لماذا ما زال الناس يصدقون نظريات المؤامرة؟

لماذا ما زال الناس يصدقون نظريات المؤامرة؟

يتسائل العالم روبرت بي. كريس (بالإنجليزيَّة: Robert P. Crease) مع دخولنا العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين: لماذا ما زالت نظريات المؤامرة منتشرة؟

سؤال مهم: لماذا مايزال البعض يعتقد أن الاحتباس الحراري مؤامرة؟
سؤال مهم: لماذا لا يزال البعض يعتقد أن الاحتباس الحراريّ مؤامرة؟

 

كثيرًا ما نسمع هذه العبارات: «الاحتباس الحراري هو مؤامرة مختلَقة من قبل جماعة من العلماء من حول العالم»
تتعمد فرق الأمم المتحدة التقليل من مستويات إشعاع (كارثتي فوكوشيما وتشرنوبل).

تصرّح وسائل الإعلام الأمريكية بحقائق كاذبة من أجل دحض تغريدات (دونالد ترامب) بأن السياسيين المرتشين هم السبب في مرض (الإيبولا) الفيروسي وغيره من الأوبئة.

تُعدّ نظريات المؤامرة التي لا أساس لها صفة أساسية للمشهد السياسي حاليًا، فإنها تشبه الأوبئة نفسها؛ تُخلَق من العدم، وتنتشر مثل النار في الهشيم لتعطل الحياة الطبيعية. يمكنها أن تفعل أي شيء ولكن من المستحيل أن تتوقف. كما أنها تهدد الديمقراطية بتسميمها لقدرة الناخبين على مداولة قضايا الحياة البشرية والصحة والعدالة بشكل واضح.
تناقش المؤرخة بجامعة ولاية بنسلفانيا صوفيا روزنفيلد (بالإنجليزيَّة: Sophia Rosenfeld) في كتابها الأخير الديمقراطية والحقيقة، أن نظريات المؤامرة تنشأ في المجتمعات فتحدث فجوة كبيرة بين الحكام والطبقات المحكومة. تقول المؤرخة روزنفيلد:

«إن في مثل هذه الحالات عندما يرفض المحكومون نصيحة الخبراء كأنها شيء لا يمس مصلحة الشعب، عندها يُخلَق شيءٌ يُسمَّى “علم معرفة شعبوي” ويقترن بثقافة “المعارضة”»

وتكمل روزنفيلد كلامها وتقول:

«إن أتباع النظرية الشعبية (الشعبيون) يميلون لرفض العلم وأساليبه لكونه مصدر التوجيهات. بدلاً من ذلك يفضلون التشبث بصدق العواطف، والحدس، والإحساس الداخلي بالحقيقة على الوقائع الحقيقية الجافة والأدلة والاختبارات العلمية والنتائج المعتمدة»

ويزيد العلم الحديث من الفجوة بين الخبراء وغير الخبراء حيث قد يجعل الشعبيين يعتقدون أن الوقائع الحقيقية ملطخة بالأكاذيب.

فجوة غاليليو

تقول روزنفيلد:

«في كتابي (ورشة العمل والعالم: ماذا يمكن أن نتعلم من عشرة مفكرين عن العلم والسلطة)، تحدثت عن ظهور تلك الفجوة العلمية مع غاليليو. ففي كتابه (ساجياتوري) الصادر عام 1623، استعمل غاليليو صورة توضيحية للدفاع عن نظرياته حول الطبيعة، فكتب «إن كتاب الكون مكتوب بلغة الرياضيات ورموزها هي الدوائر والمثلثات وأشكال أخرى هندسية، وبدونها لا يستطيع للإنسان فهم حتى كلمة واحدة من الطبيعة والكون، وبدونها يظل الإنسان في دهليز مظلم»»

استعمال الرياضيات خلق صدعًا بين هؤلاء الذين لا يفهمون هذه اللغة وهؤلاء الذين يفهمونها، فجعلت الأولين لا يثقون في هؤلاء الأخيرين.

وتوسّعت فجوة غاليليو -أو كما دعوتها- في الحجم والنتيجة في خلال القرون الأربعة الماضية التي مرت منذ ظهورها، فزادت من تكرارها ومن قوة نظريات المؤامرة

من الصعب تصديق ذلك ولكن، لقد تلقيت رسالة كره من أحدهم وثار العالم عليّ بعد الورشة. قلق البعض مما قد اكتبه حول لوحة القديس بولس المرسومة عام 1649 على يد الفنان يوستاس لو سور (بالإنجليزيَّة: Eustace Le Sueur) التي معلقة الآن في متحف اللوفر في باريس. يظهر هذا العمل الدرامي العظيم القديس بولس يلوح فوق كومة من الكتب المُحتَرِقة والتي تظهر من بعض صفحاتها أشكالاً هندسيّة. حيث صوّر هذا العمل بشكل غير واضح الهراطقة الذين يقرأون كتاب الطبيعة كأنهم مجرمون خطيرون.

لقد كانوا نقادي غاضبين للغاية وهاجموني بحجة أن اللوحة ليست حول غاليليو ولكن حول سفر أعمال الرسل 19:19 عندما دفع وعظ القديس بولس الصوفيين لحرق كتبهم، كما في الآية: «يجمعون الكتب ويحرقونها أمام الجميع».

وأضاف النقاد أنه يمكن تسوية هذه المسألة بشكل واقعي من خلال الإشارة إلى أن الأشكال على الصفحات المحترقة لا تشبه شيء مماثل في لغة الرياضيات. والأكثر من ذلك، لم يتتبع أحد الفنان أو للسلطات الدينية التي كلفت الفنان برسم اللوحة. ولكن لابد أن أكون بالتأكيد جزءاً من مؤامرة للافتراء على القديس الصالح.

كان ردي لهم: «بالتأكيد الأشكال التي في اللوحة لا تنتمي إلى نصوص الرياضيات الحديثة؛ بل هي ما يمكن لشخص مهووس بالدين عام 1649 اعتقاده حول شكل الاشكال الهندسية». وقلت أيضاً إنه لا يوجد معلومات واقعية عن تصميم اللوحة قد تساعدنا في فهم معناها، والتي لا يمكن فهمها إلا في ضوء سياقها التاريخي.

الفنان لو سور، وهو رسام ديني تموّله لجان الكنيسة، أنهى العمل في وقت كانت فيه القضية الأساسية التي تواجه الكنيسة الكاثوليكية هي شكواها بأن سلطتها الوحيدة لتفسير الكتاب المقدس تُنسف بسبب الأدلة المتزايدة في دعم نتائج غاليليو الرياضية. وهذا يُفَسِّر فقط لماذا يكرس الرسام الكاثوليكي المتدين وقتاً وموارد هائلة لإنشاء عمل يصل ارتفاعه إلى 4م تقريباً حول حفنة من الكلمات في الكتاب المقدس التي تذكر حرق الكتب ثم يرسم شخصيات هندسيّة على صفحات الكتب.

وعلى نفس المنوال، لم يؤلف الكاتب المسرحي آرثر ميلر (بالإنجليزيَّة: Arthur Miller) مسرحية البوتقة عام 1953 لأنه كان مهتماً بمحاكمات السحر في سالم (بالإنجليزيَّة: Salem witch trials). بل فعل ذلك لمعالجة اضطهاد المخربين الشيوعيين الذي حدث في الولايات المتحدة في خمسينيات القرن العشرين. ربما لم أقنع الذين اتهموني. لكن اتهاماتهم بأنني انضممت إلى مؤامرة معادية للمسيحيين توقفت.

الخُلاصة

تختلف المؤامرات الحديثة المناهضة للعلوم عن سوابقها في القرن السابع عشر، والتي انبثقت بشكل رئيسي من الكنيسة. كما أن أسباب انتشار نظريات المؤامرة متعددة، فهي لا تنتشر عن طريق الوعظ واللوحات ولكن عن طريق الإنترنت. وتُنَشّطت من خلال القدرة على اختيار المعلومات ذاتيًّا. ولكن نظريات المؤامرة ليست علامة على اللاعقلانية. بالعكس فإنها تنبع من محاولة غير الخبراء فهم المعلومات الساحقة والمتناقضة في كثير من الأحيان، استنادًا إلى القيم الشخصية، والأدلة المتاحة، والذين يثق بهم الشخص، والخبرة.

الكاتب الأصلي للمقال: البروفيسور روبرت بي كرايس، رئيس قسم الفلسفة في جماعة ستوني بروك بنيويورك

 

المرجع:

Why do people still believe in conspiracy theories?

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي