لغز الخلايا السرطانية الخالدة

لغ

كيف يتمكن العلماء من دراسة الفيروسات والأمراض التي تهاجم الإنسان؟ وكيف نتمكن من فهم علوم معقدة داخل الجسم البشري مثل الخلايا والجينات؟ لحسن الحظ توصلنا في خمسينيات القرن الماضي إلى الأداة التي مكنت كل هذا وأكثر. (هيلا-(HeLa هو الاسم الذي أُطلق على أول نوع خلايا بشرية خالدة تزرع في المعامل وتعيش إلى يومنا هذا.

ما فائدة زراعة الخلايا البشرية خارج جسم الإنسان؟

لكي نعرف ماهية خلايا هيلا، لابد أن نرجع للأسس العلمية التي يعتمد عليها العلماء لدراسة الإنسان، لفهم أفضل لوظائف الخلايا وكيفية تطور الأمراض المختلفة يقوم العلماء بزرع الخلايا البشرية المراد دراستها في المعامل خارج الجسم البشري وإجراء التجارب عليها، بالإضافة إلى استخدامها في اختبار العلاجات الجديدة لتفادي تعرض المرضى للخطر. ولكن من أجل إجراء وتكرار تلك التجارب ومقارنة النتائج مع مثيلتها من علماء آخرون، يحتاج العلماء إلى عدد ضخم جدًا من الخلايا المتطابقة لبعضها البعض والتي تتضاعف بشكل مستمر مع مرور الوقت، ولكن حتى عام 1951 كل أنواع الخلايا التي جاهد العلماء لزراعتها باءت بالفشل بعد بضعة أيام.

في عام 1951 وصل إلى العالم (د.جورج جاي-Dr.George Gey) الباحث بـ (جامعة جون هوبكنز-John Hopkins) عينة ورم غريب الشكل، يظهر بلون أرجواني داكن، لكن لم يكن الشكل فقط هو الغريب في تلك العينة.

آلية الموت الخلوي المبرمج (Apoptosis):

في حياة كل إنسان تحتوي الخلايا البشرية العادية على ما يشبه آلية تحكم تتيح للخلية الانقسام بعدد مرات معين – 50 مرة تقريبًا – قبل أن تقوم بتدمير نفسها ذاتيًا في عملية تعرف بـ(الموت الخلوي المبرمج-Apoptosis)، ولكن على عكس خلايا ذلك الورم، عندما ماتت الخلايا الأولى في جسم المريض، ظهرت أجيال جديدة من خلايا سرطانية التي تجاهلت تلك الآلية وأخذت في التكاثر بشكل رائع لتصبح ظاهرة فريدة من نوعها، وكانت النتيجة مصدر لانهائي من الخلايا البشرية المماثلة الجاهزة للاستخدام في المعامل، والتي ما تزال موجودة إلى يومنا هذا.

صدفة الاكتشاف:

أطلق العلماء أسم (هيلا-HeLa) على هذا النوع من الخلايا نسبة إلى (هنريتا لاكس-Henrietta Lacks) التي أصيبت بهذا الورم وتسبب في وفاتها بعد أن أصيبت بسرطان حاد في عنق الرحم، وكان لها الفضل في نقله إلينا. ولدت هنريتا في مزرعة تبغ بولاية (فيرجينيا-Virgenia) الأمريكية، ثم عاشت مع زوجها وأطفالها الخمسة في مدينة (بالتيمور-Baltimore)، السؤال الذي يدور هنا في ذهن الجميع، ما السبب وراء جعل تلك الخلايا مميزة جدًا عن غيرها؟

إلى الآن لم يتوصل العلماء إلى تفسير لهذه الظاهرة ولكن لم يمنع ذلك من إرسال عينات من هيلا إلى جميع أنحاء العالم فور إدراك هذا الاكتشاف التي تحولت سريعًا إلى أول مصنع لإنتاج الخلايا تضخ بما يعادل 6 تريليون خلية هيلا أسبوعيًا.

باستثناء السبق العلمي المذهل، اُستخدمت خلايا هيلا من قبل العلماء في البحث حول العالم وبُني على أساسها العديد من الثروات والأعمال دون الحصول على أية موافقة من هنريتا لاكس أو عائلتها أو حتى العلم بذلك إلا بعد مرور عقود لاحقة من الزمن، مما تسبب في مشكلة أخلاقية جسيمة في وسط المجتمع العلمي.

كنا ومازلنا ندين لخلايا هيلا في وضع حد لأوبئة وأمراض كانت لتودي بحياة العديد من البشر مثل: وباء شلل الأطفال الذي كان في أوج انتشاره في أوائل الخمسينات، بفضل هيلا تمكننا من زراعة الفيروس في المعامل ومضاعفته، والذي سمح للعالم (جوناس سالك-Jonas Salk) اختبار مصله عليها، وهو المصل الذي نستخدمه إلى الآن للوقاية من مرض شلل الأطفال، كما استخدمت خلايا هيلا في دراسة العديد من الفيروسات الأخرى مثل الحصبة والإيدز والإيبولا، بالإضافة إلى إتاحة التوصل وفهم العديد من المفاهيم التي مثلت تقدم رائع في العديد من العلوم فخير مثال على ذلك هو علم الجينات، فلم نتوصل إلى حقيقة احتواء الجينوم البشري على 46 كروموسوم إلى أن قام عالم بتجريب مركب كيميائي جديد على خلايا هيلا يجعل الكروموسوم مرئي.

وتشاء الأقدار لنتوصل بعد مرور الوقت باستخدام خلايا هيلا أن فيروس HPV)) هو المسبب لمرض سرطان عنق الرحم، وهو الذي تسبب في وفاة هنريتا لاكس صاحبة تلك الخلايا والآن يوجد له مصل ويمكن الشفاء منه بسهولة، فلا يسعنا سوى الامتنان للصدفة العلمية التي أضافت مثل العديد من غيرها في العلم الحديث ونتج عنها عدد لا يحصى من العلاجات وبراءات الاختراع والاكتشافات.

إعداد: Mohamed Atef Abuzaid

مراجعة: Sherif M.Qamar

تصميم: Bothaina Mahmoud

المصدر: http://sc.egyres.com/1DnCM

#الباحثون_المصريون

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي