كانت فيلا (هيركيلينيوم) للبردي من أكثر المباني الرومانية رفاهيةً، وطُمِرَ هذا العقار أثناء الثورة البركانية لجبل فيزوف عام 79 ميلاديًا. وكان العقار الشاسع ذو الواجهة البحرية -والذي أُقيم على نمطه متحف (J. Paul Getty ) بلوس أنجلوس- مملوكًا لوالد زوجة يوليوس قيصر، المدعو كالبورنيوس بيزو.
كانت الفيلا تحتوي على عددٍ مهول من القطع المتفردة من تحف الفن القديم، ولكن ربما كانت مكتبتها هي أعظم كنوزها وأيضًا لفافاتها المصنوعة من الورق البردي، والتي يبلغ عددها حوالي 1800 لفافة تم اكتشافها في أواسط القرن الثامن عشر. وهي المكتبة الأثرية الوحيدة التي بقت لتصل إلينا.
عند انفجار فيزوف، ضُرِبَت فيلا البردي بواسطة موجة من الغاز الساخن والرماد بلغت حرارته 600 درجة بمقياس فهيرنهايت، مما أدى إلى تفحم لفائف البردي محوِّلًا إياها لكتلٍ اسطوانية متفحمة، وللغرابة محافظًا عليها!
ومنذ اكتشافهم منذ أكثر من 250 عامًا، حاول العلماء فك وترجمة اللفافات الهشة. احتوى العديد منها على نصوصٍ يونانية عن الفلسفة الإبيقورية، وتحديدًا بعض كتب الفيلسوف فيلوديمس. ومؤخرًا قام فريقٌ من العلماء بكشفٍ رائد لطريقة أكثر أمانًا لفك رموز النصوص، بما أن فك اللفائف يُسبِّب ضررًا لا يُمكن إصلاحه للقطع الأثرية الهشة، اتجه العلماء لتكنولوجيا لا تتطلب التدخل وفك اللفائف مثل أشعة إكس، والتصوير الرقمي والمجاهر. وقد قال فيتو موسيلا، قائد المشروع بالمجلس الوطني للبحوث بإيطاليا: «أظهرت النتائج أنه يمكن قراءة اللفائف بدون فكها، والذي يمثل فكها مخاطرةً بها قد تتلفها وتؤدي لضياع محتوياتها»
وعلى أي حال، يبقى الاطلاع على الكتابة بقلب لفائف المخطوطة عملًا صعبًا، ومن العقبات الرئيسية التشابه الفيزيائى بين الحبر والبردي. حيث استخدم الرومان حبرًا أساسه الكربون المستخرج من بقايا الدخان، والذي له نفس كثافة اللفائف المتفحمة، مما يجعل التفرقة بينهما صعبة، حتى باستخدام التكنولوجيا المتطورة.
وفي المشروع التجريبي الحديث، والذي تم في المركز الأوروبي للإشعاع المتزامن بفرنسا حيث قارنوا بين الفحص بأشعة إكس بالرسم السطحي (XPCT). كان الرسم السطحي مفيدًا بشكلٍ خاص في تحديد خصائص اللفائف الداخلية المختبئة بقلب اللفافة. فهذا الإجراء مكَّننا من إيجاد فروقٍ طفيفة في طريقة امتصاص وانعكاس أشعة إكس، حتى بين المواد المتماثلة. قال موسيلا: «اتضح لي أن هذه التقنية قد تكون حاسمة لقراءة برديات هيركيلنيوم، ولكن لنتمكن من ذلك كان علينا السير قِدمًا بإمكانيات هذه التقنية التجريبية»
واختبر الفريق اللفافتان المحفوظتان بالمعهد الفرنسي، واللتان تم إعطاءهما لنابوليون في عام 1802. وباستخدام تقنية الرسم السطحي، تمكنوا من تحديد حروف يونانية وكذلك كلمات، حتى تلك المكتوبة بالداخل بقلب اللفافة. وبالإضافة لذلك وبواسطة تحليل نمط كتابة الخط على البرديات، تمكنوا من تأريخ النص لما بين 75 و50 ق.م. وقد قاد التشابه في النص مع برديات هيركيلينيوم الأخرى الفريق لاستنتاج أن إحدى بردياتهم يُرجَّح أن تحتوي على عملٍ لم يكن معروفًا من قبل لفيلوديموس. والمشروع لا يمكنه الكشف عن جُمل يونانية مترابطة، ولكنه معني بتحسين التقنية، يقول موسيلا: «سنتمكن حتمًا من قراءة قدرٍ لا يُستهان به من النص». حتى الآن كان الفضول هو الدافع لمشروعنا، ونحن بانتظار دعمٍ إضافي.
تبقى العديد من مخطوطات مكتبات العالم القديم مفقودة، فعلى سبيل المثال، بقت لنا سبع مسرحيات فقط من أصل 123 مسرحية لسوفوكليس. ومن الغير معلوم لنا ما إذا كانت بعض الأعمال المجهولة مازالت لم تُقرأ وسط برديات هيركيلينوم. ولكن حسب ما قال موسيلا، هناك احتمالات حقيقية لاكتشاف كلاسيكيات اختفت منذ القدم من الأدب اليوناني والروماني، وخاصةً مع احتمالية العثور على لفائف أخرى في الأماكن التي لم يتم التنقيب فيها إلى الآن في الفيلا.
المصدر: http://sc.egyres.com/x2nNf
ترجمة: ماجدة جنينة
مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary
تصميم: Abdallah Taha
#الباحثون_المصريون