كيف لأفكار فرانسيس بيكون معالجة أزمة تغير المناخ اليوم؟

20190207111617
فرانسيس بيكون|||

إذا لم نقم بإجراء تغييرٍ جذريٍ في طريقة معيشتنا الحالية فإن العالم سيواجه تدميرًا لكامل النظام البيئي كغرقِ المناطقِ الساحلية وطقسٍ قاسٍ كما جاء في التحذير الصارخ الصادر حديثًا من الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغير المناخ (IPCC).

فإن إحدى طُرق حل هذه المهمة هي النظر للوراء لوقتٍ استطاع فيه التفكير العلمي أن يُحدث تغيرًا ثوريًا في منظورنا.

ففي القرن السابع عشر دعا الفيلسوف (فرانسيس بيكون-Francis Bacon) لما سماه بدايةً جديدةً عظيمةً لطريقةِ تفكيرنا في العالم الطبيعي، وساعد ذلك في الدخول إلى الثورة العلمية التي حلت محل التفكير الجامد في ذلك الوقت.

ويمكننا أن نفعل ما هو أسوأ من اتباع طريقته مرةً أخرى -هذه المرة في تفكيرنا الاجتماعي والسياسي- إذا أردنا معالجة التحدي الأكبر في حقبتنا.

ففي أهم كتبه حدد بيكون أربعة أوهام للعقل وهي مفاهيم خاطئة وأفكار فارغة لا تحتل فقط عقول البشر حتى تجعلَ الحصول على الحقيقة أمرًا صعبًا، بل أيضًا عندما تظهر الحقيقة سوف تدفعه في الاتجاه المعاكس لها تمامًا.

فالعلم الحقيقي كما قال بيكون يجب أن يُنكرها ويرفضها بكل حزم وصرامة وأن يُحررنا منها ويُطهر عقولنا.

لم تعد أوهام بيكون (المُدرجة أدناه) جزءً من التفكير العلمي السليم لكنها لاتزال موجودة في أفكارنا الأخلاقية والسياسية، وتوفر هذه الأوهام الأربعة نموذجًا مفيدًا لفهم التحديات التي نواجهها وكيفية الاستجابة لها.

أوهام القبيلة

بالنسبة لبيكون فإن هذه الأوهام لها أصولها في الطبيعة البشرية نفسها في القبيلة أو في العرق البشري، حيث يقول:

«إن النفس البشرية تشبه المرآة الخاطئة التي تُشوه وتُفسد طبيعة الأشياء عن طريق خلط طبيعتها بها»

فقد كان بيكون يشير إلي طريقة فهمنا للعالم من حولنا لكن وجهة نظرهِ تنطبق على أخلاقنا أيضًا.

وكما جادل الفيلسوف (دايل جاميسون-Dale Jamieson) بأنَ فهمنا الأخلاقي الطبيعي ضيق جدًا بحيث لا يستطيعُ استيعاب العواقب والمسؤولياتِ الأخلاقيةِ التي تأتي مع مشكلة مثل تغير المناخ.

حيث تتسبب مجموعات مُنتشرة من الناس في مجموعةٍ منتشرةٍ من الأضرارِ التي تؤثر على مجموعة أخرى مُنتشرة من الناس على مدى مُنتشر من الوقت والفضاء.

وبما أن أوهام القبيلة طبيعية فطرية وليست مُكتسبة فمن الصعب تغييرها.

وكما قال جاميسون:

«فإن أحد طرق محاربتها هي أن يقومَ الأفرادُ عن عمدٍ بغرسِ القيمِ الخضراءِ مثل رفضِ الماديةِ والتواضع بشأنِ أهميتكَ الخاصة والتعاطفِ الشاملِ مع النظامِ البيئيِ الخاصِ بك».

أوهام الكهف

وفقًا لبيكون: فإن كلَ شخصٍ لديه كهف أو عرين خاص به، والذي يكسر ويضعف ضوء الطبيعة، والكهفُ هو مجموعةٌ من المعارفِ المتراكمةِ لدى الشخصِ نتيجة لتربيتهِ وتعليمهِ

ومن ثَمّ أصبح ذلك جليًا في السنواتِ الأخيرةِ حيثُ يُتابع الناسُ (صوامع المعلومات) الخاصة بهم على الإنترنت.

