هل فكرت يومًا إلى متى سوف تستطيع الماشية توفير احتاجاتنا من اللحوم؟ هل فكرت أيضًا أن مع زيادة عدد البشر سوف يزداد الطلب على اللحوم؟ وهل تخيلت كمَّ الحيوانات التي تُذبح يوميًّا لكي نأكل اللحم؟ وإلى متى سوف يستمر ذلك؟
ببساطة يجب أن نجد طريقة أخرى للحصول على اللحم. ما رأيك في أن نزرع اللحم؟!
نعم هذه هي الفكرة الإبداعية التي عرضها العالم مارك بوست في مؤتمرٍ عامٍّ في لندن سنة 2013.
تصدَّر هذا الخبر عناوين الصحف، ووُصِفَ البرجر المصنوع من هذا اللحم على أنه كثيف؛ أي ليس بليونة اللحم المعتادة (قريب من طعم اللحم ولكن ليس بنفس الطرواة). تُكلِّف هذه التجارب حوالى 300 ألف يورو، واستغرقت عامًا كاملًا في المختبر قبل أن ترى النور. كانت المشكلة الرئيسية هي أن قطعة الهامبرجر التي عُرِضَت كانت مُعدَّةً خصيصًا للحدث الصحفي، ولم تكن كلها قطعة واحدة، بل كانت تجميعًا لعددٍ من القطع الصغيرة. هذا يدل على أن الحصول على كميات كبيرة من هذا اللحم لا يزال بعيد المنال.
كيف يُصنَّع هذا اللحم؟
الجيد في هذا الأمر هو الحصول على لحمٍ دون إيذاء أي حيوان، فكل ما يحدث هو أخذ بعض الخلايا الجذعية التي تُكوِّن العضلات، التي تنشط غالبًا بعد حدوث إصاباتٍ لتُجدد الخلايا التي لحقها ضرر. تؤخد هذه الخلايا وتوضع في وسطٍ مُغذٍّ غنيٍّ بالأكسجين وتُحفِّز التكاثر عن طريق محاكاة طريقة عمل الأوعية الدموية. ومن الممكن نظريًّا أيضًا زراعة كمياتٍ هائلة من اللحم في المعمل من خليةٍ جذعيةٍ واحدة. هذا أشبه بحصادِ ملايين البذور من ثمرة نبات نَمَت من بذرةٍ واحدة.
تشير بعض الدراسات إلى أن اللحوم التي يتم زرعها في المختبر ستتطلب نصف الطاقة التي تحتاجها اللحوم العادية، وتنتج ربع كمية الغازات الدفيئة، ولا تستهلك مساحةً من الأراضي الصالحة للزراعة، وتُقلِّل إلى حدٍّ كبيرٍ من الماء المستخدم لتربية المواشي وزراعة الأعلاف. يمكن أن يكون اللحم المزروع في المعامل أكثر صحةً لأنه لا يحتاج إلى مضاداتٍ حيوية لكي ينمو، كما إنه يُحضَّر دون إيذاء أيِّ حيوانٍ، كل ما يلزم لزراعته هو نسيج صغير من الخلايا الجذعية.
هل طعم اللحم المُحضَّر في المعمل مثل طعم اللحم العادي؟
لا بالطبع فاللحم العادي يتكون من خليطٍ من الأنسجة، مثل العضلات والدهون التي تكسبه الطعمَ المميز والليونة التي يتمتع بها. أما اللحم المحضر في المعمل، فإنه ينمو من أنسجةٍ عضلية، لذلك هي ما جعلت طعمه كثيفًا. لكن هناك بعض الدراسات التي استطاعت دمج العضلات مع الدهون، فقد استطاع العالم موزدزياك من جامعة ولاية كارولينا الشمالية وفريقه أن يكتشفوا بعض مزارع الخلايا من لحم الديك الرومي يمكن أن تقترن لتشكل الدهون مع العضلات عند تعرضها لظروفٍ معينة، ويمكن تعديل العملية لدمج العضلات والدهون وتكوين التناسق المطلوب. لتعطي شكل وطعم اللحم الطبيعي.
هل يجب تسميتها لحومًا؟
ووفقًا لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية FDA، فإنها قامت بتعريف اللحوم المُحضَّرة في المعمل بـ«اللحوم المُنتجة باستخدام تقنية زراعة الخلايا الحيوانية».
