ربما صادفت وأنت تتصفح الفيسبوك منشورًا عن حادثةِ عنف أو عن الفقراء، وفوجئت من التعليقات التي تُلقي اللوم على الضحية، أو تزدري الفقراء وتعتبرهم مسؤولين عمَّا هم فيه، أو ربما وقعت أنت نفسك في هذا الفخ، فخ «فرضية الحياة العادلة»، تتجلى هذه الفرضية في أبرز صورها في ضحايا التحرش والعنف ضد المرأة. كثيرًا ما نجد من يتهم ضحايا التحرش بالخلاعة ويعتبرهن مسؤولات عما تعرضن له، ومن يدافع عن الرجل الذي اعتدى على زوجته مُدِّعيًا أنها هي من استفزته وأثارت أعصابه.
فرضية الحياة العادلة هي إحدى الانحيازات التأكيدية التي تدفعنا إلى البحث عن مبرر وسبب يتفق مع اعتقادنا بأن الحياة عادلة. وقد يتخذ هذا الانحياز شكلًا مستقبليًّا، كأن تتوقع أن تنجح لأنك اجتهدت، وقد يحدث بأثرٍ رجعي بأن تبحث عن تفسيرٍ عادلٍ للحالة القائمة أمامك فتفترض أن فلانًا غنيٌّ لأنه مجتهد، وفلانًا فقيرٌ لأنه كسول. (1)
أول من طوَّر هذه الفرضية هو (ميلفن ليرنر- Melvin Lerner) الذي أجرى تجاربًا تهدف إلى معرفة سبب قبول الشعوب للقوانين والعادات التي تجلب التعاسة والمعاناة للكثير، وفي أولى تجاربه التي نُشرت عام 1965، شاهد المشاركون موظفَين يقومان بمهمةٍ معينة وقيل لهم إنه سيتم اختيار أحد الموظفَين عشوائيًّا ليحصل على مكافأة مالية، وأن كلا الموظفين لا يعرفان بوجود مكافأة مالية، وبعد اختيار أحد الموظفين وتقديم مكافأة له سُئل المشاركون عن رأيهم، وكانت النتيجة تشير إلى ميل المشاركين إلى الاعتقاد بأن من حصل على الجائزة كان أكثر اجتهادًا، رغم أن الاختيار كان عشوائيًّا! ولكنهم بحثوا عن مبرر لحصوله على المكافأة.
وفي تجربةٍ أخرى كان الطلاب يشاهدون زميلتهم أثناء محاولةٍ للتعلم وكانت تتلقى صدمةً كهربائية كلما أجابت إجابة خاطئة، وبعد التجربة اتضح أن المشاركين يميلون إلى التقليل من شأنها واعتبارها مستحقة لهذا العقاب، لأنها تخطئ!(2)
لماذا نقع في هذا الانحياز؟
الإيمان بأن الحياة عادلة ضروري لسلامنا النفسي، فهو يعزز من شعورنا بالأمان، ولو لم نعتقد أن الحياة عادلة وأن كلًّا يجني ما حصده، وأن من أُصيب بمكروه يستحقه لأنه مذنب، فسنخشى أن نصاب نحن بهذا المكروه دون ذنب، لذا نفترض أنه مذنب حتى نشعر بالأمان، وأننا لن نُضَر أو يصيبنا مكروهٌ طالما لم نخطئ، لذا قد نلوم الفقراء على فقرهم، والضحايا على ما حلَّ بهم بدلًا من لوم من تسببوا في انزلاقهم في هوة الفقر أو من اعتدى على هؤلاء الضحايا.
كما يمنحنا هذا الانحياز الشعور بأن العالم يسير وفق قواعد، وأننا قادرون على التأثير فيه والتحكم بالنتائج التي تحدث.(3)
وعلى الجانب الآخر، ثمة سبب آخر يجعلنا نلوم الضحية وهو التخلص من الشعور بالذنب، لأننا لو أقررنا بأن الضحية لا ذنب لها فسنشعر بالذنب أننا لم نحاول نصرته، فلوم الضحية هنا آلية دفاعية تريح ضمائرنا وتخفف من شعورنا بالذنب كما هو الحال في تجربة الطالبة التي تتلقى صدمة كهربائية كلما أخطأت.
لكن هل الاعتقاد بأن الحياة عادلة جيد أم سيء؟ وكيف أتجنب مساوءه؟
كما قلنا الاعتقاد بأن الحياة عادلة مفيد لسلامنا النفسي، فإذا لم نؤمن أن الحياة عادلة سنرى العالم كمكانٍ قميء لا يقدم مردودًا لمجهوداتنا، وسنفقد الرغبة في فعل أي شيء لأنه ليس هناك ما يضمن لنا نجاح هذه المجهودات، فالإيمان بعدالة الحياة يعمل كحافز لنا للسعي وبذل مزيد من الجهد. وعلى الجانب الآخر، قد يدفعنا هذا الاعتقاد دون أن نشعر إلى لوم ضحايا لا ذنب لهم، ويمنحنا ثقة عمياء بأن نجاحاتنا كلها مستحقة ولا شيء منها من قبيل الصدفة.
هناك أشكالٌ مختلفة لانحياز الحياة العادلة، منها انحيازك فيما يخص نتائج الآخرين، وانحيازك فيما يخص نتائجك أنت. لتتجنب الوقوع في النوع الأول عليك أن تفكر في الموقف وتحلله بتمعن وتنظر في تصرفات الشخص والنتائج والعوامل الخارجية التي قد يكون لها أثرٌ على هذه النتائج، فكِّر في حالاتٍ مشابهة لأشخاصٍ تلقوا نفس النتائج رغم أنه من الواضح أنهم ليسوا مسؤولين عن هذه النتائج، ضع نفسك مكان هذا الشخص وحاول مشاركته وجدانيًّا والتعاطف معه.(1)
تذكر أنه لا يمكننا الحكم بشكلٍ مطلق بأن العالم عادلٌ أو عشوائي، وأن الإيمان المطلق والدائم بالعدالة المطلقة للحياة لا يقل ضررًا عن الإيمان بعشوائيته. تذكر أن الاعتقاد بأنه لا توجد علاقة بين أفعالك وبين النتائج يقدم لك وسيلةً للدفاع عن ذاتك عن طريق نسبة كل إخفاقاتك إلى عوامل لا تقع ضمن نطاق سيطرتك وفي هذه الحالة لن تتعلم من أخطائك.
لا تحكم بشكلٍ عشوائي، بل فكر مليًّا قبل أن تلقي اللوم على أحد.
المصادر: