لننظر معًا إلى أعمال (مارك توين-Mark Twain)، رائد الأدب الأمريكي، والرمز الذي لن يوجد مثيل له مجددًا في الثقافة الأمريكية.
على الرغم من تسميته (صمويل لانغهورن كليمنس- Samuel Langhorne Clemens) عند ولادته، إلا إنه سيُعرف دائمًا بالكاتب الأمريكي المميز مارك توين. ترعرع في مدينة وميناء هانيبال، بولاية ميسوري. وقد بدأ توين مساره الأدبي كصحفي يافع بصحيفة هانيبال المحلية، إلا أن فطنته وبراعته في استخدام القلم هو ما جعل منه سريعًا أحد أهم مؤلفي الأدب الأمريكي.
إن الأدب الأمريكي الحديث مصدره كتاب واحد من تأليف مارك توين، ويُدعى هاكلبيري فين
–إرنست همنغواي
كانت طفولة توين وشبابه بولاية ميسوري، هو ما أعطاه الإلهام لروايته الأسطورية (مغامرات توم سوير- The Adventures of Tom Sawyer)، وجزئها الثاني (مغامرات هاكلبيري فين -The Adventure of Huckleberry Finn). نُشرت أولًا مغامرات توم سوير في عام 1876، في أعقاب الحرب الأمريكية الأهلية، وهي مذكرات لمغامرات صبي ذكي يعيش على ضفاف نهر المسيسيبي. دائمًا ما تقود حيل توم سوير الغير مؤذية إلى أحداث ومغامرات طريفة، وهذه الطرائف هي جوهر هذه القصة التي تطلعنا على ماهية بلوغ سن الرشد. تأخذ مغامرات توم وصديقه العزيز هاكيلبيري فين البريئة والخالية من الهموم، منحى مظلم عندما يشهد الصبيان مقتل الدكتور (روبنسون-Robinson) على يد أحد الدخلاء القادمين من خارج البلدة، والذي يدعى (إنجون جو-Injun Joe). ومِن ثمَ يتهم إنجون جو أحد ثُملاء المدينة (مف بوتر-Muff Potter) –وهو شخص غير مؤذي بالمرة- بالجريمة. تنكشف مغامرة صيفية لصيد الكنوز، بينما تُجرى محاكمة ظالمة وغير قانونية تؤول إلى نهاية غامضة.
سيُحاكم مَن يحاول إيجاد دافع في هذه الرواية. سيُنفى مَن يحاول العثور على عبرة أخلاقية فيها وستُطلق النيران على من يحاول العثور على مؤامرة وراءها
-مقدمة مغامرات هاكلبيري فين
لا تعتبر روايتي «توم سوير» و«هاكلبيري فين» من النصوص البارزة من أعمال توين الأدبية فقط، بل أيضًا من النصوص البارزة في تاريخ الأدب الأمريكي. ويظهر تأثر توين الواضح بولاية ميسوري من خلال وصفه للطبيعة الوعرة بوسط غرب الولايات المتحدة. وَصَف مارك توين في روايته تجاويف الكهوف موجودة تحت الأرض،التي لم يصل إليها أحد من قبل. وأيضًا يصف توين للقارئ الأسرار التي تحويها المنازل المهجورة، ووَصَف العديد من معالم الطبيعة في أعقاب الحرب الدموية بوسط غرب الولايات المتحدة. تلك الأوصاف المفعمة بالحيوية هي ما يجعل من قصص مارك توين حكايات عن الأماكن وروحها بدلًا من الأشخاص. قصص مارك توين غنية بالانتماء للأماكن ويظهر ذلك الشعور من خلال حوار الشخصيات. اللهجة التي يستخدمها توين وأنماط اللغة، والألفاظ العامية، وصياغة الحوار تجعل من القارئ مشاركًا في الأحداث. وصف توين للمظاهر الطبيعية بولاية ميسوري، وروائحها الطيبة وأصواتها المحيطة، شاهد على براعة مارك توين كروائي.
