يُفسِر علم الأعصاب القلق واليقظة المفرطة لدى من يعانون اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة (PTSD)، يُصاب حوالي 10% من النساء وكذلك 4% من الرجال بهذا المرض خلال حياتهم، ويزداد خطر إصابة الرجال والنساء بهذا المرض إذا تعرض أي منهم لصدمة نفسيّة، خاصة إذا حدثت هذه الصدمة في عمر مبكر أو تكررت.
يُعتبر اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة مشكلة تصيب الصحة العقليّة، والذي ربما يتضمن مشاكل في المقدرة على الإحساس بالخطر وإدراكه، وكذلك مشاكل في صورة الفرد عن ذاته واختلال المشاعر.
يمكن أيضًا لهذا الاضطراب أن يسبب مشكلات في إقامة علاقات صحيّة وجيدة مع الآخرين، أو في التعايش مع الأمور غير المؤكدة في الحياة بطريقة جيدة مثل كيف سيصبح مستقبلك أو في التعايش مع الفشل أو تقبل الرفض دو ضجر زائد، من الممكن أيضًا أن تصاب باضطرابات في النوم والمخاوف المرضيّة والمزاج السيء والقلق وصعوبات في الانتباه والتركيز والتي تؤثر على النجاح المهني أو الدراسي.
يُشير البحث في علم الأعصاب إلى وجود خلل في وظائف مناطق الدماغ المسؤولة عن كشف الخطر والاستجابة له، ووجود مشاكل في تنظيم المشاعر وذلك وفقًا لكثير من أعراض اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة.[1]
ما هو اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة؟ وما أعراضه؟
هو مشكلة في الصحة العقليّة والتي تنشأ نتيجة صدمة حدثت مؤخرًا أو في الماضي البعيد، وتتضمن الصدمة نوع من الشعور بالتهديد تجاه حياتك، أو تهديد التعرض للإيذاء الجسدي أو تعرض من تحب لذلك.
الأعراض الأساسيّة لهذا الاضطراب:
- معاودة معايشة أحداث الصدمة مثل الكوابيس واسترجاع الذكريات والمشاعر الفائضة.
- محاولات تجنب ما يذكرك بالصدمة من أحداث أو مشاعر متعلقة بالصدمة.
- الأفكار السلبيّة وردود الأفعال العاطفيّة.
وتدوم هذه الأعراض على الأقل لمدة أسبوعين وتؤثر على أداء المريض أو تسبب له ضيق ملحوظ. [1]
ما هي مناطق المخ المتأثرة بهذا الاضطراب؟
تظهر أعراض اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة لوجود خلل وظيفي في منطقتين رئيسيتين هما:
- اللوزة (Amygdala) : وهو جزء صغير من المخ يشبه اللوزة يقع عميقًا في منتصف الفص الصدغي، وهي مصممة لكي:
- تتعرف على الأخطار في البيئة، وتنشط استجابة الشجار أو الفرار.
- تنشط الجهاز العصبي الودّي ليساعدك في التعامل مع الخطر.
- تساعدك في تخزين المشاعر أو الذكريات المتعلقة بالخطر.
- القشرة الأمام جبهيّة (PFC): هذا الجزء يقع في الفص الجبهي مباشرة خلف الجبهة، وهي مصممة لكي:
- تنظم الانتباه والوعي.
- اختيار أفضل استجابة للموقف.
- تحفّز السلوك الواعي الإراديّ.
- تحدد معنى الأحداث ودلالاتها العاطفيّة.
- تنظيم المشاعر.
- تمنع أو تصحح ردود الفعل المختلة.
فعندما يميز عقلك خطرًا، تحفّز اللوز رد فعل سريع تلقائي دفاعي يتضمن الفرار أو الشجار بالإضافة إلى إفراز هرمون الأدرنالين أو النورإيبينفرين والجلكوز لتنشط عقلك وجسمك، في حالة استمرار الخطر تتواصل اللوزة مع منطقة تحت المهاد والغدة النخامية لإفراز الكورتيزول، وفي نفس الوقت يقيّم الجزء الوسيط من القشرة الأمام جبهيّة الخطر بوعي، والتي بدورها تؤكد أو تكبح استجاب الشجار أو الفرار.
توضّح دراسات الاستجابة للخطر التي أُجريت على المصابين باضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة التالي:
- فرط في تفاعل اللوزة.
- الجزء الوسيط من القشرة الأمام جبهيّة يكون أقل نشاطًا.
