في حياتنا اليوميّة ننظر من خلال نوافذنا الزجاجيّة ونشرب من أكواب زجاجيّة ونشعل المصابيح الزجاجية ونطفِئها، ونشاهد التلفاز من خلال شاشة زجاجيّة، وهناك المرآة التي ننظر فيها على أنفسنا كل يوم، الزجاج مادة شائعة في حياتنا اليوميّة دون أن نفكرَ في طبيعتها.
ما هو الزجاج؟
الزجاج مادة صلبة الملمس عادةً شفافة اللون. وأغلب المواد الصلبة التقليديّة -باستثناء المعادن الصلبة- هي مواد ذات جزيئات على شكل بلورات (crystalline)، ولكن جزيئات الزجاج غير مُتبلوِرة كما لا يُمكن أيضًا اعتبار الزجاج سائلًا -بالرغم من اعتقاد البعض بأن الزجاج سائلٌ فائق البرودة أو مُجمد- لكن جزيئات الزجاج أكثر تنظيمًا من السوائل؛ ولذلك يُعتبَر الزجاج بالأحرى مادة صلبة غير متبلورة (amorphous solid).
والزجاج يتكون أساسًا من مادة غير عضويّة شائعة للغاية وهي الرمل. وبعد خلط الرمل مع مواد عضويّة أخرى يذوب في درجات حرارة عالية، ثم يتم تبريده فيكون الناتج هو النوع المألوف الذي يُستخدَم في صناعة الزجاجات والنوافذ، فكيف يتم ذلك؟
المكوِّن الرئيسي للزجاج هو الرمل (SiO2) ولكن درجة انصهاره أعلى من 1700 درجة مئوية، وناتج الصهر يكون لزجًا للغاية وبالتالي صعب التشكيل والمعالجة، لذلك يتم إضافة الصودا (Na2CO3) حيث تساعد تلك المادة على خفض درجة الانصهار إلى حوالي 900 درجة مئوية وتقلل من لزوجة الناتج. ولكن الخليط الناتج له عيبٌ كبير ألا وهو قابليته الكبيرة للذوبان في الماء، ولتفادي هذا العيب يتم إضافة الجير (CaO) إلى خليط الرمل وبعض من أكسيد الماجنيزيوم وأكسيد الالمنيوم واللذان يعملان على تقوية بنية السيليكات وزيادة استقرارها في الماء. هذا النوع من الزجاج صُنع من قبل القدماء واستمرَّ بنفس التركيب خلال العصور الوسطى، ومازال هو النوع الرئيسيّ المُستخدَم اليوم ويُسمى بزجاج الصودا والجير.
الزجاج الطبيعيّ
ما قبل التاريخ استخدم الإنسان الزجاج المصنوع بواسطة الطبيعة مثل الأوبيسيدين (Obsidian) الناتج من النشاطات البركانية والفولكوريتس (fulgerites) الناتج من انصهار حبيبات الرمل بواسطة البرق.
تاريخ صناعة الزجاج
يعود تاريخ الزجاج بشكل عام إلى حوالي عام 2500 قبل الميلاد. نشأ -ربما- في بلاد ما بين النهرين وتم إحضاره لاحقًا إلى مصر. يُوجد أوعية من الزجاج يرجع تاريخها إلى حوالي عام 1450 قبل الميلاد في عهد تحتمس الثالث، فرعون من الأسرة الثامنة عشرة التي كانت تحكم مصر القديمة. في بلاد ما بين النهرين ومصر، كانت صناعة الزجاج تستخدم تركيبة صودا الجير والسيليكا الأساسية إلى فينقيا، على طول ساحل لبنان الحالي. من هناك امتَّد هذا الفن إلى قبرص واليونان، وبحلول القرن التاسع قبل الميلاد وصل إلى شبه الجزيرة الإيطاليّة. بعد فتوحات الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد، امتَّدت مهارات صناعة الزجاج إلى الشرق بما في ذلك شبه القارة الهنديّة؛ حيث ظهر الخرز الزجاجي والأساور المُميِّزة للثقافة الهندوسيّة حوالي عام 200 قبل الميلاد التي تم اكتشافها في حفريات نيفاسا، وازدهرت صناعة الزجاج في سوريا خلال هذا الوقت.
حوالي عام 100 ق.م. تم تطوير تقنية الميلي فيوري (millefiori) أو الألف زهرة لصناعة الأكواب المفتوحة حيث يُصنع لب مُشكَّل من الطين وبه بعض الأقصاب الزجاجية ويُوضع كلا من اللب والأقصاب في قالب خارجي يحافظ على شكل الزجاج بينما ينصهر الزجاج في الفرن، وبعد إزالة القالب واللب يكون السطح الزجاجي أملسَ وبه مقاطعُ لافتةً للنظر من الزجاج المُلوَّن.
وقرب بداية الحقبة المسيحيّة تعلَّم الفينيقيّون كيفية صناعة الزجاج بواسطة حديد النفخ وهي أنبوبة حديديّة طولها حوالي 1.5متر في إحدى فتحتيها يُنفَخ الزجاج وفي الفتحة الأخرى يكون الزجاج المصهور المُراد تشكيله.
بعد عام 200م تدهورت صناعة الزجاج في أوروبا حتى عادت في القرن الثاني عشر في الكنائس القوطية الجديدة ثم وصلت لدرجة عالية من الروعة في القرنين الثالث والرابع عشر وازدهرت فعلًا من خلال البندقية بواسطة تواصلها مع الشرق خصوصًا مع الإمبراطوريّة البيزنطيّة.
بحلول القرن الخامس عشر، تعلم البنادقة صناعة بلورة صخريّة معروفة باسم كريستال البندقية. كما تم تطوير تقنيات ملونة جميلة للزينة، مثل التذهيب. وتم تصدير المنتجات البندقية إلى جميع أنحاء أوروبا والإمبراطورية البيزنطية. وبعد أن غزا الأتراك القسطنطينية عام 1453م، انخفضت تجارة الزجاج البندقية. هاجر صُنَّاع الزجاج من البندقية وساعدوا الأوروبيين الآخرين في بناء منازلهم الزجاجيّة.
ركَّز الألمان والبوهيميون على إعداد واختيار أحدث وأنقى المواد الخام وبحلول عام 1680م أصبح الزجاج البوهيمي من أجود وأنقى أنواع الزجاج في أوروبا وقتها. بعد ذلك تنافس صناع كل من إنجلترا وألمانيا على صناعة أجود أنواع الزجاج، وتزامن ذلك مع الثورة في علم الكيمياء في القرن 18 والحروب التي كانت بين الدول الأوروبيّة وزيادة الاحتياج العلمي للمعدات الزجاجيّة والحرب العالميّة الأولى واستقلال الإنجليز ودول الحلفاء عمومًا عن ألمانيا في صناعة الزجاج.
أنواع الزجاج
تختلف أنواع الزجاج حسب تركيبها واستخدامها في حياتنا اليومية أو المهنية. كما ذكرنا إن أساس صناعة الزجاج هي خليط الرمل والصودا والجير لتكوين الزجاج العادي، لكن اليوم تُضاف مواد أخرى إلى ذلك الخليط لتكوين أنواع متطورة من الزجاج مثل:
زجاج الصوديوم بوروسيليكات (Sodium Borosilicate) أو البايريكس (pyrex)
الشائع استخدامه في الأدوات المعمليّة، مثل: أنابيب الاختبار والقوارير الزجاجية وذلك لخواصِه الحراريّة الجيّدة ومقاومته لمختلف المواد الكيميائية وعدم تفاعله معها ويتم صنعه بإضافة أكسيد البورون إلى السليكات.
زجاج الألومينوسيليكات (Aluminosilicate)
يتكوّن زجاج الألومينوسيليكات من السيليكا و الألومينا (Al2O3) والجير وأكسيد الباريوم (BaO) وأكسيد البوريك (B2O3)، وبالرغم من أن صهر هذا الخليط يتطلب درجة حرارة عالية جدًا إلا أن الناتج يكون أكثر تحمُّلًا لدرجات الحرارة العالية ومقاوم أيضًا للرطوبة وأكثر تحملًا للمواد الكيميائيّة، وموجودٌ ذلك النوع من الزجاج في الزجاج العازل (fiberglass) الذي يدخل في كثير من أنواع أدوات الطبخ التي تتحمل درجات الحرارة العالية.
وتُضاف بعض المواد إلى الخليط المكوِّن للزجاج ليعطي لونًا مميزًا، فمثلًا في الزجاجات التي يُحفظ فيها بالمواد التي يجب الحفاظ عليها بعيدًا عن الضوء؛ وبالتالي يجب أن يكون لون الزجاجة الحافظة لها داكنًا فيتم إضافة جزيئات تحتوي على النيكل لكي يُكسب الزجاجة لونًا داكنًا يحافظ على ما بداخلها من الضوء.
والآن تتطور الصناعات الزجاجيّة كل يومٍ، فاليوم تدخل الألياف الزجاجيّة في تركيب الموصِّلات التي تعمل على توصيل الإنترنت وإشارات الهواتف والكهرباء، وهناك أيضًا زجاج الأمان المُقاوِم للكسر الذي يتكون من طبقتين من الزجاج بينهما طبقة من البلاستيك، والأقمشة الزجاجية ذات الألوان والتراكيب المتنوعة، بالإضافة إلى الألواح الزجاجيّة المرنة القابلة للثني، ومن يعرف إلى أين يمكن أن يصل خيال الكيميائيين في صناعة الزجاج؟
المصادر:-
1. Industrial glass [Internet]. Encyclopedia Britannica. [cited 2019 Aug 23]. Available from: https://www.britannica.com/topic/glass-properties-composition-and-industrial-production-234890
2. Interest C. The Chemistry of Coloured Glass [Internet]. Compound Interest. 2015 [cited 2019 Aug 23]. Available from: https://www.compoundchem.com/2015/03/03/coloured-glass/
3. Kolb D, Kolb KE. The chemistry of glass. J Chem Educ. 1979 Sep 1;56(9):604.
4. Helmenstine AM, sciences PDDH holds a PD in biomedical, Writer I a S, educator, school consultant S has taught science courses at the high, college, et al. What Is Glass? – Composition and Properties [Internet]. ThoughtCo. [cited 2019 Aug 23]. Available from: https://www.thoughtco.com/glass-composition-and-properties-608351
إعداد: خالد رحومة
تَدقيقٌ لُغَوِيّ: محمود خليفة
تحرير: نسمة محمود