يُعدُّ الهوس بالعظمة أحد أهم السمات الجوهرية للنرجسية؛ والذي يَجْعَلُ النَّرْجِسيين يمِيلُون إلى امتلاكِ نَظْرةٍ إيجابيةٍ تجاهَ أنفُسِهِمْ.
ألا نظُنُ جميعًا أنَّنا الأفضلْ؟
فلنَكنْ عادِلين، يمتلك الكلُ تقريبًا نظرةً إيجابيةً عنْ نفسِه، ولكنَّ ما يجعلْ النرجِسيين مُختلفينَ هو أنَّ هذهِ الصورةِ المحبةِ للنفسِ تَتكونُ لديهم بشكلٍ يصيرُ مبالغًا فيه، بل قد تصل لحدِّ التأكدِ من أنهمْ أفضلُ منَ الناسِ أجمعين.
تأثيرُ بحيرةِ وُوبِيجُون
يظنُ بعضُ الناسِ أنَ لديهِمُ القدرةِ على تأديةِ العديدِ منَ المهاراتِ والأعمَالِ بشكلٍ أفضلِ مِما همْ يقْدِرُونَ عليه في الحقِيقة، وهو ما يُعرفُ اصطلاحًا بـ (تأثير بحيرة ووبيجون – Lake Wobegon effect)، وقد عُرِفَ ذَلِكَ الاسْم لأولِ مرةٍ عن طريقِ العرضِ الإذاعِي الذي يقدمُهُ (جاريسون كيلور – Garrison Keillor) حيثُ يتسمْ جميعُ الأطفالِ في المدينةِ الخياليةِ علي بحيرةِ ووبيجونْ بكونِهِمْ “فوق الطبيعي”، وبالطبعِ لا يمكنُ لأحدٍ أن يكونَ فوقَ الطبيعيّ.
النرجسية وتعظيم النفس
لِلإجابةِ على السؤالِ السابقِ طرْحه، فقدْ صدرتْ ورقةٌ علميةٌ بعنوان : (النرجسية والنظرة الذاتية – Narcissism and Self-Insight) بواسطة كلٍ من (إميلي جريجالفا – Emily Grijalva) و(لياو تشانغ – Luyao Zhang) في (نيسان/إبريل) من عامِ 2016؛ لتُناقشْ وتَسْتكشفْ هذهِ المشكلة.
قامَ الباحثانِ بعملِ ما يعرفُ بـ (التحليلِ الاستخلاصيّ – Meta-Analysis) لعددٍ منَ الدراساتِ التي تربطْ بينَ مدى نرجسيةِ البعضِ وميلهمْ لإعلاءِ نَظرتِهم تجاهِ أنفسهم. (في عملية «التحليل الاستخلاصي» يقومُ العلماءُ بفحصِ بياناتٍ منْ مختلفِ المصادر لتحديد السمةِ السائدة عليها وبذلك يمكنْ أحيانًا الاستعانةِ بها كدليلٍ عندما يكونُ البحثُ على نطاقٍ واسعٍ من الدراسات) وفي هذه الدراسات، قامَ المشاركونَ بتعبئةِ قائمةٍ منَ الاختيارات التي يُمكن عن طريقها قياسُ مدى نرجسية المُشاركِ ومِنْ ثَمَّ قيَّموا أنفسَهم حسبَ عددٍ منَ السماتِ الشخصية، وفي نفسِ الوقتِ قامَ آخرونَ مِمَّن كانُوا علىَ معرفةٍ بالمشاركينَ الأوائلْ بتقييمَهُم حسبْ نفسِ السماتْ.
وقدْ كانَ السؤالُ الرئيسيّ الذيِ شغلَ بالَ الفريقِ هو ما كان مدى نرجسيةِ المرءْ يمكنُ استنتاجَها بالنظرِ إلي التفاوتِ بينَ التقييماتِ التي أعطاها أحدَهُم لنفسِه مقارنةً بالتي أعْطَاها الآخرُون لهْ؟
صِفاتٌ محببةٌ لِنَفسِ النرجسِيّ
بعدَ الانتهاءْ، وُجدَ أنَّ النرجسِيينَ كانتْ لدْيهِم رؤيةٌ مُعززةٌ لأنفسهم. ومن المُثِيرُ للاهتمامْ، أنَّهم كانُوا يميلُون بشكْلٍ خاص إلى تعزيزِ السِمَاتِ التي تَعكِسْ قُدْرَتَهم في التأثِيرِ على العَالمِ، وجذبِ انْتبَاهِه. ولذا تصورَ النرجسِيّونَ ،أنفُسَهمْ، أنَهُم أكثرَ عَظمةً وانْبسَاطًا وصراحةً وانفتاحًا مما ظنهم الآخرين. بلْ وأنهم أكثرَ ذَكَاءً وقيادة وذوي جاذبيةٍ جسديةٍ أفضلُ ممَا رأى الآخرون فِيهِم.
مِحْوَرِية الذاتِ النَّرْجِسِية
وَعلَى الرغمِ منْ ذلكَ فإنَ النَرْجِسِيين لمْ يُعَزِزُوا كُلَ السِمَاتِ المُعْطَاةِ في الاسْتبْيان. فالسِماتُ التي عكستْ قُدْرَتَهُمْ علىَ أنْ يَكُونُوا جُزْءًا مِنْ المُجْتَمَعِ لمْ يَمِيلُوا لتَعْزِيزَها. فلم يظُنْ النرْجِسِيين أنَهُمْ أَصْحَابَ ضمِيرٍ حيّ أو يتسمونَ بالعدلِ أو محبوبينَ أو أنهم يُعتَمَدْ عليْهِمْ على عكْسِ اعْتِقَادِ الآخرينَ.
ويَعْكِسُ هَذَا النَمَط أنَّ النَّرجِسيين يُعْلُونَ مِنْ نَظْرَتِهُم لأنْفُسِهِمْ لتعزيزِ حُبِهِم لذاتِهم. وهذا يعنِي أنَّ تَركِيزَ النَّرْجِسيين يَنْصَبُ فِي أنْ يَكُونَ لديهِمُ التأثيرَ الأكبرَ على العالمِ منْ حولهمْ. فهُم يرِيدُون أن يعرِفَهُم الآخَرُونَ لقدرَتِهِم الفرديةِ، عِوَضًا عنْ قُدْرَتِهِم على العَمَلِ كفرِيق. ونَتيجةً لذلكَ، فتركيزَهُم ينصبُ، في الغَالبِ، على السماتِ التي تَعْكِسُ القيادةَ الفردية والعظمة بدلًا منَ السِماتِ الإيجابيةِ التي بالإمكانِ أنْ تَجْعَلَهُمْ أعْضَاءَ فَاعِلِينَ ونَافِعِينَ لِلمُجْتَمَع.
ترجمة: محمد حلاوة
مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
مراجعة لغوية: أحمد أبو المعارف