مما يعني تفاعل اللوزة بقوة مع الأخطار المحتملة بينما يعاني الجزء الوسيط من القشرة الأمام جبهيّة مشاكل في تنظيم الاستجابة للخطر. [3،2]
آثار الخلل الوظيفي للمخ نتيجة اضراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة
نتيجة لزيادة نشاط اللوزة؛ فإن ذلك يؤدي لإفراز المزيد من النورإيبنفرين كاستجابة للخطر ولا يُنَظّم هذا الإفراز من القشرة الأمام جبهيّة، آثار إفراز النورإيبنفرين عن الحد الطبيعي:
- فرط الاستجابة للمواقف.
- اليقظة المفرطة ووجود صعوبة في النوم، أو الاستيقاظ في منتصف الليل.
- الشعور بالعصبيّة.
- كنتيجة لفرط الاستجابة للمواقف؛ فإن المصابين باضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة يسهل استثارتهم بواسطة أشياء تشبه الصدمة الأصليّة، مثل شخص ناج من اعتداء جنسي يحكي قصته على التلفاز أو الضوضاء العالية أو مرور شخص بالقرب يشبه المعتدي.
- الاندفاع والغضب.
- تجعل اللوزة من يعانون اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة مستعدين لرد الفعل السريع لمواجهة الخطر؛ مما يجعلهم أكثر اندفاعًا.
- تكون القشرة الجبهيّة الحجاجيّة والتي هي جزء من القشرة الأمام جبهيّة صغيرة أو أقل نشاطًا عند من يعانون اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة، وهي مسؤولة عن كبح السلوك الحركي عندما يكون زائد أو غير ضروري، مما يعني أن هؤلاء المصابون يكون لديهم تحكم ضئيل على سلوك الغضب والاندفاع عند استثارتهم. يمكن أن يؤدي الغضب الزائد عن الحد مشاكل في نجاح علاقاتك أو نجاحك الوظيفي.
- قلة المشاعر الإيجابية وزيادة الخوف والغضب.
- يعاني المصابون بهذا الاضطراب قلة في المشاعر الإيجابيّة وزيادة المشاعر السلبيّة، وربما يجدون صعوبة في الاستمتاع بنشاطاتهم وتفاعلاتهم اليوميّة، وربما يرجع ذلك للتواصل الزائد بين اللوزة والفص الجزيري وهو منطقة من المخ مسؤولة عن فهم المشاعر وإدراكها، وتؤثّر دائرة اللوزة والفص الجزيري على الجزء الوسيط من القشرة الأمام جبهيّة، وهي المسؤولة عن إعطاء المعنى للأحداث وتنظيم المشاعر، تشير الأبحاث على أن النشاط الزائد لدائرة اللوزة بالفص الجزيري يمكن أن تقلل نشاط الجزء الوسيط من القشرة الأمام جبهيّة وبالتالي التأثير على قدرة المخ لتنظيم المشاعر السلبيّة وإعطاء معاني إيجابيّة للأحداث. [1]
كيف يؤثر العلاج على أدمغة من يعانون هذا الاضطراب؟
تُشير بعض الدراسات إلى أن العلاجات النفسيّة التي تتضمن التعرض لمظاهر الصدمة من الممكن أن تزيد من قدرة القشرة الأمام جبهيّة على تمييز الأحداث المرتبطة بالصدمة كأقل خطورة أو إعطاء معنى إيجابي لها. تتمتع مضادات الاكتئاب بنفس التأثير.
أوضحت علاجات العقلانية أو تعامل الشخص مع الموقف بتعقل ووعي والتي تستمر من 10 أسابيع إلى 12 أسبوع، صغر حجم اللوزة وزيادة الاتصال بين اللوزة والقشرة الأمام جبهيّة، ولكن يجد بعض المصابون مشاكل في مواجهة صدماتهم بعقلانية؛ حيث يكون التجنب هو السمة المميزة للمصابين، وبعض المرضى يحتاجون إلى بناء العلاقات معهم أولًا لمواجهة مشاعرهم المؤلمة.
الملخص
أوضحت الأبحاث اختلاف أمخاخ من يعانون من اضطراب الكرب التالي للصدمة النفسيّة عمن لا يعانون هذا الاضطراب في وجهين رئيسيين هما:
- الاستجابة بصورة زائدة للخطر.
- وجود صعوبة في تنظيم أو إخماد الغضب أو القلق.
وتستهدف العلاجات الفعّالة الخلل الوظيفي في المخ إما عن طريق تقليل نشاط اللوزة أو زيادة قدرة القشرة الأمام جبهيّة، يمكن للمعالجين المدربين تقليل المعاناة المصحوبة مع تجربة الصدمة، كذلك تعليم المريض عن أعراض الاضطراب وعلم الأعصاب الخاص بهذا الاضطراب، يزيد هذا من التعاطف مع النفس، وقدرة المريض على التحكم في أفعاله.
المصادر:
المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث
إعداد: عبدالسلام حمروش
مراجعة علميّة: بسمة التهامي
تدقيق لغوي/تحرير: نسمة محمود
