«والشِّعر ما اهتزَّ منه روحُ سامِعه كمن تكهرب من سلكٍ على غفل» [1]
هذا ما قاله الشّاعر الكبير (جميل صدقي الزَّهاوي) حينما وصف الشِّعر وتأثيره على النّاس وواقعه عليهم، فالشّعر مِن الفنون العربيّة الأولى عند العرب، وقد برزَ هذا الفنّ في التّاريخ الأدبيّ العربيّ منذُ قديم العصور إلى أن أصبح وثيقةً يمكن من خلالها التعرّف على أوضاع العرب، وثقافتهم، وأحوالهم، وتاريخهم؛ إذ حاول العرب تمييز الشّعر عن غيره من أنواع الكلام المختلف، من خلال استخدام الوزن الشعريّ والقافية، فأصبح الشّعر عندهم كلامًا موزونًا يعتمد على وجود قافية مناسبة لأبياته، ونتيجةً لذلك ظهرت العديد مِن الكتب الشعريّة، والثقافيّة العربيّة التي بيّنت كيفيّة ضبط أوزان الشعر، وقوافيه، وأشكاله البلاغيّة التي ينبغي اتّباعها واعتمادها عند الاستعارة، والتّشبيه، وصنوف البديع، والكناية في الكتابة الشعريّة.
تعريف الشِّعر
الشِّعر يا عزيزي القارئ هو كلام يعتمد على استخدام موسيقى خاصّة به يُطلق عليها مُسمَّى «الموسيقى الشِّعريّة»، كما يُعرف الشّعر بأنّه نوع من أنواع الكلام يعتمد على وزنٍ دقيق، ويُقصد به فكرة عامّة؛ لوصف وتوضيح الفكرة الرّئيسة الخاصّة بالقصيدة، ومن التَّعريفات الأُخرى للشِّعر: هو الكلمات التي تحمل معانٍ لغويّة تؤثّر على الإنسان عند قراءته، أو سماعه، وأيّ كلام لا يحتوي على وزنٍ شعريّ لا يُصنّف ضمن الشّعر. [2]
تاريخ الشِّعر
سنتحدث الآن عن تاريخ الشِّعر، فقليل منّا مَن يعلم أنّ تاريخ الشِّعر العربيّ يعود إلى شبه الجزيرة العربيّة، وتحديدًا عصر ما قبل الإسلام؛ إذ حرصَ العرب على ربط المناسبات والأحداث الخاصّة بهم بالقصائد الشعريّة، وعلاوةً على ذلك عملوا على تطوير صورة القصيدة، وكان لهذا التطوّر نتائجه المهمّة والتي ما زالت محفوظةً في الكتب التاريخيّة القديمة للشّعر العربيّ، ومع وصول الإسلام إلى شبه الجزيرة العربيّة حافظ الشِّعر العربيّ على تطوّره، ولكن أصبح الشعراء أكثر حذرًا في كتابة القصيدة الشعريّة؛ حيث اختفت العبارات أو الألفاظ التي لا تتناسب مع قواعد الدّين الإسلاميّ، وأيضًا ساهم انتشار الإسلام واللغة العربية خارج الجزيرة العربيّة في ظهور الشِّعر الجديد، أو ما يطلق عليه مسمّى «الشّعر الحديث»، وقد اعتمد على الشِّعر العاطفيّ مع اهتمامه بتطوير لغة الشِّعر القديم، والتي لم تعُد تتوافق مع اللّغة الشعريّة الحديثة عند الشعراء العرب. [3]
أهميةُ الشِّعر
دعني الآن عزيزي القارئ أصطحبك في رحلة حول أهميّة الشِّعر ولماذا كان العرب قديمًا يقدّسونه، وسأكتفي بسرد أهم خمسة عناصر وهُم:
1. مرآة الشعوب
يُحاكي الشِّعر العربيّ الأحداث الاجتماعيّة التي تسود في كل عصر، وفي كل زمان، أي أنّه يعالج القضايا الاجتماعيّة، وهنا يبرز دور الشاعر الذي يؤمن أنّه محطّ آمال الجماعة، فيبدأ بوصف الأحداث، والتجارب، والقيم المعنويّة مثل: الشجاعة، والكرم، والنُبل، وبشكل عام يُوجد جانبان للوظيفة الاجتماعيّة الشِّعريّة: جانب إيجابيّ يؤكد على تعليم الفضائل وتخليد قيم الجماعة، وجانب سلبيّ يتعلق بالمدح والهجاء الذي كان سببًا في اشتعال الخلافات بين الناس. [4]
2. مصدر المعرفة والتجارب
الشِّعر هو خلاصة التجارب الإنسانيّة، وهو مصدر المعارف الإنسانيّة، ووعاء ثقافيّ لا غنى عنه؛ لذلك أطلق عليه العرب لقب «ديوان العرب»، أي أنّهم جعلوا الشعر وعاءً لتجاربهم، وحِكَمهم، وعلومهم، ومعارفهم، وثقافتهم. [5]
3. وسيلة لفهم القرآن والسنَّة
