لقد تقدّم العلم كثيرًا فيما يخص فهمنا للأحلام، ولكن ما زال هناك سؤال بلا إجابة: لماذا نحلم؟
ما هي وظيفة الأحلام؟
هناك عدد كبير من النظريات التي يتم بحثها، وبينما يعتقد بعض العلماء أن الأحلام ليس لها وظيفة مباشرة -بينما هي ناتج بعض العمليات الأخرى التي تحدث أثناء النوم-، إذ يعتقد البعض الآخر من دارسي النوم والأحلام أن الأحلام تخدم غرضًا أساسيًّا.
إن نظريات الحلم تدور في فلك العديد من التخصصات العلمية، من علم النفس والأمراض النفسية إلى علم الأعصاب.
تُرجح بعض النظريات الحالية أن الأحلام هي:
- جزء من عملية الذاكرة يساعد في تخزين المعلومات وتحويل الذاكرة قصيرة الأمد إلى الذاكرة طويلة الأمد.
- امتداد من العقل الواعي يعكس تجربة اليقظة.
- وسيلة يواجه بها العقل التجارب والمشاعر والأفكار الصعبة المعقدة التي ليس لها إجابة، ليحقق التوازن النفسي والعاطفي.
- استجابة المخ للتغيرات الكيميائية والنبضات العصبية التي تحدث أثناء النوم.
- شكل من أشكال الوعي يوّحد الماضي والحاضر والمستقبل، حيث يستقبل المعلومات من الماضي والحاضر ليحضّر بها للمستقبل.
- وسيلة حماية من المخ تساعده في مواجهة التهديدات والمخاطر والتحديّات.
إنه من غير المحتمل أن توجد إجابة بسيطة أو نظرية واحدة تشرح دور الأحلام كاملًا في حياة البشر، ولكن من المحتمل أن تؤدي الأحلام وظائف مهمة في كل من المجالات الحيوية، والإدراكية والنفسية.
ما الذي يعرِّض الأحلام للاضطراب؟
والأحلام، كما النوم، عرضة للاضطراب نتيجة المشاكل الجسدية والنفسية، فهناك عدد من الأمراض والأدوية التي تؤثر على الأحلام، وتجعلها أكثر صعوبة واضطرابًا.
فدائمًا مثلًا ما يصاحب الاكتئاب والقلق أحلامًا مزعجة، ووجود هذه الأحلام من الممكن أن يكون مؤشر لشدة الاكتئاب، وقد وجدت الأبحاث أن من بين مرضى الاكتئاب، وجود الأحلام المزعجة بكثرة يرتبط بميول انتحارية، كما أن المصابين بالقلق والاكتئاب أكثر عرضة للأحلام المتقطعة والمخيفة، وغالبًا ما تكون أحلامهم متكررة.
وقد ثبت بالدليل أن أحد أشهر الأدوية المستخدمة في علاج الاكتئاب (Selective Serotonin Reuptake Inhibitors – SSRIs) من الممكن أن ثؤثر على الأحلام بأشكال عديدة، كأن تقلل القدرة على تذّكر الأحلام، أو تزيد من شدة الأحلام ولكن الممكن أيضًا للـ(SSRIs) أن تزيد من المشاعر الإيجابية في الأحلام، وعلى الجانب الآخر، الانسحاب من الـ(SSRIs) يؤدي إلى زيادة الأحلام المزعجة أو زيادة شدة الأحلام بشكل عام.
للمخدرات والكحول أيضًا أن تأثير محتمل على الأحلام، فالكحول يؤثر على دورة النوم الطبيعية الصحية، ويؤدي إلى نوم متقطع، وتناول الكحول بكثرة قبل ميعاد النوم يبدل ويقلل من الوقت الذي يُقضى في مرحلة النوم ذي حركة النوم السريعة (Rapid Eye Movement sleep – REM)، وقد أثبتت الدراسات أن إدمان الكحول مرتبط بالأحلام ذات المشاعر السلبية، وللماريجوانا أيضًا نفس التأثير على REM، كما أظهرت الدراسات أن الانسحاب من الماريجوانا والكوكايين يؤدي إلى رؤية أحلام غريبة.
أمراض تؤثر على الأحلام
بعض اضطرابات النوم تؤثر أيضًا على الأحلام، فالأرق مثلًا يزيد من القدرة على تذّكر الأحلام، بجانب أنه يجعل الأحلام أكثر اضطرابًا وتقطعًا (الاكتئاب والقلق أيضًا أكثر انتشارًا في الأشخاص المصابين بالأرق)، وتوقف التنفس أثناء النوم Obstructive sleep apnea يؤثر على الأحلام بشكل يجعلها أكثر سلبية وغرابة، وذلك لقدرتها على تغيير الـ(REM)، وهناك أيضًا حالة الخدار Narcolepsy وهو اضطراب يتسم بتعب شديد أثناء النهار واضطراب في دورة النوم والاستيقاظ الطبيعية، كما يؤدي إلى أحلام أكثر سلبية وغرابة، وأخيرًا وليس آخرًا، متلازمة تململ الساق Restless Leg Syndrome وهو اضطراب عصبي ونومي، من الممكن أن يصاحبه أحلام مزعجة.
اضطراب سلوك النوم خلال مرحلة حركة العين السريعة (REM behavior disorder (RBD، وهي حالة لا يحدث فيها الشلل الطبيعي الذي يتم أثناء النوم، فيتحرك المصابون بهذا الاضطراب أثناء نومهم كرد فعل لأحلامهم، وهذه الحركات قد تكون عنيفة كالضرب، والركل، أو الخروج من السرير، وقد تؤدي إلى إصابة المريض أو من يشاركه السرير، ونحن لا نعلم بالضبط ما يسبب هذا الاضطراب ولكنه مصاحب لإصابات وأمراض عصبية، بجانب الانسحاب من الكحول والمنومات، أو استخدام مضادات الاكتئاب.
الأحلام المزعجة والمتقطعة كما النوم المتقطع علامات لاضطراب ما بعد الحوادث (Post Traumatic Stress Disorder – PTSD)، والمصابين بهذا الاضطراب غالبًا ما يراودهم أحلام مزعجة متكررة، مصاحبة بتحرك أثناء النوم تشبه أعراض الـ(RBD)، إن الـ(PTSD) يحدث لمن تعرضوا لصدمات كالاعتداء، والكوارث، والحروب، فالجنود الذين شاركوا في الحروب غالبًا ما يعانون من اضطرابات في النوم والأحلام مرتبطة بالصدمات التي تعرضوا لها، واضطرابات ما بعد الصدمة.
الآن وبعد سنين من ملاحظة مجموعة من الأعراض في الجنود الذين خدموا في الحرب، فإنّ علماء النوم على وشك أن يعلنوا عن اضطراب جديد في النوم: اضطراب النوم المرتبط بالصدمات (Trauma associated sleep disorder)، بأعراض تتضمن الأحلام المزعجة، والمشي أثناء النوم، واضطرابات أخرى أثناء الليل.
اضطرابات الأحلام مرتبطة أيضًا ببعض الأمراض العصبية التي تتسم بتدهور حالتها مع الوقت، وتعرف بـ(Neurological degenerative diseases)، كمرض باركنسون (Parkinson’s disease) ومرض الهذيان (Dementia)، فالأحلام العنيفة هي أعراض متكررة مع هذه الأمراض، مثل الـ(RBD)، وهذه الأعراض تعتبر أيضًا مؤشرًا قويًّا لاحتمال الإصابة ببعض هذه الأمراض العصبية في المستقبل، فقد أظهرت الدراسات أن الـ(RBD) هو مؤشرٌ قويٌّ للإصابة ببعضٍ من أنواع كلٍّ من Parkinosn’s & Dementia.
ماذا عن تأثير الأحلام على حياتنا أثناء اليقظة؟
رؤية الأحلام هي جانب أساسي من كوننا بشر (إلّا أنه غير محصور على البشر، فالحيوانات تحلم أيضًا)، وهو شيء نفعله يوميًا منذ أن كنّا صغارًا حتى نكبر. هل الأحلام هي أكثر من كونها ترتيب لفوضى العقل؟ هل هناك طريقة تمكننا بها الأحلام من عيش حياتنا بطريقة أفضل؟
هناك اعتقاد سائد يصف الأحلام على أنها بوابة للإبداع، والدراسات العلمية من الممكن أن تمنح هذا الاعتقاد بعض المصداقية، فقد أثبت الدليل أن للأحلام القدرة على التأثير على الوظائف الحياتية والأداء في الحياة العلمية خاصة المرتبط بالإبداع وحل المشاكل.
بشهادة كلٍّ من المبدعين ودارسي العلم المعاصر، فإن الأحلام هي مجال إبداع العقل،
وقد وجدت إحدى الدراسات الخاصة بأحلام الموسيقيين أنهم ليس فقط يحلمون بالموسيقى في أوقات كثيرة، بل إن أكثر من نصف الموسيقى التي يحلمون بها تكون غريبة وجديدة عليهم، مما يشير احتمال إمكانية التأليف في الأحلام، وعلى سبيل المثال، بول ماكرتني Paul McCartney ارجع تأليف أغنية البيتلز الشهيرة Yesterday إلى أحد أحلامه، كما أن بعض الفنانين مثل الشاعر ويليام بلايك William Blake وصانع الأفلام إنجمار بيرجمان Ingmar Bergman يقولون أنهم يستمدون إلهامهم من الأحلام، ولاعب الجولف جاك نيكلاوس Jack Nicklaus أيضًا قد تخلص من مشكلة ملحة فيما يتعلق بالجولف بعد أن توصّل لحلها في حلم.
وقد اختبرت إحدى الأبحاث دور الأحلام في حل المشاكل مستخدمين طريقة الأحلام الواضحة (lucid dream)، وفي هذه التجربة كانت مهمتهم هي صياغة بعض الجمل الاستعارية حسب توجيهات الباحثين، وقد بيّنت مثل هذه الدراسات أنه من الممكن للأحلام أن تكون تربة خصبة لتعزيز وتطوير طريقة تفكيرنا.
وبشكل عام، فإنّ الأحلام تعطينا بصيرة عمّا يشغل بالنا، ويؤرقنا، ويستحوذ على أفكارنا ومشاعرنا، وهي تخفف عنّا أحيانًا،
وتكون غامضة أحيانًا أخرى، وتذهلنا دائمًا، كما يمكنها أن تجعلنا، وترينا ما نحن عليه في آن واحد.
تصبحون على خير.
ترجمة: ضحى إبراهيم
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لغويّة: Matalgah Hamzeh