معظمنا يعلم ماهي الأعصاب، نعلم أنها حلقة الوصل بين المخ والعضلات وبقية أعضاء الجسم الأخرى، لكن هل فكرت في (كيف تعمل الأعصاب)؟ أو كيف تتحرك الإشارة العصبية من قشرتك المخية بالأعلى لتصل إلى عضلات قدمك بالأسفل لتحركها؟ هل فكرت في ماهية هذة الاشارة من الأصل؟ سنحاول في هذا المقال –مع مجموعة مقالات أخرى قادمة- أن نُبسّط مثل هذة المعلومات للشغوفين بأسرار الجسم البشري.
والآن لنبدأ، ماهو العصب؟
هو مجموعة من الخلايا العصبية مرتّبة في حزم, أي أن العصب في النهاية عبارة عن خلايا تتميز بالقابلية للاستثارة وله القدرة على توصيل النبضات.
وتتكون الخلية العصبية من ثلاثة أجزاء رئيسية:
1- جسم الخلية (Soma): ويحتوي على النواة والعضيات والسيتوبلازم (السائل الذي تسبح فيه العضيات وباقي الأجزاء).
2- الأفرع أو الزوائد الشجيرية (dendrites): وهي زوائد قصيرة تمتد من الجسم، ووظيفتها إيصال الإشارة العصبية نحو جسم الخلية.
3- المحور (axon): زائدة واحدة طويلة، وظيفتها أخذ الإشارة من الجسم وإرسالها نحو خلية عصبية أخرى أو عضلة أو خلايا مُفرِزة أو غيرها، وأغلب تلك المحاور العصبية مغطاة بطبقة الميالين (Myelin sheath) التي تزيد من سرعة التوصيل فيها.
هناك عدة حالات تتواجد فيها الخلايا العصبية؛
◄ حالة الراحة:
هناك قاعدة عامة في الجسم هي أن نسب وجود الأيونات داخل الخلية تختلف عن خارج الخلية، فتركيز أيون الصوديوم والكالسيوم بالخارج أعلى، والعكس لأيون البوتاسيوم. وذلك بسبب خاصية النفاذية الاختيارية في جدران الخلايا، فالجدار يسمح بدخول أيون (أ) أكثر من (ب) مثلًا، وبسبب مضخات الأيونات في جدار الخلية كذلك والتي بدورها تؤثر في تركيزات الأيونات بالداخل والخارج.
تدعى حالة راحة الخلية العصبية «حالة الاستقطاب» أي أن هناك اختلاف في تركيز الأيونات السالبة والموجبة بالداخل والخارج (أي يكون هناك فرق جهد بين السطح الداخلي والخارجي لجدار الخلية). وذلك كما قلنا مسبقًا بسبب اختلاف نفاذية الجدار للأيونات، حيث أن جدار الخلية العصبية في حالة الراحة يكون أكثر نفاذية لخروج أيونات البوتاسيوم، وبسبب مضخة الصوديوم والبوتاسيوم التي تقوم بإخراج 3 أيونات صوديوم مقابل إدخال أيونيّ بوتاسيوم، لتكون المحصلة هي زيادة إخراج الشحنات الموجبة. لذا تزيد الأيونات الموجبة بالخارج، ليكون السطح الخارجي موجب الشحنة بالنسبة للسطح الداخلي للجدار الخلوي. ويكون فرق الجهد (الجهد بالداخل – الجهد بالخارج) غالبًا يساوي سالب 90 مللي فولت.
◄ حالة الإثارة:
الخلايا العصبية هي خلايا قابلة للاستثارة، أي أنها تستجيب إلى المحفز الخارجي، سواء أكانت تلك المحفزات ميكانيكية أو حرارية أو كيميائية أو كهربية. ويجب أن يكون المحفز كافٍ لتنشأ إشارة أو نبضة عصبية تتحرك على طول الخلية حتى نهايتها مع خلية أخرى، وتدعى تلك الإشارة (Action potential)، وهي لا تتأثر بقوة المحفز الخارجي، فإذا وصل إلى الحد الأدني المطلوب سينشأ الـAP، وإذا زاد عنه سينشأ أيضًا بنفس قوته.