الشِّعر من المداخل العربيّة المهمّة المعتمدَة في فهم الآيات القرآنيّة، وتفسير المقصود منها؛ حيث كان عمر بن الخطاب وابن عباس -رضي الله عنهما- يفسّران القرآن الكريم بالشِّعر الجاهليّ، كما كان ابن الأزرق يسأل ابن عباس -رضي الله عنهما- عن آيات في القرآن الكريم، فيجيبه، ثمَّ يعاود ويسأله عن الدليل من كلام العرب، فينشد ابن عباس أبياتًا من الشِّعر العربيّ. [5]
4. إثراء وتنمية اللغة
يلعب الشِّعر دورًا بارزًا في عمليةِ حفظ اللغة وإثرائها، وهو الوسيلة التي يتم من خلالها تنمية المَلَكة البلاغيّة، وتفصيح اللسان، وبشكل عام اتفق العلماء والأدباء في العصور القديمة والحديثة على أنَّ لغة الشِّعر تختلف عن لغة النَّثر؛ لأنّ الشِّعر يحتوي على اللفظ الجزل، والقول الفصل، والكلام البيِّن، كما يحتوي على التمثيلِ الجيِّد، والاستعارات، والإشارات، وقد يقدِّم الشاعر أو يؤخّر بعض الجمل. [5]
5. إحياء الحقّ وإماتة الباطل
يُعتبر الشِّعر الإسلامي من المفاهيم الفكريّة الجديدة التي حثّت على إظهار كلمة الحقّ، وفضح الظلم والاستبداد والطغيان، وهكذا فإنّ هذا المفهوم يدلُّ على عقليّة فكريّة سليمة، وهو عنوان حضاريّ في الأمم، وقد اعتبر سيد الشهداء رجلًا قام إلى حاكم ظالم فَنهَره، مما يدل ذلك على ضرورة رفض الحاكم الظالم؛ لأنّ الأمة التي تسير مع حاكم ظالم لا خير فيها، ولا يمكن أن تنهض وتتحرر. [6]
الآن عزيزي القارئ بعدما أخذتُك في رحلة عن الشِّعر، ووصفه، وتعريفه، وتاريخه، وأهميته فدعني الآن أسألك سؤالًا، ألا وهو: هل تغيَّرت نظرتُك السطحيّة لمفهوم الشِّعر الآن أم لا؟!
المراجع:
- أشعار عن الشِّعر – ديوان العرب [Internet]. [cited 2019 Dec 29]. Available from: https://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=45254&fbclid=IwAR3i75UHJSWKkEGe9imajFJhCTgjTiL6D3moy2Ga5Bp2-OUPP7ixMRdcag8
- د. محمد غنيم (تعريف الشعر وفائدته وفضله وعناصره) – ديوان العرب [Internet]. [cited 2019 Dec 29]. Available from: http://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=18227
- تاريخ الشِّعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري [Internet]. [cited 2019 Dec 29]. Available from: https://www.goodreads.com/book/show/22694304
- د. عماد عبد اللطيف (ماهية الشعر ووظائفه وأدواته: قراءة نقدية في كتاب “مفهوم الشعر”) صفحة (261 – 262) – Academia.edu [Internet]. [cited 2019 Dec 29]. Available from: https://www.academia.edu/34521756/%D9%85%D8%A7%D9%87%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1_%D9%88%D9%88%D8%B8%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%87_%D9%88%D8%A3%D8%AF%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%87_%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9_%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8_%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1_
- د. فضل الله ( كتاب “وظيفة الشعر عند النقاد العرب القدامى”) صفحة (160 – 163 – 170) [Internet]. [cited 2019 Dec 29]. Available from: http://k-tb.com/book/Arabi05499-%D9%88%D8%B8%D9%8A%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1-%D8%B9%D9%86%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%82%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%85%D9%89
- د. علي الشعيبي (الإيجابية والسلبية في الشعر العربي بين الجاهلية والإسلام) – الرسالة العلمية، صفحة (251) [Internet]. [cited 2019 Dec 29]. Available from: https://up.top4top.net/downloadf-7579dkv41-pdf.html