اختارت روندا ميلر، الرئيسة السابقة لجمعية علوم اللحوم الأمريكية تسمية «الأنسجة المُستزرعة» في عرضها، وقالت:
ليس لدى علماء اللحوم معلوماتٍ كافية عن الأنسجة المستزرعة لتحديد ما إذا كان ينبغي أن يطلق عليها اسم اللحم.
مُشيرةً إلى أن شركات اللحوم المزروعة في المختبر لم تقدم عيناتٍ متاحة للدراسة. كما اِحتجَّ بعض منتجي اللحوم على اسم اللحم النظيف، لأنه يشير إلى الطاقة النظيفة، وهو استحدامٌ إعلاني، كما هو يشير إلى أن هذا اللحم نظيف وبقية أنواع اللحوم غير نظيفة!
في استفتاءٍ لمجلة تقرير المستهلك الأمريكية حول الاسم الذي يجب إطلاقه على هذة اللحوم، جاءت نتائج الاستفتاء كالتالي:
– %35 اللحوم المحضرة فى المعمل (lab-grown meat).
– %11 اللحم المزوع (cultured meat).
– %9 اللحم النظيف (clean meat).
– %8 اللحم غير الحيوي (in vitro meat).
الشركات التي تعمل في هذا المجال
قام كلٌّ من العالِم مارك بوست (العالم الذي اخترع أول برجر في المعمل) وسيرجي برين (الشريك المؤسس لجوجل) بالاستثمار في شركةٍ ناشئةٍ لصناعة اللحوم المحضرة في المعمل اسمها (Mosa Meat)، بالإضافة إلى عدة مستثمرين آخرين. وصل رأس مال الشركة إلى 7.5 مليون يورو، وسيساعد هذا التمويل على تطوير العملية الصناعية لإنتاج اللحوم في المختبر لإنتاج كِمِّيةٍ أكبر بأسعارٍ منخفضة.
تتوقع شركة Mosa Meat تقديمَ أول مُنتجٍ مصنوعٍ من اللحوم المحضرة في المعمل في السوق بحلول عام 2021. وسيكون هذا المنتج الممتاز الذي يمكن اِتباعه بعد ذلك بمنتجاتٍ أقلَّ تكلفةٍ، حيث تقوم الشركة بتوسيع نطاق الإنتاج.
وقال فيرستيت المدير التنفيذي لشركة mosa meat:
نحن نركز على اللحم البقري، لأن الأبقار هي أقل خطوط الإنتاج كفاءةً في الإنتاج، فالدجاج أكثر كفاءةً بأربعة أضعاف، ولذلك تستخدِم الأبقار معظم الموارد، وتنبعث منها معظم الغازات الدفيئة التي تسبب الاحتباس الحراري. نحن نخطط للتوسع في أنواعٍ أخرى في المستقبل.
في حين أن هذه هي أول جولة لرفع ميزانية شركة لحوم مستنبتة في أوروبا، قامت شركة (Memphis Meats) التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، بجمع الأموال لتطوير منتجات اللحوم الخاصة بها، بما في ذلك اللحم البقري، بالإضافة إلى لحم الدجاج والبط.
وهناك شركاتٌ أخرى في العالم مثل: (SuperMeat) في الكيان الصهيوني تعمل على استنبات لحم الدجاج في المعامل، وشركة (Finless Foods) في سان فرانسيسكو التي تهتم بإنتاج لحم الأسماك بنفس الطريقة.
إعداد: عبد العزيز محمد
مراجعة علمية: مي نبيه
تدقيق لغوي: Mohamed Sayed Elgohary
المصادر:
1. Mosa Meat Will Bring Lab-Grown Meat to Market in 2021 [Internet]. Labiotech.eu. 2018 [cited 2018 Aug 28]. Available from: https://labiotech.eu/food/mosa-meat-lab-grown-meat-fundraising/
2. Make your own meat with open-source cells – no animals necessary [Internet]. New Scientist. [cited 2018 Aug 28]. Available from: https://www.newscientist.com/article/mg23331080-700-make-your-own-meat-with-open-source-cells-no-animals-necessary/
3. Zhang S. The Farcical Battle Over What to Call Lab-Grown Meat [Internet]. The Atlantic. 2018 [cited 2018 Aug 28]. Available from: https://www.theatlantic.com/science/archive/2018/07/lab-grown-meat/565049/
4. FDA Takes First Steps to Regulating Lab-Grown Meat – Modern Farmer [Internet]. [cited 2018 Aug 28]. Available from: https://modernfarmer.com/2018/06/fda-takes-first-steps-to-regulating-lab-grown-meat/