إعطاء الروبوتات أعضاءً حيوية لتزويدها بخصائص فريدة

إعطاء الروبوتات أعضاءً حيوية لتزويدها بخصائص فريدة

ما هي الروبوتات الهجينة؟

تطوّرت الرّوبوتات الهجينة (bio-hybrid robots) خلال العقود القليلة الماضية تطوّرًا ملحوظًا. وهي روبوتاتٌ تنشأ من خلال إدماج خلايا حيّةٍ مع موادّ مرنةٍ لاستنساخ عضوٍ مشابهٍ للأعضاء الحيويّة، أو بناء أنسجةٍ واستنساخ وظائف الكائنات الحيّة.[1]

لمحة عن بداية المجال

التّداخل والتّبادل بين علم الأحياء وأبحاث الرّوبوتات في تزايدٍ مستمرٍّ منذ ثمانينات القرن الماضي، ويرجع هذا التّزايد إلى التّقارب في عددٍ من الاتّجاهات البحثيّة.
في بداية الأمر، ظهرت تقنيّات التّعلُّم الحوسبيّة المستوحاة من الأنظمة الحيويّة، مثل التّقنيّات التّطوّريّة والحوسبة العصبيّة -تقنيّاتٌ مُستخدمةٌ في تعليم أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ-، وهما نهجان مستوحيان من طبيعة التّوازي والتّوزيع لأنظمة التّحكّم والتّأقلم الحيويّة. وبالرّغم من -أو ربّما بسبب- أنّ هذه التّقنيّات هي التّجريد الخام لنظائرها الطّبيعيّة، وجد علماء الرّوبوتات أنّ مثل هذه التّقنيّات مفيدةٌ للغاية بسبب متانتها ومرونتها وقدرتها على التّأقلم. وقد كانت الأساليب الأكثر تقليديّةً لتعليم الرّوبوتات والتّحكّم تفتقر إلى هذه الخصائص.[3]

ما الفائدة في تطوير هذه الأنظمة مقارنة بنظائرها المتاحة؟

للأعضاء والأنسجة الحيويّة خواصّ مذهلةٌ. فمقارنةً بالأنظمة الكهروميكانيكيّة التّقليديّة، تحمل الخلايا البيولوجيّة الحيّة مزايا واعدةً؛ منها كفاءةٌ أعلى في استخدام الطّاقة -أكثر من 50%-، ونسبة قدرةٍ إلى وزنٍ أعلى، وتحكّمٌ أعلى بالمساحة، والقدرة على الشّفاء الذّاتيّ، وقدرةٌ قويّةٌ على التّكيّف البيئيّ. استخدام هذه الموادّ في الرّوبوتات الهجينة يؤذن بقدرةٍ مرتقبةٍ لهذه الرّوبوتات في الحفاظ على أدائها في البيئات القاسية. فتوفّر الطّبيعة مثلًا مشغّلاتٍ ميكانيكيّةً (actuators) أنيقةً تتنوّع على نطاقٍ واسعٍ، بدايةً من عناصر دون خلويّةٍ -كالمحرّكات الجزيئيّة- إلى الأنسجة عالية الكفاءة.[2]

وفي هذا المقال سنتناول مثالًا لهذه الرّوبوتات ذات الأعضاء الحيويّة.

طائرة بدون طيار تستخدم هوائي عثة حية كمستشعر للوصول لوجهتها

 

لا تتميّز الطّائرة نفسها بالكثير، فهي طائرةٌ على نموذجٍ مفتوح المصدر يسمّى كرازي فلي (2.0 Crazyflie)، مع بعض المستشعرات (sensors) لتجنّب العقبات وتحقيق الاتّزان. أمّا الأجزاء المهمّة فهي؛ زوجان من المُوجّهات الثّابتة لتحافظ على توجية الطّائرة نحو الرّياح، بالإضافة إلى المستشعر نفسه وهو يسمّى مُخطّطًا كهربائيًّا (electroantennogram).[4]

كيف يُصنعُ هذا المستشعر؟

لصناعة واحدةٍ من هذه المستشعرات عليك أن تقطع هوائيًّا من عثّة صقرٍ (hawkmoth) حيّةٍ. يكون الهوائيّ مجوّفًا من الدّاخل ممّا يسمح لنا بغرس أقطابٍ كهربيّةٍ به. كلّما صادفت الخلايا العصبيّة الشّمّيّة في الهوائيّ الرّائحة الّتي تبحث عنها -عمليًّا لا يزال الهوائيّ حيًّا حتّى وإن لم يكن متّصلًا بالعثّة-، تنتج الخلايا إشاراتٍ كهربيّةً تلتقطها الأقطاب الكهربيّة، توصّل الأطراف الأخرى للأقطاب الكهربيّة بمضخّمٍ للجهد و مرشّحٍ كهربيٍّ، ثمّ تُحوّل الإشارة من إشارةٍ قياسيّةٍ (analog) إلى إشارةٍ رقميّةٍ (digital) من خلال محوّلٍ قياسيٍّ رقميٍّ (analog to digital converter).
الآن أنت بهذا تملك مستشعرًا كميائيًّا يزن 1.5 جرامٍ ويستهلك 2.7 ملّي واتٍ من الطّاقة، وهو أكثر حساسيةً بكثيرٍ من مستشعر أكسيد الحديد (Metal Oxide) التّقليديّ للرّائحة. وهو أيضًا أصغر وأكثر كفاءةً في استهلاك الطّاقة، ممّا يجعله مثاليًّا للطّائرات بدون طيّارٍ.[4]

كيف تلتقط الطائرة الروائح؟

لتحديد مكان الرّائحة، تستخدم الطّائرة نهجًا بسيطًا مستوحًى من الطّبيعة يسمّى التّوجيه في الرّياح المستعرضة (crosswind casting)، وهو نهجٌ يتضمّن التّحرّك أفقيًّا لليسار ولليمين، ثمّ للأمام عند العثور علي الرّائحة. إليكم تفاصيل هذا النّهج:

  • تقلع الطّائرة لارتفاع 40 سنتيمترًا.
  • تحوم لمدّة 10 ثوانٍ للسّماح لها بالوقت الكافي للتّوجّه عكس اتّجاه الرّيح.
  • تبدأ الطّائرة التّوجيه بالتّحرّك يسار ويمين الرّياح المستعرضة.
  • عندما تلتقط مادّةً كميائيّةً -رائحةً- متطايرةً، تندفع الطّائرة عكس اتّجاه الرّيح بمسافة 25 سنتيمترًا.
  • تعيد الطائرة الكرّة، بدايةً من خطوة التّوجيه.

طالما أنّ اتّجاه الرّيح ثابتٌ إلى حدٍّ ما، سوف تنجح هذه الاستراتيجيّة في تقريب الحشرة أو الرّوبوت إلى مصدر الرّائحة بشكلٍ متزايدٍ في كلّ مرّةٍ تُطبَّق فيها هذه الخطوات.[4]

تحتاج الرّوائح القليل من النّسيم كي تنتشر بعيدًا، لأنّها تٌحمل جوًّا، فلن تكون الطّائرة قادرةً على التقاط أيّ روائح إن لم تكن في اتّجاه الرّياح القادمة من مصدر الرّائحة. هكذا تعمل الرّوائح، فحتّى إذا كنت تقف بجانب مصدر الرّائحة، لو اتّجهت الرّياح من موضعك إلى مصدر الرّائحة، قد لا تستطيع شمّها.[4]

حدود هذا المستشعر ومستقبله

وفي النّهاية، لا يزال المستشعر يحتاج الكثير من التّطوير ليكون عمليًّا، وقد يعمل على ذلك مستقبلًا مطوّرو المشروع؛ ميلاني أندرسون (Melanie Anderson) طالبة الدّكتوراة في الهندسة الميكانيكيّة في جامعة واشنطن، وتوماس دانيال (Thomas Daniel) أستاذ علم الأحياء في جامعة واشنطن، وسوير فولر (Sawyer Fuller) أستاذٌ مساعدٌ في الهندسة الميكانيكيّة بجامعة واشنطن.

ومن القيود الّتي تؤخذ في الحسبان مع هذا المستشعر بصورته الحاليّة:

  • أنّه بدلًا من الكشف عن شيءٍ مهمٍّ -مثل المتفجّرات-، سوف يكشف عن روائح الزّهور الجميلة، فهذه هي الرّوائح الّتي تلتقطها العثّة.
  • أنّ الهوائيّ سوف يتوقّف عن العمل بعد بضع ساعاتٍ، لأنّه يعمل فقط عندما تكون الأنسجة حيّةً.

ومن المثير للاهتمام أنّ التّعديل الجينيّ القائم على تقنيّة كريسبر (CRISPR) قد يتيح لنا إنتاج عثثٍ ذات هوائيّاتٍ تلتقط روائح مفيدةً، فقد توفّر هذه الحيلة حلًّا بارعًا.[4]

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي