لغز “Oumuamua”

oumuamuacoul-1-1

oumuamua|مسار Oumuamua، الائتمان:nagualdesign. Tomruen|oumuamua

في 19 أكتوبر 2017، رأى علماء الفلك لأول مرة شيئًا من نظام شمسي آخر يمر عبر نظامنا الشمسي، أطلقوا عليه “Oumuamua” والتي تعني «الكشافة» أو «الرسول» في لغة هاواي. وقد تمكن علماء الفلك من تسجيل بيانات عن ذلك الجرم البينجمي لأول مرة ولفترة قصيرة فقط من الوقت، وذلك على الرغم من أنه انضم لنظامنا الشمسي لأكثر من قرن.

تقول كارين مايش من معهد علم الفلك في جامعة هاواي:

«لقد وصل Oumuamua إلى النظام الشمسي عام 1837 أو نحو ذلك لكن لم يتم رصده حتى 2017 لأنه كان بعيدًا جدًا عن الشمس ليعكس ما يكفي من الضوء حتى يكون مرئياً لأجهزة الرصد»

حتى اليوم مع أفضل التلسكوبات وبمجرد اقترابه من الشمس، كان يتحرك بسرعة ولم يبقى سوى وقت ضئيل للغاية في المنطقة القريبة نسبياً حيث يكون مرئيًا وقابلاً للرصد.

ما الذي يميز Oumuamua عن غيره من الأجرام؟

في البداية، افترض العلماء أن Oumuamua، الذي يبلغ طوله حوالي 2،600 قدم (800 متر) وعرضه حوالي 260 قدم (80 م)، كان عبارة عن كويكب، لكن في يونيو عام 2018 أكتشفنا أن Oumuamua لم يكن يتحرك كما ينبغي، حيث أظهر «انحرافًا حادًا غير جذبويٍّ»، وذلك يعني أن هناك شيء آخر يتحكم في مساره غير الجاذبية!

مسار Oumuamua، الائتمان:nagualdesign. Tomruen
مسار Oumuamua، :nagualdesign/Tomruen

هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تسبب تسارع في هذا الاتجاه، لذا قام العلماء بالتحقيق في العديد من تلك الأشياء التي يمكن أن تسبب التسارع، مما أدى إلى إلقاء العديد منها على طول الطريق لأنهم صنفوا الجسم بأنه إمَّا غريب للغاية -وذلك لم يكن مقبولاً- أو أنَّ التسارع لم يكن يتطابق مع ما لوحظ، وخلص أغلبهم في النهاية إلى أن السبب الأكثر احتمالاً هو تدفق غازي، لأن ذلك  يُرى كثيرًا في المذنبات»

وسرعان ما أدركوا انه ما من دليل على حدوث تدفق غازي، فعندما يتدفق الغاز من المذنب يحمل معه الغبار السطحي عادةً، وكلما زادت قوة التدفق، زادت حبيبات الغبار التي يمكن أن تُحرر، لكن لم يكن هناك أي آثار للغبار، إلا أن هذا لم يقضي على نظرية الغاز، إذ إنه حتى لو كان المذنب خالياً من الغبار الصغير، فإن الغبار الكبير يمكن أن يندفع من السطح ويؤثر على حركته، ومن الصعب رؤية الغبار الكبير في الأطوال الموجية المرئية.

اذًا، لم يخرج أي غبار من Oumuamua، ولكن ماذا عن الغاز؟

حسناً، لم نرى أي دليل على وجود غاز!، وكان ذلك مدوياً، لأن أغلب المجتمع الفلكي توقع أن يكون هناك تسرب ضعيف من الغاز ترك أثره على حركة «أوماموا» بالطريقة التي تمت ملاحظتها، لكن العلماء اجتهدوا باحثين عن آثار غاز “CN”، الذي يعرف بأنه مميز ويسهل اكتشافه لكن مجدداً لم يكن هناك أي أثار له على الإطلاق، وكان هذا مثيرًا للدهشة بما فيه الكفاية..

سرعان ما أعلن بعض هواة الإعلام بثقة كبيرة أن «أوماموا ليس مصطنعًا في الأصل». لكنهم لم يقدموا أدلة لدعم ادعائهم! جادلوا بحجة أن هناك دائماً أشياء لا نفهمها، والتي تنبع من أسباب طبيعية، لكن هذا ليس عذرًا لإبعاد خيار الأصل الاصطناعي عن الطاولة، هناك دائماً فكرة أن الحضارة الأخرى قد تكون موجودة بنفس الظروف التي أوجدت حضارتنا وأن الظروف المادية على سطوح الكواكب الأخرى تشبه تلك الموجودة على الأرض. لذلك، لا يمكن استبعاد إمكانية «رسالة في زجاجة» من حضارة أخرى، فبعد كل شيء هناك مفاهيم سائدة أكثر خيالًا من هذا الاحتمال، ولكنها غير مثبتة.

على سبيل المثال، ما الذي يمكن أن يكون خياليًا أكثر من افتراض وجود أبعاد إضافية لتوحيد ميكانيكا الكم والجاذبية، أو فرض شكل جديد من مادة مكونة من جزيئات افتراضية غير مكتشفة حتى الآن لشرح حركة النجوم في المجرات؟! ومع ذلك، فإن مفاهيم الأبعاد المتعددة والمادة المظلمة بمثابة عقائد راسخة في الفيزياء وعلم الفلك اليوم.

فكر معي قليلاً، مقابلة قطعة من المعدات التكنولوجية المتقدمة التي طورها مختبر خارج الأرض قد تشبه لقاء خيالي لأهالي الكهوف القدماء مع هاتف خلوي حديث، ففي البداية كانوا يرونه كقطعة لامعة من المعدن، ولا يعترفون به كجهاز اتصال. ربما هذا نفس الشيء الذي يحدث الآن كرد فعل للكشف عن أول زائر بينجمي في نظامنا الشمسي.

ومع ذلك، قد تُقدم دراسة حديثة توليفة مقنعة لجميع البيانات المتضاربة وتكشف الطبيعة الحقيقية لـ«أوماموا»

تأتي هذه الدراسة من عالم الفلك الشهير الدكتور (زدنيك ساكنينا-Zdenek Sekanina) من مختبر الدفع النفاث التابع لناسا، والذي يقترح أن: «أوماموا هو جزء من مذنب بينجمي تحطم قبل أن يقترب من الشمس، تاركا وراءه صخورًا مثل Oumuamua»

بعد أن عمل مع مختبر الدفع النفاث لمدة 40 عامًا تقريبًا (حيث يتخصص في دراسة الشهب والمذنبات والغبار البنجمي) لا يعتبر الدكتور زدنيك غريباً عن الأجسام السماوية، حيث تضمن عمله دراسات رائدة على مذنب (هالي-Halley)، وحدث (تونغوسكا-Tunguska)، وارتطام وتأثير مذنب (Shoemaker-Levy 9) على كوكب المشتري.

أحدثت دراسته الأخيرة بعنوان “Oumuamua As Debill of Dwarf Interstellar Interstellar Comet” جدلًا واسعًا على الإنترنت، حيث يقدم  إمكانية أن تكون الملاحظات التي بدأت في أكتوبر عام 2017 بواسطة تليسكوب (Pan-STARRS-1) عبارة عن جزء من الجسم الأصلي الذي دخل نظامنا الشمسي في أوائل عام 2017.

Oumuamua كما ظهر باستخدام تلسكوب وليام هيرشل في ليلة 29 أكتوبر. الائتمان: جامعة كوينز بلفاست/ تلسكوب ويليام هيرشل
Oumuamua كما ظهر باستخدام تلسكوب وليام هيرشل في ليلة 29 أكتوبر. الائتمان: جامعة كوينز بلفاست/ تلسكوب ويليام هيرشل

يشير دكتور Sekanina إلى بحث سابق قام به عالم فلك آخر مشهور (جون بورتل) يشرح كيف أن المذنبات التي تقع في مدارات شبه مكافئة من الشمس يمكن أن تتتفكك فجأة قبل أن تصل إلى الحضيض، وتشير أبحاث لاحقة إلى أنه في بعض الحالات يمكن أن تخلف أجزاءٌ كبيرة كـ Oumuamua.

ثم رسم Sekanina مقارنات مع مذنبان آخران تعرضا للتفكك عندما وصلوا إلى الحضيض، وفي كلاهما كان تفكك هذه المذنبات يشتمل على انفجار وإنطلاق اجزاء كبيرة منه، من هذا استنتج أن Oumuamua لن يتعرض للتدفق الغازي وسيكون أكثر عرضة لآثار ضغط الإشعاع الشمسي.

 وهذا يتفق تماما مع الملاحظات المقدمة عن Oumuamua وكما لاحظ البروفيسور لوب من مركز هارفارد للفيزياء الفلكية (CfA) في واحدة من العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع، فإن تسارع Oumuamua عند مغادرته النظام الشمسي لا يمكن أن يُنسب إلى للتدفق الغازي.

ولكن في نهاية المطاف، فإن البحث عن «رسالة في زجاجة» قد يوفر فرصة فريدة لمعرفة أننا لسنا وحدنا، حتى لو كان واحد فقط من العديد من الأجسام بين النجوم مصدره حضارة اخرى.

نظرًا لأن Oumuamua يبدو غريبًا، يجب أن يكون مكان ولادته مختلفًا تمامًا عما تتخيله حاليًا، بصرف النظر عما إذا كان طبيعيًا أو اصطناعيًا، وسيظل ضيفًا غامضًا استحوذ على اهتمام الباحثين والعامة على حدٍ سواء..

ملحوظة: التدفق الغازي هو ببساطة عملية تحدث للمذنب عندما يقترب من الشمس ويصل لدرجة الحرارة المناسبة لتحويل الجليد مباشرة من حالته صلبة إلى الغازية، ومع هروب ذلك الغاز فإنه يعطي المذنب دفعة إضافية في الاتجاه المعاكس، مما يؤثر على سرعته ودورانه ويعطيه دفعة إضافية تنحرف به عن تأثيرات الجاذبية.

إعداد: محمد طه

مراجعة: آية غانم

تحرير: سامح منصور

المصادر:

[1] ’Oumuamua could be the debris cloud of a disintegrated interstellar comet [Internet]. [cited 2019 Feb 4]. Available from: https://phys.org/news/2019-02-oumuamua-debris-cloud-disintegrated-interstellar.html

[2] Thursday AK| P, November 8, 2018. What do we know about ’Oumuamua? [Internet]. Astronomy.com. [cited 2019 Feb 4]. Available from: http://www.astronomy.com/news/2018/11/what-do-we-know-about-oumuamua

[3] 6 Strange Facts about the Interstellar Visitor ’Oumuamua – Scientific American Blog Network [Internet]. [cited 2019 Feb 4]. Available from: https://blogs.scientificamerican.com/observations/6-strange-facts-about-the-interstellar-visitor-oumuamua/

[4] Loeb A. How to Approach the Problem of ’Oumuamua [Internet]. Scientific American Blog Network. [cited 2019 Feb 4]. Available from: https://blogs.scientificamerican.com/observations/how-to-approach-the-problem-of-oumuamua/

[5] Loeb A. Advanced Extraterrestrials as an Approximation to God [Internet]. Scientific American Blog Network. [cited 2019 Feb 4]. Available from: https://blogs.scientificamerican.com/observations/advanced-extraterrestrials-as-an-approximation-to-god/

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي