كيمياء الحبر

ن

كيمياء الحبر||||

في ليلة ما أثناء قراءتك لكتاب أو رواية ما أعجبتك أو مذاكرة دروسك لتستعد لامتحان غد، هل تساءلت ما تركيب المادة التي تُكتب بها الحروف والكلمات المُدوَّنة في هذا الكتاب أو في هذه الرواية التي تصيب القارئ في تسلسل كلماتها بشعور عظيم من الصعب وصفه بالكلمات؟

إليكم الإجابة في هذا المقال.

لكنْ دعنا نتعرف أولًا إلى تاريخ الحبر الذي يمثل أعظم إنتاجات الحضارة البشرية والحاضن لإنجازاتها عبر التاريخ بجانب الورق.

تاريخ الحبر

حبر الكتابة اليدوية

إن استخدام الإنسان للحبر كمادة يمكن التدوين بها له تاريخ طويل، تعود أقدم النشاطات الإنسانية المتعلقة بالرسم على جدران الكهوف إلى أكثر من (40,000) سنة في كهوف شمال إسبانيا وإندونيسيا ويعتبر أول رسم للعالم الطبيعي موجود في كهف (شوفيت – Chauvet) في فرنسا ويعود إلى نحو 8000 : 10,000 سنة، وفي تلك الحقبة كان الحبر يعتمد على عصارة بعض النباتات ودماء الحيوانات وأصباغ أكاسيد الرصاص والمنجنيز. كل هذا كان استخدامه مقتصرًا على أغراض فنية بحتة.

رغم ظهور الكتابة في بلاد ما بين الرافدين منذ عام  (3200) قبل الميلاد تقريبًا، إلا أن استخدام الحبر في الكتابة لأول مرة ظهر في عام (2500) قبل الميلاد تقريبًا وفي نفس الحقبة ظهر في مصر والصين. ولصناعة الحبر كان يُستَخدَم نوع من الفحم يسمى (سخام المصابيح – lampblack) الذي يتم صناعته بتسخين القَطران مع قليلٍ من الزيت النباتي ويُخلَط ذلك المزيج بالصمغ أو بأي مادة لاصقة لكي تثبت على السطح المراد الكتابة عليه الذي كان غالبًا ورق البردي في مصر القديمة.

وفي بدايات القرن الأول قبل الميلاد، استُبدِل الورق المصنوع من جلد الحيوانات بورق البردي وذلك لهشاشة وحساسية البردي ناحية الظروف الجوية الخارجية، واستُخدِم  الحبر الهنديّ بعد ذلك وكان يتكون من أسود الكربون، وسخام المصابيح، والعظام المتفحمة التي تسمى (أسود العظام)، مع خلط ذلك كله بالغراء الحيواني لإنشاء كتلة صُلبة ويمكن إعادتها لسائل مرة أخرى عن طريق إضافة الماء، وعادةً عن طريق استخدام الفرشاة.

استُخدِم الحبر الهنديّ في الصين منذ القرن الرابع قبل الميلاد، وفي القرن الثامن، تطوّرت الأحبار باستخدام الترسيب الكيميائي، وكان أولها حبر المرارة المرتكز على حمض (التانيك) وملح الحديد المرتبطين بواسطة (الراتنج) ويمكن استخدامه مع قلم الريشة والورق، وكان ذلك هو الحبر الشائع للكتابة منذ القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع عشر.

ظهور أحبار الطباعة

طوال هذه الحقبة، كانت تتم كتابة النص باستخدام الحبر يدويًّا، على الرغم من أن الطباعة باستخدام الكتل الخشبية بدأت تتزايد منذ القرن الثاني الميلادي تقريبًا في الصين. ومع ذلك، كانت المستندات النصيّة مكلفة للغاية، ومتاحة فقط لعدد قليل من الذين يستطيعون تحمل تكاليفها وذلك لصعوبة الحصول على كتل خشبية مناسبة للطباعة. ولكن تم التوصل إلى حل محتمل في إنشاء (الطباعة القابلة للحركة – movable-type) من قِبَل (بايشنج) عام (1040) ميلاديًّا، وكانت تُستخدم مواد السيراميك والخشب أيضًا، على الرغم من أن الأخيرة قد تم الاستغناء عنها لاحقًا. بحلول القرن الثاني عشر، كان النوع البرونزي يُستخدَم في الصين، وقد تم تقليد هذا في كوريا، حيث يتم إنتاج العديد من الكتب المطبوعة.

جاءت أوروبا متأخرة نسبيًّا بشكل مستقل عن الصين، حيث قام صائغ الذهب (يوهانس غوتبرغ) بين عامي (1436) و(1450) باستخدام تقنيات لصب الحروف باستخدام قوالب يدوية الصنع. جعل هذا الإنتاج الضخم من الرسائل رخيصة بما يكفي لتكون قابلة اقتصاديًّا لطباعة كتاب كامل. وبحلول عام (1480)، تم تطوير (110) من المطابع في جميع أنحاء أوروبا. للذهاب مع نوع المعدن من المطبعة، صاغ (غوتنبرغ) أيضًا نوعًا جديدًا من الحبر القائم على النفط الذي كان أكثر مناسبة للالتصاق بالمعادن. كان هذا الحبر قائمًا على الفحم، ولكنه احتوى أيضًا على النحاس والرصاص والتيتانيوم.

جعلت الطباعة الكلمة المكتوبة أكثر انتشارًا من أي وقت مضى ومع ذلك كانت لا تزال في أيدي نخبة قليلة. حتى ظهرت الآلة الكاتبة في ستينيات القرن التاسع عشر كما جعلت الطباعة قابلة للاستخدام في الاتصالات التجارية، وذلك تطلب تطورا آخر في الحبر حيث تم اختراع الآلة الكاتبة لهانسن للكتابة في عام (1865) وبدأ الإنتاج الضخم في عام (1870)، تليها نماذج لعدد من الشركات المصنعة الأخرى. في معظم الحالات، اعتمدت الآلات الكاتبة على قطعة قماش مبللة بالحبر. تم تصميم الحبر (المُخضَّب – pigmented) ليبقى رطبًا على الشريط بإضافة زيت الخروع، لكنه يجف بمجرد ملامسته للورق. في التصميمات اللاحقة، وخاصةً الآلة الكاتبة «IBM Selectric»، كانت تستخدم شرائط من شريط البوليمر المطليّ بالصباغ. في الحالتين، عندما تتصادم الحروف المنقوشة بالورق يُنقَل نقل الحبر إلى الورق.

منذ الستينيات والسبعينيات، أدت الطباعة القائمة على الحاسوب إلى تطور أنواع الحبر وذلك مع تطور الطابعات فمثلًا تستخدم طابعات الليزر نظامًا كهروستاتيكيًّا لنقل الحبر حيث يُجذَب الحبر، وكانت مصنوعة أصلًا من خليط مسحوق الفحم مع أكسيد الحديد والسكر وقد استُبدِل بها مزيجًا من البوليمرات، إلى المناطق المشحونة في أسطوانة التصوير حيث يتم صهر مسحوق الحبر لكي يلتصق بالورق.

ومنذ السبعينيات، طورت شركات مثل كانون (نفاثات الحبر – inkjet) حيث تُرَش جزيئات الحبر الدقيقة ذات القطر الأصغر من قطر شعرة الإنسان على الورق وتُوَجَّه بواسطة ألواح ممغنطة. أغلب أحبار ذلك النوع من الطباعة يتكون بشكل أساسي من أصباغ مائية لكن شركة «HP» تستخدم أصباغًا مُخضّبة مما يوفر مقاومة جيدة للتلاشي وللمياه.

والآن بعد معرفتنا لتاريخ الحبر وتطوره مع تاريخ الكتابة والطباعة فلننتقل إلى السؤال الذي يشغل تفكير معظمنا: ما هو تكوبن الحبر الموجود في الأقلام المُستخدمة في الكتابة؟

تكوين أحبار أقلام الكتابة:

يتكون الحبر المستخدم في أقلام الحبر الجاف المستخدم في الكتابة من ثلاث مكونات:

1. المذيب

تساعد هذه المادة على ذوبان الصبغة أو الخضاب الذي يتكون منها الحبر حتى تسمح بسريان الحبر بسلاسة أثناء الكتابة وفي (الأقلام التي تعتمد على خرزة معدنية – ballpoint pen) يُستخدَم (الجليكول الإيثيلي- ethylene glycol) غالبًا كمُذيب بالإضافة إلى مواد شمعية لمنع التصاق الخرزة المعدنية حتى لا تعيق استخدامها.

2. (مادة رابطة – Binder)

هذه المادة تساعد الصبغة التي يتكون منها الحبر على الالتصاق بسطح الورق.

3. (المادة المُلوِّنة – colorant)

يحصل الحبر على لونه من الخضاب غير القابل للذوبان أو (الصبغة – dye) القابلة للذوبان وغالبًا يُعتمد على الأصباغ أكثر لأن الخضاب يسبب انسداد في فوهة القلم، ويتكون الحبر الأسود من الفحم الأسود أو مزيج من المركبات الملونة، أما الأزرق يعتمد على أصباغ (ثلاثي فينيل الميثان – triphenylmethane)، أما الحبر الأحمر يعتمد غالبًا على أصباغ (الأيوسين – Eosin).

هذا مثال على تركيب الحبر المستخدم في إحدى أدوات الكتابة ويختلف تركيب الحبر حسب أداة الكتابة أو تقنية الطباعة التي تستخدم الحبر.

إعداد: خالد عاطف رحومة
مراجعة علمية: ولاء يحيى
تدقيق لغوي: شروق محيي الدين
تحرير: نسمة محمود

المصادر/

  1. World C. Ink chemistry [Internet]. Chemistry World. [cited 2019 Mar 20]. Available from: https://www.chemistryworld.com/news/ink-chemistry/3002158.article
  2. Periodic Graphics: The Chemistry of Writing Inks | September 21, 2015 Issue – Vol. 93 Issue 37 | Chemical & Engineering News [Internet]. [cited 2019 Mar 20]. Available from: https://cen.acs.org/content/cen/articles/93/i37/Periodic-Graphics-Chemistry-Writing-Inks.html
  3. The History of Ink [Internet]. The Week UK. [cited 2019 Mar 23]. Available from: https://www.theweek.co.uk/innovation-at-work/63310/the-history-of-ink
شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي