كيمياء العلاج

chemicalcheck_laborbild

|

ارتبطت الكيمياء في أذهان العديد منا بالصناعات البترولية أو البلاستيكية، والتجارب المعملية المدهشة؛ كتلك التي تشاهدها على مواقع التواصل الاجتماعي المختفلة والتي ينتج عنها أشكال غريبة من المواد ذات الألوان الجذابة، وحتى عند ارتباط كلمة «كيمياء» بكلمة «علاج»؛ فغالبًا سيتوارد إلى ذهنك عزيزي القارئ صور لمرضى السرطان وما يتناولونه من علاج «الكيماوي» الذي اشتهر به هذا المرض، ولكن هل يقف العلاج الكيميائي عند هذا الحد؟

1- ما هو العلاج الكيميائي؟

العلاج الكيميائي هو بكل بساطة علاج أي مرض باستخدام مركبات كيميائية، واستخدم مصطلح (علاج كيميائي) في البداية للإشارة إلى العلاجات الكيميائية المضادة للميكروبات المعدية، ولكن توسع المصطلح فيما بعد ليشمل الأدوية المضادة للسرطان وغيرها.

2- البداية:

لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في التصنيع الأول للعلاج الكيميائي، وذلك عندما قام الكيميائي الإنجليزي (وليام بيركن- William H.  Perkin) بتحضير أول صبغة صناعية عام ( 1856م) كنتيجة لفشل محاولاته في تحضير (الكينين- quinine)، وبعد ما يقارب الثلاثين عامًا؛ لاحظ الكيميائي الألماني (باول إرليخ – Paul Ehrlich) وجود خصائص مضادة للملاريا لصبغة ( الميثيلين الأزرق-  methylene blue)، وأثار ذلك فضوله؛ حيث قام بعدها بدراسة تأثير الصبغات الصناعية عند حقنها في أنسجة بعض الحيوانات المريضة أو على بعض الطفليات، ومن هذه الدراسات أخرج لنا أرليخ نظريته المشهورة ( السلسلة الجانبية -side-chain)، وهي النظرية الأولى التي ربطت بين التركيب الكيميائي للعلاجات الكيميائية وتأثيراتها البيولوجية.

3- مثل ماذا؟

 أ- أدوية السلفا- sulfa drug:

مركبات السلفا (sulfa drug) أو ما يعرف ب (السلفوناميد- sulfonamide) هي عبارة عن مجموعة من المضادات الحيوية المصنعة التي يحتوي تركيبها الكيميائي على الشكل الهيكلي لمركب السلفوناميد، وتعتبر مركبات السلفا أول المركبات الكيميائية المستخدمة لمنع وإيقاف العدوى البكترية في الأجسام البشرية بشكل نظامي ومدروس، ولكن تقلص استخدامها بمرور الوقت وبزوغ نجم المضادات الحيوية الأخرى والتي تتمتع بأفضلية الأمان والفاعلية عن مركبات السلفا.
وقد تم اكتشاف الأثار المضادة للجراثيم التي تتمتع بها مركبات السلفا لأول مرة عام (1932م) عندما لاحظ عالم الأمراض الألماني (جيرهارد دوماغك -Gerhard Domagk) آثار صبغ (أحمر برونتوسيل) على الألتهابات العقدية في الفئران، وقد اكتشف بعدها بعض الباحثين الفرنسيين أن العامل المؤثر في البرونتوسيل هو  السلفوناميد ( وتحديدًا الامينوبنزين سلفوناميد- aminobenzene sulfonamide)، وبحلول عام (1940م)؛ صار استخدام مركبات السلفا واسع النطاق، ومع اشتداد وطيس الحرب العالمية الثانية؛ كانت مساحيق السلفوناميد من أهم المركبات المستخدمة في الإسعافات الأولية وعلاج الحروق المفتوحة وقتها.

وتعتبر أدوية السلفا (كابح لنمو البكتريا- bacteriostatic)، حيث تمنع نمو وتكاثر البكتريا ولكن لا تقتلهم، وتقوم بذلك عن طريق التدخل في تركيب حمض الفوليك؛ مانعة تكوين فيتامين ب داخل خلايا البكتريا وتثبيط نموها، ومازالت تستخدم مركبات السلفا إلى يومنا هذا لعلاج بعض إلتهابات المسالك البولية، والحماية من العدوى في الحروق المفتوحة، وعلى الرغم من كون مركبات السلفا آمنة نسبيًا؛ إلا إنها تظهر بعض الأعراض الجانبية التحسسية مثل: الغثيان والتقيؤ والطفح الجلدي.

ب- مضادات الملاريا:

ماهي الملاريا؟
تعبر الملاريا من الأمراض الفتاكة التي تسبّبها طفيليات التي تنتقل بين البشر من خلال لدغات أجناس بعوض الأنوفيلة الحامل لها، و طبقًا لمنظمة الصحة العالمية في عام (2015م)، كان سريان الملاريا مستمرًا في (91) بلدًا ومنطقة، وتعد الملاريا من الأمراض التي يمكن توقيها والشفاء منها. حيث تساهم زيادة تدابير الوقاية من الملاريا ومكافحتها، بقدر كبير حاليًا في الحد من عبء هذا المرض في مناطق عديدة، حيث انخفض معدل الإصابة بالملاريا بين الفئات المعرضة للخطر (نسبة الحالات الجديدة) بين العامين (2010م) و (2015م)  بنسبة(21%) على الصعيد العالمي، وفي الفترة نفسها، انخفضت معدلات وفيات الملاريا بين السكان المعرضين للخطر من جميع الفئات العمرية بنسبة(29%) على الصعيد العالمي، وبنسبة(35%) بين الأطفال دون سن الخامسة.

الكينين كمثال:
يعد (الكينين- Quinine) من أشهر مضادات الملاريا، ويتم الحصول علية من لحاء شجرة الكينكونا، وعلى مدار ال(300)عام؛ مابين استخدامه في الطب الغربي والحرب العالمية الأولى؛ كان الكينين هو العلاج الفعال الوحيد للملاريا، وكعلاج متخصص في مكافحة هذا المرض؛ استفادت الشرية منه كما لم تستفاد من أي علاج آخر في مجال الأمراض المعدية، وتم تصنيعة معمليًا عام ( 1944م) ولكن أدخاله في مجال التحضير الصناعي لم يكن ذو جدوى اقتصادية.
وتعتمد فكرة عمل الكينين داخل الجسم على إيقافه لنمو طفيليات الملاريا التي تعيش في خلايا الدم الحمراء، ويحسن الكينين بشكل كبير حالة الأشخاص المصابة بالمرض ويخفف بصورة ملحوظة من أعراضه، حيث تقل أعداد الطفيليات الموجودة في الدم على الفور،ومع ذلك تعود طفيليات الملاريا مرة أخرى لتهاجم جسم المريض عند توقف العلاج نظرًا لعدم استطاعة الكينين قتل تلك الطفيليات، بالإضافة إلى تسببه في أعراض جانبية كالصمم واضطراب الرؤية والطفح الجلدي؛ لذلك تم استبداله ب(الكلوروكين- chloroquine)، ولكن خلال عام (1960م)؛ استطاعت بعض السلالات من هذا الطفيل من تكوين مضادات للكلوروكين، وعند مهاجمة هذه السلالات بالكينين أظهرت حساسية منها، لذلك تم إعادة استخدام الكينين مرة أخرى بالرغم من أعراضه الجانبية وفاعليته الضعيفة.

إعداد وتصميم: Ahmed Fahmy

مراجعة علمية: Amira Esmail  

مراجعة لغوية: Israa Adel
المصادر:

http://sc.egyres.com/zj57p
http://sc.egyres.com/V4DLB
http://sc.egyres.com/L0XDM
http://sc.egyres.com/lufvX

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي