغزاة من الدخول مرة أخرى إلى المضيف، وفي حالة حدوث تمكن أحد الغزاة من العبوريصل الجسم للطبقة الثالثة والأخيرة وهي نظام المناعة التكيفية. حيث يتم تنشيط هذه الخلايا المناعية، عندما تتعرض لأجسام مضادة (Antigens) معينة.
ويتكون الجهاز المناعي الفطري في المقام الأول من عدة خلايا أساسية كالخلايا البلعمية (phagocytic cells) المستمدة من الخلايا الجذعية داخل النخاع العظم. وخلايا البلعمة (Macrophages)، وعدة خلايا أخرى مثل monocytes, neutrophils، والخلايا الشجرية (dendritic cells) ، (mast cells) والخلايا NK، والخلايا التائية T NK
وجميع تلك لخلايا يوجد علي سطحها (Antigens – Antigens protein self) مرتبط مع جزيئات تُسَمَّى التوافق النسيجي الرئيسي(major histocompatibility complex class – MHC-I)، مما يساعد الجهاز المناعي على تمييز “الخلايا الذاتية” من “الغير الذاتية”. ومع ذلك، هناك أيضا خلايا مناعية متخصصة وخلايا تقديم المستضدات (antigen-presenting cells)، والتي يمكن أن تقدم مستضدات البروتين إلى الخلايا المناعية التكيفية جنبا إلى جنب مع التوافق النسيجي الرئيسي الفئة الأولى والثانية (major histocompatibility complex class I and II – MHC-II).
وكذلك الخلايا B والخلايا الشجرية تميز (MHC-I) (MHC-II)، وذلك باستخدامه لتقديم المستضدات (ِAntigens) التي تراكمت في أي مكان في الجسم، ويتم تمييز الخلايا الذاتية عن طريق أخذ أجزاء من الأجسام التي تقوم الخلايا البالعة (phagocytic cells) بحوصلتها وعرضها على الخلايا التائية (T cells) فتقوم بفحصها وإظهار تطابقها.(1-ج)
وفي الحالات الطبيعية (الخلايا السليمة)، فإن المستضدات التي تتعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها (Tumor rejection antigens) هي بيبتيدات من بروتينات الخلايا السرطانية التي يتم عرضها على الخلايا التائية من قبل جزيئات MHC. هذه الببتيدات يمكن أن تصبح أهدافًا لاستجابة الخلايا التائية الخاصة بالورم؛ وذلك لأنها لا تظهر على سطح الخلايا الطبيعية، على الأقل ليس بمستويات كافية لتعترف بها الخلايا التائية. ويمكن تمييز ست فئات مختلفة من مستضدات رفض الورم وتتكون الفئة الأولى من المستضدات التي تحدد الورم بدقة وهذه المستضدات هي نتيجة لطفرات أو إعادة ترتيب الجينات، والتي غالبا ما تنشأ كجزء من عملية تكوين الأورام.(2-ه)

مستضدات رفض الورم (Tumor rejection antigens) قد تنشأ عن الطفرات في البروتينات الذاتية، والتي تحدث أثناء عملية تكوين الأورام.

وكما سبق وأشرنا فإنه بالرغم من قدرة الجهاز المناعي على الكشف عن الخلايا السرطانية وتدميرها (المراقبة المناعية- Immune surveillance)؛ إلا أن معظم الخلايا السرطانية قادرة على التغلب على تلك الآلية المناعية، وقد ثبت أن حدوث الأورام في الفئران التي تفتقر الخلايا الليمفاوية يختلف قليلا عن حدوثها في الفئران مع أجهزة المناعة العادية. وينطبق الشيء نفسه على البشر ناقصة في الخلايا التائية (T cells).
وبملاحظة أن الأورام الرئيسية التي تحدث في الفئران المصابة بنقص المناعة أو البشر هي الأورام المرتبطة بالفيروسات. وبالتالي يبدو أن المراقبة المناعية حاسمة للسيطرة على الأورام المرتبطة بالفيروس أكثر، ولكن الجهاز المناعي لا يستجيب عادة للأجسام المضادة الجديدة المستمدة من التغيرات الوراثية المتعددة في الأورام العفوية.
ولذا فإن الهدف في تطوير اللقاحات المضادة للسرطان هو كسر التسامح بين الجهاز المناعي والأجسام المضادة التي تتكون مع الورم.
وليس من المستغرب أنه نادرًا ما تقوم الخلايا التائية (T cells) برفض الأورام الناشئة ، كما أنها ربما تفتقر (البيبتيدات المضادة المميزة-distinctive antigenic peptides) أو القدرة على التصاق أو جزيئات التحفيز المشترك اللازمة لاستخراج استجابة الخلايا التائية الأولية. وعلاوة على ذلك، هناك آليات أخرى تُمَكِّن الأورام من تجنب هجوم المناعة أو التهرب منه عندما يحدث.

أولا، يمكن أن تكون الأورام منخفضة المناعية (اللوحة اليسرى)، بعض الأورام لا تملك البيبتيدات من البروتينات الجديدة التي يمكن أن تقدمها جزيئات MHC، وبالتالي تظهر طبيعية لجهاز المناعة. والبعض الآخر فقد جزيء أو أكثر من جزيئات الMHC وبالتالي لا يظهرون بروتينات التحفيز المشتركة اللازمة لتفعيل الخلايا التائية الطبيعية. ثانيا، يمكن للأورام في البداية أن تُعبِّر عن المستضدات التي يستجيب لها الجهاز المناعي ولكنها تفقدها عن طريق الاستيعاب الناجم عن الأجسام المضادة (antibody-induced internalization) أو اختلاف الأجسام المضادة (antigenic variation). فعندما تهاجم الأورام بواسطة الخلايا التي تستجيب لمستضد معين، فإن أي ورم لا يعبر عن أن المستضد سيكون له ميزة انتقائية (لوحة مركزية). ثالثا، الأورام غالبا ما تنتج المواد، مثل TGF-β، التي تقمع الاستجابات المناعية مباشرة (اللوحة اليمنى).

كما أن الأورام تميل إلى أن تكون غير مستقرة وراثيًا ويمكن أن تفقد مستضداتها عن طريق الطفرات. في حالة حدوث استجابة مناعية، قد يؤدي عدم الاستقرار هذا إلى توليد الطفرات التي يمكن أن تفلت من الاستجابة المناعية. بعض الأورام، مثل سرطان القولون وسرطان عنق الرحم، تفقد التعبير عن جزيء معين من النوع الأول من مركب التوافق النسيجي الكبير (MHC 1)، ربما من خلال الخلايا المناعية من الخلايا التائية الخاصة بالببتيد التي يقدمها جزيء الطبقة الأولى من MHC كما في الشكل السابق.

وهناك طريقة أخرى تتهرب بها الأورام من تأثير الجهاز المناعي وذلك عن طريق تكوين السيتوكينات المثبطة للمناعة (Immunosuppressive cytokines). العديد من الأورام تعمل بهذه الطريقة، على الرغم من أنه في معظم الحالات لا نعرف سوى القليل عن طبيعتها الدقيقة. تم التعرف على TGF-β لأول مرة في بيئة نمو للورم (وبالتالي أصبح اسمها عامل النمو β)، وكما رأينا، يميل إلى قمع استجابات الخلايا التائية الالتهابية والخلايا المناعية اللازمة للسيطرة نمو الورم. وقد تبين أن عددا من الأورام من الأنسجة المختلفة، مثل سرطان الجلد وسرطان المبيض، وسرطان الغدد الليمفاوية تقوم بإنتاج السيتوكينات المثبطة للمناعة( إيل-10/EL10)، والتي يمكن أن تقلل من تطور ونشاط الخلايا الجزعية. وبالتالي، هناك العديد من الطرق المختلفة التي تتجنب بها الأورام التعرف عليها وتدميرها من قِبَل الجهاز المناعي.(2-و)
وفي النهاية قد تكون قدرة هذه الخلايا على الفرار من محاولات القتل المناعي “الطبيعي” سببًا رئيسيًا للانتشارالتدريجي الورم الخبيث في البشر، وانتشاره في أجزاء أخرى من الجسد مما يؤدي إلى موت المرض في نهاية المطاف.
ولذا فإن المستحضرات الدوائية التي تعمل على إعادة إشراك الجهاز المناعي في القضاء على المرض كـ (sipuleucel-T, ipilimumab, nivolumab, and pembrolizumab) أظهرت تحسنا إحصائيا سريريًا كبيرًا في البقاء على قيد الحياة خاصةً مع المرضى الذين يعانون من سرطان البروستاتا، سرطان الجلد، وسرطان الرئة. وكذلك تعمل بعض المستحضرات الأخرى على مواصلة تعزيز الجهود لتخفيف تثبيط المناعة في الورم، وإعادة إحياء نشاط الخلايا التائية الكامنة التي يمكن أن تعيد مظهرًا من المراقبة المناعية، لا سيما بالاقتران مع العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي والعلاج المناعي التحفيزي (Immunostimulatory immunotherapies)
. ومع انتقال هذه العلاجات من نقاط التفتيش المناعية نحو المزيد من الموافقات والتطبيقات الأوسع، قد يرى الأطباء خيارات جديدة للمرضى الذين يعانون من سرطانات أخرى. على الرغم من أن فئات جديدة من العلاج المناعي لإحياء الخلايا التائية في المرضى الذين يعانون من السرطان لن تقدم طريقة جديدة لمهاجمة الخلايا السرطانية مباشرة، فإنها قد تثبت فعاليتها من خلال قدرتها على استعادة قدرات المناعة الذاتية للمريض، مما يفتح جبهة علاجية جديدة في الإدارة السريرية للسرطان(1-د).

 

إعداد: Basma Eltohamy
مراجعة : Mohamed Gadallah

المصادر:-
1- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC4746082/#B11
Introduction….. Although a complete elucidation(أ)
Spontaneous Regression of Tumors(ب)
(ج))Review of Normal Immune Function for Nonimmunologists
Conclusion(د)
2-
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK27104/
(ه)
14-12. T lymphocytes can recognize specific antigens on human tumors
(و)
14-13. Tumors can escape rejection in many ways

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي