دائمًا ما يجد الأطفال حيلًا ماكرةً للتهرب من المدرسة، وأحدث خدعة هي تزييف نتيجةٍ إيجابيةٍ لاختبار التدفق الجانبي (Lateral Flow Test – LFT) الخاص بفيروس كوفيد-19 باستخدام المشروبات الغازية. إذن، كيف يعبث كل من الأطفال المخادعين وعصائر الفاكهة ومشروب الكولا بنتائج الاختبار؟ وهل هناك طريقةٌ لمعرفة النتيجة الإيجابية المزيفة من النتيجة الحقيقية؟ لقد حاول مارك لورتش (Mark Lorch)، أستاذ التواصل العلمي والكيمياء في جامعة هال (University of Hull)، معرفةَ ذلك. ثم قام بتدوينه في مقاله المنشور على موقع «ذا كونفرزيشن» الإلكتروني (The Conversation).(1)
انتشار مقاطع فيديو تعلم كيفية تزييف اختبار كورونا
استخدم المراهقون البريطانيون تطبيق تيك توك (TikTok) لتعلم كيفية تزييف نتائج اختبار فيروس كوفيد-19 لتَظهر إيجابية، واستخدموا التطبيق أيضًا لمشاركة النصائح فيما بينهم حول هذا الأمر. حيث أُُجبر مئات الآلاف من التلاميذ المشتبه في إصابتهم على التغيب عن المدرسة بالفعل. وحصدت مقاطع الفيديو التي تُظهر المراهقين وهم يجربون سوائل مختلفة على أجهزة اختبار التدفق الجانبي ملايينَ المشاهدات على تطبيق الفيديوهات الشهير، حيث يقدم العديد من المستخدمين اقتراحاتهم.(2)
تتضمن الاقتراحات التي يشجع صانعو الفيديوهات الآخرين على تطبيقها على أجهزة الاختبار: صوص التفاح، ومشروب الكوكاكولا، والخل، ومعقم اليدين، وفاكهة الكيوي، على أمل الحصول على نتيجةٍ إيجابية لفيروس كوفيد-19 وإجبارهم على التغيب عن المدرسة. تمت مشاهدة أحد المقاطع أكثر من 2.5 مليون مرة منذ تحميله في 1 أبريل، بينما حصد آخران أكثر من 289000 و71000 مشاهدةً على الترتيب.(2)
مارك لورتش يجري تجربة للتحقق من صحة الأمر
يقول لورتش: «رأيت أن من الأفضل أن أتحقق أولًا من صحة الادعاءات، لذلك فتحت زجاجاتٍ من مشروب الكولا وعصير البرتقال، ثم وضعت بضع قطراتٍ مباشرةً على أجهزة اختبار التدفق الجانبي. وبالفعل، ظهر خطان في كل جهاز بعد مرور بضع دقائق، ومن المفترض أن يشير ذلك إلى وجود الفيروس المسبب لمرض كوفيد – 19.»(1)
فكرة عمل جهاز اختبار التدفق الجانبي
من المهم فهم كيفية عمل أجهزة الاختبار. إذا فتحت جهاز اختبار التدفق الجانبي، ستجد شريطًا من مادةٍ تشبه الورق، تسمى النيتروسليلوز (Nitrocellulose)، ووسادةً حمراءَ صغيرة، مخبأةً تحت الغطاء البلاستيكي أسفل خط الاختبار. تحتوي الوسادة الحمراء على الأجسام المضادة التي ترتبط بفيروس كوفيد-19. وهي مرتبطةٌ أيضًا بجسيمات الذهب النانويّة (تظهر جزيئات الذهب الصغيرة في الواقع باللون الأحمر)، مما يسمح لنا بمعرفة مكان وجود الأجسام المضادة على الجهاز. عند إجراء الاختبار، تقوم بخلط عينتك مع محلولٍ منظّم سائل (Buffer Solution)، مما يضمن بقاء العينة عند درجة الحموضة المثلى (Optimum pH)، قبل إسقاط قطراتها فوق الشريط.(1)
يُمتص السائل في شريط النيتروسليلوز، وتلتقطه جزيئات الذهب والأجسام المضادة. ترتبط الأجسام المضادة أيضًا بالفيروس، إن وُجِد، في منطقة أعلى على الشريط، بجانب حرف T الذي يرمز إلى كلمة اختبار (Test). هناك المزيد من الأجسام المضادة التي قد ترتبط بالفيروس، لكن هذه الأجسام المضادة ليست حرة الحركة، فهي عالقةٌ في النيتروسليلوز. ونظرًا لأن المسحة الحمراء من الأجسام المضادة المحملة بجسيمات الذهب تمرّ على هذه المجموعة الثانية من الأجسام المضادة، تمسك تلك الأخيرة أيضًا بالفيروس. ومن ثم يرتبط الفيروس بمجموعتي الأجسام المضادة، تاركًا كل شيء، بما في ذلك الذهب، عالقًا على خط بجوار حرف T على الجهاز، مما يشير إلى إيجابية الاختبار.(1)
تواصل الأجسام المضادة المحملة بالذهب، التي لم ترتبط بالفيروس، الحركة إلى أعلى الشريط حيث تلتقي بمجموعةٍ ثالثةٍ من الأجسام المضادة غير مصممةٍ لالتقاط فيروس كوفيد-19، ومثبتةٍ عند خط C الذي يرمز لكلمة تحكم (Control). تحبس المجموعة الثالثة جزيئاتِ الذهب المتبقية، دون الحاجة إلى القيام بذلك عن طريق الفيروس. يُستخدم هذا الخط الأخير للكشف عن نجاح الاختبار.(1)
اختبار الحمض
كيف يمكن أن يتسبب مشروب غازي في ظهور خط T باللون الأحمر؟
أحد الاحتمالات هو أن هذه المشروبات تحتوي على شيء ما تتعرف عليه الأجسام المضادة وترتبط به، تمامًا كما تفعل مع الفيروس. لكن هذا احتمال مستبعد إلى حد ما. إن السبب وراء استخدام الأجسام المضادة في مثل هذه الاختبارات هو أنها تختار بدقة شديدة ما ترتبط به. يوجد العديد من الأشياء في عينات المخاط واللعاب التي تُجمع بواسطة المسحات التي تؤخذ من الأنف والفم. تتجاهل الأجسام المضادة هذا الخليط من البروتين، والفيروسات الأخرى، وبقايا وجبة الإفطار تمامًا. لذلك لن يتفاعلوا مع مكونات المشروبات الغازية.(1)
التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن شيئًا ما في المشروبات يؤثر على عمل الأجسام المضادة. لقد استُخدمت مجموعة متنوعة من السوائل، من عصير الفاكهة إلى الكولا، لتزييف نتيجة الاختبار. لكن لديها جميعًا شيءٌ مشترك واحد؛ إنها شديدة الحموضة. يمنح كل من حمض الستريك في عصير البرتقال، وحمض الفوسفوريك في الكولا، وحمض الماليك في عصير التفاح هذه المشروبات رقمًا هيدروجينيًا (pH) يتراوح بين 2.5 و4. وهذه ظروفٌ قاسية جدًا على الأجسام المضادة، التي نشأت لتؤدي دورها في مجرى الدم، في أغلب الأحيان، حيث يكون الرقم الهيدروجيني متعادلًا تقريبًا (حوالي 7.4).(1)
دور المحلول المنظم في نجاح اختبار التدفق الجانبي
يعد الحفاظ على درجة حموضةٍ مثاليةٍ للأجسام المضادة أمرًا أساسيًا لعمل الجهاز بشكل صحيح، وهذه هي مهمة المحلول المنظم السائل الذي تخلط معه عينتك، وهو متوفرٌ مع جهاز الفحص. يتّضح الدور الهام للمحلول المنظم من خلال حقيقة أنك إذا قمت بخلط الكولا مع المحلول المنظم، فإن أجهزة اختبار التدفق الجانبي تتصرف تمامًا كما هو متوقع: تعطي نتيجةً سلبيةً لكوفيد-19.(1)
لذلك بدون المحلول المنظم، تتعرض الأجسام المضادة في الاختبار –بشكل كامل– للوسط الحامضي الخاص بالمشروبات، وهذا له تأثيرٌ كبير على تركيبها ووظيفتها. إن الأجسام المضادة عبارة عن بروتينات، تتكون من وحدات بناءٍ من الأحماض الأمينية، يرتبط بعضها ببعض لتشكيل سلاسل خطية طويلة. تُرتّب هذه السلاسل على هيئة تراكيب معينة. أي تغييرٍ بسيطٍ يحدث في السلاسل يمكن أن يؤثر بشكل كبير على وظيفة البروتين. يتم الحفاظ على هذه التراكيب من خلال شبكةٍ من عدة آلافٍ من التفاعلات التي تتم بين الأجزاء المختلفة من البروتين. على سبيل المثال، ستنجذب الأجزاء سالبةُ الشحنة من البروتين إلى المناطق موجبةِ الشحنة.(1)
ماذا يحدث عند إجراء الاختبار في وسط حامضي؟
في الوسط الحامضي، تزداد إيجابية شحنة البروتين. نتيجةً لذلك، تتعطل العديد من التفاعلات التي تحافظ على ترابط أجزاء البروتين، وتتأثر البنية الدقيقة للبروتين ولا تعمل بشكلٍ صحيح مرةً أخرى. في هذه الحالة، تفقد الأجسام المضادة حساسيتها تجاه الفيروس.(1)
وفي ضوء هذا، قد تتوقع أن تؤدي المشروبات الحمضية إلى نتيجةٍ تشبه تمامًا نتيجةَ تحليل العينة الفارغة (Blank Test)، لكن يبدو أن البروتينات المشوهة وحوشٌ لزجة. فكل تلك التفاعلات المتطورة بشكل مثالي، التي من شأنها عادةً أن تحافظ على تماسك البروتين، أصبحت الآن وحيدةً وتبحث عن شيء ترتبط به. لذا فإن التفسير المحتمل هو أن الأجسام المضادة المُثبَّتةَ في الخط T تلتصق مباشرة بجزيئات الذهب أثناء مرورها، فينتج عن ذلك نتيجةُ الكولا الإيجابية الخاطئة الشهيرة.(1)
كيف نعلم إذا كانت نتيجة الاختبار مزيفة أم لا؟
إذن، هل هناك طريقة لاكتشاف الاختبار الإيجابي المزيف؟ تكون الأجسام المضادة −مثل معظم البروتينات− قادرةً على إعادة ترتيب نفسها واستعادة وظيفتها عند إعادتها إلى ظروف أكثر ملاءمة. لذلك حاول لورتش غسل جهاز الاختبار المحتوي على قطرات مشروب الكولا بمحلول منظم، وبالفعل، استعادت الأجسام المضادة الثابتة في مكانها عند الخط T وظيفتها الطبيعية، وحُررت جزيئات الذهب، مما أدى إلى ظهور النتيجة السلبية الحقيقية على جهاز الاختبار.(1)
مارك لورتش يدعو الأطفال إلى مشاركة نتائجهم معه
وفي نهاية المقال، وجه لورتش رسالة إلى الأطفال المستخدمين لهذه الحيلة قائلًا:
«أيها الأطفال، إنني أحيي عبقريتكم. لكن الآن، وبعد أن توصلت إلى طريقة لكشف حيلكم، أقترح عليكم استخدام دهائكم لابتكار مجموعة من التجارب واختبار فرضيتي. ثم يمكننا نشر نتائجكم في مجلة تخضع لمراجعة الأقران (Peer-reviewed Journal).»(1)