فعلى سبيل المثال: إنه وعلى الرغم من أن أغلبية الناس في المملكة المتحدة يعتقدون بأن ارتفاعَ درجاتِ الحرارةِ العالميةِ هو نتيجةٌ لانبعاثاتٍ غازيةٍ من صُنعِ الإنسان نجد أن هناك أقلية كبيرة نسبيًا (25%) يعتقدون العكس.

ومؤخرًا وفي يومِ صدورِ تقرير (الـ IPCC) ركزت معظم وسائل الإعلام في المملكة المتحدة على قبلة بين مخمورين في أحد برامج تلفزيون الواقع!

لذلك ولمكافحة أوهام الكهف يجب علينا أن نضمنَ أنه ومن خلالِ التعليمِ ووسائلِ الإعلامِ والثقافة أن يكون الإجماعُ العلميُ وراء تغير المناخِ معروفًا وبشكل جيد للجميع.

صفحة عناوين مجلة فرانسيس بيكون للنهوض بالتعلم، طبعة 1674.

أوهام السوق

بالنسبة لبيكون نشأت هذه الأوهام كنتيجة للتحالفاتِ والعلاقاتِ والتجارة “لغة كل يوم” كما قال بيكون تُقلل من فهمنا للعالم عن طريق الترويج للمفاهيمِ التي يفرضها تخوف العامة من المتعلمين.

كما أن اللغةَ التي تُهيمن على الخطاب السياسي والاقتصادي المُعاصر تُقلل من شأنِ علاقتنا بالعالم الطبيعي، وينصبُ تركيزها علي الربح والاستهلاكِ والنموِ المستمرِ بدلًا من الرفاهية والاستدامة، وبالتالي فإن نظامنا الاقتصادي ليس موجه بشكلٍ جيد نحو الحفاظ علي البيئة.

أوهام المسرح

هذه هي الأوهام التي هاجرت إلى أذهان البشرِ من العقائد الفلسفيّة المختلفة والتي تُمثل عوالمَ خاصةَ بخالقها، وهي عقائد مُسبّقة سواء كانت دينيّة أو سياسيّة أو فلسفيّة، تقوم وبشكل واضح بتقويض التفكير القائم على الأدلةِ حولَ العالم.

حيثُ أنه في السياسةِ المعاصرةِ تستمرُ العقيدة (بالإنجليزيّة: Dogma) المسبقة، والتي عادةً ما تكون في شكلِ مصالح راسخة  في تقويضِ استجابتنا لتغير المناخ، فعلى سبيل المثال: تدعو هيئات إذاعيّة بشكلٍ روتينيٍ منكري تغير المناخ (والذين هم في الغالبِ ممولينَ من أصحابِ الصناعاتِ) للمناقشةِ في نقاطٍ تمَ إثباتها علميًا على أساسِ التوازن والحيادية !

ولمكافحة هذه الأصنامُ نحتاج إلى مركزٍ عالميٍ مُعترفٍ به حيثُ يُمكن تقييم المعلومات ذات الصِّلة من الخبراءِ وترجمتها إلى أفعالٍ، ومن شأنِ هذا المركز أن يكونَ المكافئ للمركزِ الفرنسي للرياضيات (مارين مرسين-Marin Mersenne) في القرن السابع عشر والذي سمح بمجموعةٍ واسعةٍ من الاتصالات (من هوبز إلى باسكال إلى ديكارت إلى جاليليو) مما مكّنه من العمل كمركز إنترنت واحد للثورة العلميّة الناشئة آنذاك.

ولمعالجة مشكلةُ تغيرِ المناخِ نحتاجُ وبشكلٍ عاجلٍ إلى مشروعٍ ترميميٍ بعيدِ المدى ذو نِطاقٍ وقدراتٍ مشابهة في القوةِ للثورةِ العلميةِ، وقد يبدو تغييرًا بهذا الحجم بعيدًا وصعبًا تصوره لكن كما قال بيكون نفسه:

«إن أكبر عقبةٍ تواجه تقدم العلمِ إلى إطلاقِ مشاريعَ جديدةٍ وفتحِ مجالاتٍ جديدةٍ للاستقصاءِ هو أنَ البشرَ ييأسونَ وأنهم يَرَونَ الأمورَ مستحيلةً»

المصدر

إعداد: تسنيم نصر
مراجعة: مايكل ماهر

تحرير: نسمة محمود

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي