عن كيمياء الماء

كيمياء الماء

هل تَتذكّر يومَ صيامِك في فصل الصّيف؟ كان الجوُ حارًّا وكنتَ قد بذلتَ جهدًا يُذكَر يومها، أتَذكُر كَم شَعرتَ بالظّمأ؟ أنا أتذكّر جيّدًا كم كنتَ مُرهقًا وتستعجل الوقتَ ليمُر، لكنه قد مَرّ على أيّ حالٍ، فكلّ المُرّ.. يمُر.

 

لماذا نشعر بالعطش؟

عندما تَفقِد كميّة من السّوائل في جسمك، سَواء أثناء ممارسة الرياضة أو بسبب المرض أو لارتفاع درجة حرارة البيئة أو بسبب زيادة إدرار البُول مثلًا، عندها قد تتعرّض للخَطر، وخَاصّةً إذا فقدتَ كميّةً كبيرة وبلا تَعويض، وتختلف شدّة الخطورة حَسب كمية السّوائل المفقودة ففي البداية قد يؤدّي فقدُ السّوائل وعدم تعويضها بالشّرب إلى الجفاف، وقد يتفاقم الوضع إلى حالة تُسمّى (نقص حجم الدّم- Hypovolemia)، وتعني فقدان حجم الدّم وخاصّةً بلازما الدّم.

فأمّا الجفاف فهو عَجزٌ في إجماليّ مياه الجسم مصحوبٌ باضطراب في عمليات التّمثيل الغذائيّ، وهو بدوره تَختلف أعراضه وطريقة علاجه حَسب نسبة الجفاف بالجسم،[1]  أما نقص حجم الدّم (Hypovolemia) فهو حالةُ انخفاضٍ غير طبيعيّ في السّائل خارج الخلويّ، وطبعًا تتفاقم أعراضُه مع زيادة كمية السّوائل المفقودة، لدرجة أنَّ فقدان حجم الدّم المُفرِط والسّريع قد يؤدّي إلى صدمة تُعرَف ب«صدمة نقص الدّم». [2]

إذا وُجِدَت كميّةٌ قليلة من الماء -والماء هُنا يعمل كمذيب- في الدّمّ وفي سوائل الجسم خارج الخليّة، عندها يزداد تركيز الأملاح المُذابَة بها مثل الصّوديوم (Na)، وهذا يدفع الماء للانتقال من داخل الخليّة (حيثُ كميّة الماء أكبر) إلى خارجها (حيثُ كميّة الماء قليلة وتركيز عالي من الأملاح)، وذلك لتخفيف المحلول خارج الخليّة، فيَنتُج عنه فقد الماء من الخليّة.

والآن -وقَد فُقِد الماء من الخليّة- يقوم المخّ بأداء بعض الخطوات البسيطة حتى ينجح في نقل شعور العطش إليك، لتقوم بعدها بتناول الماء بسرعة ودفع الخَطر، فيقوم أول ما يقوم بتنشيط مستقبلات (Osmoreceptors) الموجودة في منطقة (تحت المهاد-Hypothalamus) بالمُخّ، وهي مستقبلات تنتبه للتّقلُّب الحاصل في تركيز الماء والأملاح بالجسم، فتنشط تلقائيًّا، لتقوم هي الأخرى بتنشيط منطقة «تحت المهاد» لإفراز هرمون يسمى الهرمون المضادّ لإدرار البُول (Antiduretic Hormone-ADH)، الذي ينتقل خلال أليافٍ عصبيةٍ منها إلى الفصّ الخَلفيّ من الغدّة النّخاميّة (Posterior nerve of pituitary gland)، ليَتمّ بعدها نَقله منها إلى منطقة عمله في الدّورة الدّمويّة في الجسم، ليعمل هو بعدها على تحفيز الشّعور بالعطش فضلًا عن تقليل حجم البول وزيادة تركيز الأملاح به.[3]

 

كيمياء الماء

ذكرنا أنّ كلّ ذرة من ذرتي الهيدروجين ترتبط برابطةٍ تساهميّة مع ذرّة الأكسجين في جزيء الماء الواحد، لنذكر أنَّ الرّابطة الكيميائيّة -التي تربط بين ذرتين لتكوين مُركَّب كيميائيّ- بشكل عام ما هي إلا زوج من إلكتروناتٍ مرتبطة (٢إلكترون)، يصل بين الذرتين ويَربُطهما معًا؛ بحيث تساهم كلّ ذرّة بإلكترون واحد من الاثنين.

كيمياء الماء

وأيّ ذرّة لأيّ عنصر كيميائيّ تمتلك خَاصيّة تُسمّى «السّالبيّة الكهربيّة»، فالسّالبيّة الكهربيّة لأيّ ذرّة هي قدرتُها على جذب الإلكترونين المُكوّنين للرّابطة الكيميائيّة -بينها وبين ذرّة أخرى- نَحوها، وتختلف قدرة كلّ ذرّة على جذب إلكترونيّ الرّابطة؛ ففي جُزئ الماء وُجِدَ أنّ قدرة ذرّة الأكسجين على جذب إلكترونات الرّابطة الكيميائيّة نحوها أكبر من قدرة ذرّة الهيدروجين، وفي العادة إذا كان الفرق بين قدرة الذّرتين على جذب إلكترونات الرّابطة كبير جدًا، فإنّ الرّابطة المتكوّنة تُسَمَّى «رابطة أيونيّة»، أما إذا كان الفرق متوسط، فإن الرّابطة المتكوّنة تُسَمّى «رابطة تساهميّة قطبيّة»، وفي جزيء الماء وُجِدَ أن الفرق في السّالبيّة الكهربيّة بين ذرتي الهيدروجين والأكسجين متوسط، وعلى ذلك فإنَّ نوع الرّابطة في جزيء الماء -كما ذكرنا- رابطة تساهميّة قطبيّة.[5]

ولأنّ ذرّة الأكسجين هي الأكبر قدرة على جذب إلكترونيّ الرّابطة بينها وبين ذرة الهيدروجين في جزيء الماء، فإن إلكترونات هذه الرّابطة تتركز أكثر ناحية ذرّة الأكسجين، ولأن الإلكترونات تحمل شحنة سالبة، تكتسب ذرّة الأكسجين شحنة سالبة -لكن- جزئيّة، في حين أنّ ذرّة الهيدروجين تكتسب شحنة موجبة جزئيّة، ومن هنا جاءت كلمة قطبيّة، أي أنّ نتيجة الشّدّ من ناحية ذرّة الأكسجين تنكسر الرّابطة بينها وبين ذرّة الهيدروجبن جزئيًا، فيتكوّن قطبان: قطب موجب وقطب سالب، وإن كانت مجرد شحنة جزئيّة وليست كاملة كما يحدث في حالة الرّابطة الأيونيّة، عندما تُستَبدَل ذرّة الأكسجين بذرة أكبر في السّالبيّة الكهربيّة، فيكون الشّدّ من ناحيتها أكبر لدرجة كسر الرّابطة تمامًا.

نَفهم أنَّ الشّحنة السّالبة المتكوّنة على ذرّة الأكسجين تعني كثافة إلكترونيّة (أي تواجد إلكترونيّ) عالية، وعلى العكس فالشّحنة الموجبة المتكوّنة على ذرّة الهيدروجين تعني نقص في كثافة أو تواجد الإلكترونات عند ذرة الهيدروجين، لكن هل تساءلت وأنت تصبّ الماء لماذا يوجد متماسكًا مترابطًا؟ ولم لا تتناثر جزيئاته الصغيرة كحبّات الخرز المتناثرة؟

لمَ لا تتناثر جزيئات الماء؟

ذلك لأنَّ ذرّات الهيدروجين تبحث عمَّن يُكمل نقصَها من الإلكترونات. وأخيرًا.. تَعثُر ذرّة الهيدروجين لَدى ذرّة أكسجين جزئ ماء مُجاور على أزواج حرّة من الإلكترونات، بالتّحديد زوجين من الإلكترونات الحرّة هما ملكٌ لذرّة الأكسجين بطَبيعتها، ومعنى أزواج حرّة أي لا تشارك في تكوين روابط كيميائيّة، لكنها في الأول وفي الآخر شحنةٌ سالبة، وهذا ما تبحث عَنه ذرّةُ الهيدروحين فتنجذب لها ذرّة الهيدروجين و تنجح في إقناعها والارتباط معها بشرط أن تكون الروابط ضعيفة، فتقبل ذرّة الهيدروجين بالشّرط، وتُكوّن معها روابطًا ضعيفة تُسمّى «روابط هيدروحينيّة». لاحِظ أنَّ الارتباط في هذه المرّة حَصل بين ذرّة هيدروجين جزئ ماء وذرّة أكسجين جزئ ماء مُجاوِر، وليس في نفس الجزئ كما حَدث أثناء تكوين جُزئ الماء الواحد، عندما تمّ الارتباط بينهما برابطة تساهميّة قطبيّة، وهكذا فإن جزيئات الماء تربطها الرّوابط الهيدروجينيّة.

يُتبَع…

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي