في عالم الذكاء الصناعي هناك منافسة مبنية على اختبار مقدم من عالم الرياضيات ورائد الحوسبة آلان تورنج (Alan Turing) (1912-1954)، الذي قضى الحرب في فك شيفرات الجيش النازي، افترض تورنج أنه إذا ما استطاع الحاسب تضليل شخص ما إلى حد إقناعه بأنه إنسان، فإن هذا الحاسب يملك القدرة على التفكير.
في المسابقة، يجلس أربعة حكام، كلٌ على جهاز حاسب خاص به، حيث يجري كل منهم محادثتين كتابيتين في نفس الوقت، واحدة مع إنسان حقيقي مختف في غرفة منفصلة، والأخرى مع حاسب. ولدى كل حكم خمس وعشرون دقيقة كي يميز بينهما، قبل أن ينتقل إلى زوج آخر، عملياً، لا يتطلب الأمر أكثر من دقائق معدودة لكي يتم تمييز الانسان من الحاسب. في المسابقة الأخيرة بدأ أحد الحواسيب باستراتيجية غير اعتيادية هي محاولة رشوة الحكام لإعلان أنه كائن بشري، وبالتالي فوزه، في حين تظاهر حاسب آخر بأنه كائن فضائي على سفينة فضاء. تلك الأساليب بالطبع لم تنجح، أفصح الآدميون عن أنفسهم سريعاً بإجاباتهم البسيطة عن الطقس وما يحيط بهم، وهو ما تجاهله الحاسب أو اخطأ إجابته بشكل مخيب.
في النهاية، لم يخدع أي من الحواسب الأربعة أي من الحكام، وكما هي العادة مع كل المنافسات في التاريخ، فإن أفضل متسابق لم يتمكن من إحراز أكثر من ميدالية برونزية. لذلك، فما هو مدى اقترابنا من ذكاء اصطناعي حقيقي؟!
إحدى المشكلات التي تواجه اختبار تورنج، هي أنه ليس بإمكان أحد تحديد ما يمكن اعتباره نجاحاً للحاسب. كتابات تورنج، التي جرت في الخمسينيات توقعت أنه بحلول القرن الواحد والعشرين ستتمكن الحواسب من تخطي الاختبار بنسبة ثلاثين بالمائة، فسّر البعض ذلك على أنه نسبة الحكام التي يتوجب على الآلة خداعُها، وأدى ذلك إلى نشر بعض الصحف لعناوين رئيسية في العام الماضي عن نجاح حاسب في المجتمع الملكي بلندن باجتياز الاختبار. آخرون يعتقدون أن النجاح يجب أن يكون بنسبة خمسين بالمائة.
لكن، حتى ولو تمكن أي من الحواسب من خداع الحكام فإن هذا لا يُخبرنا بأي شيء عن ذكائه، لأن نتائج الاختبار تعتمد على مستوى فهم الحكام واختياراتهم لأسئلتهم، فالنتيجة قد تتغير بتغير الحكام، حتى ولو طرحوا نفس الاسئلة.
وبناء على ذلك، فإن معظم العاملين بمجال الذكاء الاصطناعي تخلوا عن اختبار تورنج منذ مدة طويلة، وذلك لصالح طرق يمكن نمذجتها بشكل أفضل. في آخر عامين فقط، بدأت العديد من الحلول الحسابية تنهج طرق جديدة مغاير لفكر الإنسان وسمح ذلك بتخطي الأداء البشري في العديد من المهام.
حدثت تطورات شاسعة في هذا المجال بفضل التقدم البرمجي وتطوير التعلم العميق والشبكات العصبونية، وهي من اليوم من المفاهيم الأساسية في الذكاء الصنعي، وتنشط في محاولة محاكاة البناء العصبي للإنسان. في العام الماضي، نشرت شبكة فيسبوك تفاصيل خوارزمية “الوجه العميق” التي أحرزت نسبة دقة (97.25%) على قاعدة البيانات، بالكاد أقل من المتوسط البشري الذي يبلغ (97.25%).
تختبر الشبكات الكبرى الخوارزميات الخاصة بها على قاعدة بيانات أخرى أيضاً تسمى شبكة الصور (Image net)، وهي مجموعة أكثر تنوعاً من الصور المُعلَّمة، وتتنافس الشركات فيما بينها للانتصار في تحدي التعرف الصوري على أوسع نطاق. قبل أن تنطلق منافسة هذا العام في شهر نوفمبر، نشرت شركة ميكروسوفت تفاصيل الخوارزمية الخاصة بها والتي نجحت في تحقيق نسبة دقة بلغت (95.6%)، وهي مرة أخرى أقل بقليل من المتوسط البشري في هذا المجال.
ولكن، واحدة من منظمي المنافسة، وهي أولجا روزاكوفسكي من جامعة كارنيجي ميلون ببتسبرج، بينسلفانيا، توضّح أن الخوارزميات ليس عليها أكثر من تصنيف الصور إلى واحدة من ألف فئة، وذلك أمر هين مقارنة بما يمكن للإنسان القيام به.
تقول أولجا: “حتى وإذا كان بإمكانك التعرف على كل العناصر، فإن هذا لا زال بعيد جداً عن بناء آلة ذكية”. وأضافت أنه كي تظهر ذكاء حقيقي، على الآلة أن ترسم استنتاجات أوسع عن مضمون الصورة، وما يمكن أن يحدث بعد وقت التقاطها ، بثانية ربما “.
جعل الحاسوب قادراُ على اتخاذ القرارات هي مهمة مختلفة تماماً عن كل ذلك، خاصة في محاكاة قدرة الإنسان على اتخاذ القرارات بناء على معلومات غير مكتملة، كأن يحاول التفكير فبما يُمكن للآخرين فعله، والسؤال المطروح هل بإمكان الذكاء الاصطناعي فعل ذلك؟
” أصبحت لعبة البوكر هي المؤشر لقياس الذكاء في مواقف المعلومات الناقصة تلك ” هكذا علق توماس ساندهولم، من جامعة كارنيجي ميلون على هذه القضية، إن عدم التأكد في لعبة البوكر يجعلها أكثر صعوبة على الآلة حتى من الشطرنج، والتي أصبح الحاسب فيها لا يُقهر.
في شهر كانون الثاني / يناير الماضي، قام فريق من جامعة ألبيرتا بإدمونتون، كندا، بنشر تفاصيل عن حاسب بإمكانه هزيمة أي إنسان في البوكر ولكن فقط في شكل أبسط من اللعبة. ففي البوكر المعتاد، لا زال بإمكان الإنسان السيطرة، ولكن هذا الموضوع إلى انحسار.
منذ أشهر قليلة، قام ساندهولم بالمقامرة بحاسوبه ضد فريق من لاعبي البوكر المحترفين. لقد خسر، ولكن بهامش ضئيل جداً، وعلق على ذلك: “على الأقل، فإن (99.9%) من الناس أسوأ من برنامجنا في اللعبة “، ويضيف بأن هذا النوع من المنافسات هو تحسين على اختبار تورنج: ” تعجبني الفكرة كثيراً كاختبار، لأنها ليست محاولة لصنع الذكاء. فلا بد أن تكون ذكياً حقاً لتهزم الإنسان”.
هل لا زال هناك أية رمق في اختبار تورنج؟ بيرتي موللر من مجتمع دراسة الذكاء الاصطناعي ومحاكاة السلوك، يرى أن المنافسة لا زالت تقام كإجراء روتيني لا أكثر، ولو كان تورنج نفسه على قيد الحياة، لما رأى بأن تلك هي الطريقة الأمثل لاختبار الذكاء. بالنسبة لموللر، فإن مراقبة الآلة في عدة بيئات مختلفة ربما تكون اختباراً مناسباً، بالضبط كوضع طفل لا زال يحبو في غرفة مليئة بالألعاب ومراقبة أفعاله.
إعداد : محمد أشرف
مراجعة :المهندس ميشيل نقولا بكني.
تصميم : Bothaina Mahmoud
المصدر : http://sc.egyres.com/XLJFO
#الباحثون_المصريون