عند تعريض الخلية العصبية لمؤثر تحدث تغيرات في نفاذية الغشاء الخلوي، تزيد نفاذية الغشاء للصوديوم حيث ينشط المحفز قنوات صوديوم ليدخل إلى الخلية العصبية، مما يزيد من الشحنات الموجبة بالداخل ويقلل من فرق الجهد بين الداخل والخارج، ولذلك تدعى حالة (إزالة الاستقطاب – depolarization phase) بل ويزيد دخول الصوديوم حتى ينقلب فرق الجهد إلى +35 بدلًا من -90 مللي فولت، وتسمي هذة المرحلة (قلب أو عكس الاستقطاب-Reversal of polarity) وهذا يسبب تثبيط قنوات الصوديوم وتوقف دخول الصوديوم إلى الخلية، مُنهيًا مرحلة الإثارة، لتحاول الخلية العودة لحالة الراحة مرة أخرى.
الجدير بالذكر هو أن ايونات الكالسيوم تقلل من توصيل أيونات الصوديوم، لذا فزيادة تركيز الكالسيوم عن الطبيعي (تحدث عادة بسبب مشكلة في الغدد جارات الدرقية) تسبب ضعف الإشارات العصبية.
◄ إعادة الاستقطاب:
تبدأ هذة المرحلة بتثبيط قنوات الصوديوم ثم فتح قنوات للبوتاسيوم، فنحن نعلم أن البوتاسيوم بداخل الخلية أكثر لذا عند فتح قنوات البوتاسيوم فإنه يتجه إلى خارج الخلية مما يزيد الشحنات الموجبة بالخارج بالنسبة للداخل، ويتحول فرق الجهد من +35 إلى أكثر من -90 مللي فولت، ثم يعود إلى فرق الجهد الطبيعي -90 مللي فولت، حيث الداخل سالب والخارج موجب.
بعد تبادل الأيونات وحركتها على جانبي الغشاء الخلوي، يحدث خلل في توزيع أيونات الصوديوم والبوتاسيوم، لذا تقوم مضخة الصوديوم والبوتاسيوم (Na+/K+ pump) بإعادة ضبط تركيزات الأيونات.
وخلال فترة الإثارة تكون الخلية غير قادرة على الاستجابة لمؤثر آخر، وتستعيد قابليتها في مرحلة اعادة الاستقطاب.
الآن بعد أن عرفنا كيف تتكون الإشارة العصبية، ينشأ فرق جهد يتحرك على طول محور الخلية العصبية، لكن كيف يتحرك.
- كيف يتحرك هذا الـ Action potentialعلى طول المحور؟
عند وقوع محفز على جزء من خليه عصبية، فإن هذا الجزء يحدث له حالة استثارة (أي ازالة استقطاب كما ذكرنا مسبقًا)، ويكون هذا الجزء من الغشاء داخله موجب وخارجه سالب على عكس الأجزاء المجاورة التي لازالت في حالة راحة (موجب بالخارج وسالب بالداخل). تسري الأيونات كما لو كانت في حلقة من الجزء المثار إلى الأجزاء المجاورة، ومن الأجزاء المجاورة إلى الجانب المستثار، مما يسبب انتقال حالة إزالة الاستقطاب من الجزء المثار إلى الجزء المجاور، وهكذا إلى نهاية محور الخلية العصبية، ليصل إلى النهايات العصبية في أخر كل محور، ثم إلى خلية أخرى لينشطها أو يثبطها.
يختلف هذا الأمر في الأعصاب المغطاة بطبقة المايلين (Myelin sheath)، فهي طبقة عازلة على هيئة قطع، وهناك مناطق غير معزولة بينها تسمى عقد رانفييه (Ranvier nodes) لذلك فعند تلك العقد لا ينشأ (Action potential)، وبالتالي تنتقل الأيونات الموجبة من عقدة لأخرى كأنها تقفز. وهذا هو السبب وراء سرعة توصيل الأعصاب المغطاة بالميالين.
بعد تلك الرحلة الممتعة بداخل أجسادنا، فبت الآن تعتقد أن أعصابنا وأجهزتنا العصبية هي أكثر أجزاء الجسم إدهاشًا حقًا، فالتغيُّر في مجرد تركيزات لبعض أيونات ضئيلة الحجم، يتحكم في مشاعرك وحركاتك وتفكيرك وإحساسك وحياتك بأكملها.
إعداد: ِAhmed A. Saeed و Muhammad Sadeq
مراجعة: Ahmed Abd Elkareem
تصميم: Bothaina Mahmoud
المصدر:
Hall, John E., and Arthur C. Guyton. Guyton & Hall Textbook of Medical Physiology. Edinburgh: Elsevier Saunders, 2006. Print.
#الباحثون_المصريون