يمكن لفترات الحزن أن تنتهي بمفردها، ولكن لتحصل على القيمة الحقيقية للسعادة عليك أن تقتسمها مع شخص آخر
على الرغم من محبيه الكثيرين إلا أنه قد أكتسب عددًا لا بأس به من الأعداء. فقد رأى البعض أن «هاكلبيري فين» هي رواية عنصرية، وتحتوي على أخلاقيات دنيئة ولهجة فظة مليئة بالألفاظ الغير لائقة وأن بها ألفاظًا مهينة للأفريقيين الأمريكيين.
جاء رد الباحث (شيلي فيشر فينكن-Shelley Fisher Fishkin) «أن الرواية ليست فقط غير عنصرية، بل إنها من أعظم الروايات التي تقف ضد العنصرية» فمِن خلال قصة عن صداقة بين فتى أبيض البشرة و عبد هارب يبحثان معًا عن الحرية على متن طوف في نهر الميسيسيبي، يستكشف توين ماهية الصداقة والولاء والأخلاقيات والحرية والعِرق و ماهية أمريكا نفسها. بانتصار القلب السليم على الضمير الشائب يقرر هاكلبيري أنه يفضل الذهاب إلى الجحيم عِوضًا عن تسليم صديقه جيم إلى العبودية.
أنت لا تمنع مؤلفات مارك توين بل تشرحها! أن تدرس فكرة لا يعني بالضرورة أن تدعم الفكرة. الرواية الساخرة لمارك توين «هاكلبيري فين» تُجسد فترة في التاريخ -القرن ال19- وإحدى مساوئه ألا وهي العبودية
-الجمعية الوطنية للنهوض بالأشخاص الملونين
يجب أن يُدرس «هاكلبيري فين» لأنه جزء مهم ومحوري في تاريخ أدب الأمريكيين البيض. يجب أن يُدرس لأنه جزء مهم ومحوري في أدب الأمريكيين الأفريقيين. يجب أن يُدرس لأنه يمثل نقطة اتصال بين هذين النوعين من الأدب الأمريكي
-الكاتب دايفيد برادلي
كان من الرائع اكتشاف أمريكا، ولكن الأروع حقًا كان ألا يتم اكتشافها
-مارك توين
أعمال توين ليست مجرد نصوص مكتوبة، بل هي آثار ملموسة للأدب الأمريكي وتاريخ الثقافة الأمريكية. نقد توين لمظاهر الظلم الاجتماعي والسياسي في أمريكا -التي قد يغلبها التعصب أحيانًا- بكلماته الذكية، هو ما عزز دوره كروائي لامع، وقد دعاه وليم فوكنر «أب الأدب الأمريكي».
ابتعد عن مَن يقلل من شأن طموحك فذلك ما يفعله دومًا صغار العقول، أما العظماء فإنهم يجعلوك تشعر بإنك أيضًا تستطيع أن تكون عظيمًا
العمل الأخير لمارك توين كان سيرته الذاتية التي أملاها على عدة كُتاب وظن أنه سيكون من الممتع إذا تخلى فيها عن الترتيب الزمني، ولكن بعد وفاته وأثناء نشر السيرة الذاتية تمت إعادة ترتيبها. نَشرت جامعة كاليفورنيا الجزء الأول من سيرته، والتي وصلت إلى 736 صفحة في نوفمبر 2010، بعد 100 عام من وفاته وفقًا لطلبه الخاص. وصلت بسرعة إلى قوائم أفضل المبيعات، مما جعل توين من أفضل المؤلفين مبيعًا في القرن 19، والقرن 20،والقرن 21.
التجعيدات هي الآثار التي تتركها الابتسامات
توفى مارك توين في الثاني من أبريل 1910. وقد تنبأ بوفاته قبلها حيث قال «جئت إلى هذا العالم مع مذنب هالي عام 1835 وها هو قادم مجددًا في العام القادم وأنا أتوقع أن أذهب معه»، وبالفعل كانت وفاته بعد ظهور المذنب بيوم واحد، علمًا بأن مذنب هالي يظهر مرة كل 75 عام!
ترجمة وإعداد: سلمى عياد
المصادر:
https://theculturetrip.com/north-america/usa/missouri/articles/mark- -1twain-and-the-shaping-of-american-literature/
https://www.pbs.org/wgbh/cultureshock/teachers/huck/aboutbook.html -2