دعونا نتعرَّف على ما تُخبرنا به الكائنات الميكروسكوبية التي تسكن وجوهنا حول تاريخنا التطوريّ!
الآن بينما تقوم بقراءة هذا المقال، عميقًا في حويصلات شعرك، وفي غددك العرقية أيضًا يعُثُ ويتزوج ويتغذي علي خلاياك الميتة الكثير من الكائنات التي تنتمي لشعبة مفصليات القدم (arthropods)، والتي تُدعى (Demodex folliculorum). وهي تعيش متطفلة في جميع الثدييات، خاصة على منطقة الوجه، وهي لا تُسبب جروحًا في معظم الأحيان.
وما أظهرته دراسة جديدة أنَّ الأشخاص المختلفون في التاريخ التطوريّ يحملون أنواع مختلفة من هذه الكائنات الدقيقة، و عند مقارنة أنواعها بالنسبة للتوزيع الجغرافي للأشخاص في العالم، قد تُساعدنا في معرفة كيف هاجر وتطوَّر أجدادنا علي مر العصور. يقول (David Reed)، وهو مختص في البيولوجيا التطوّرية بجامعة فلوريدا »عندما تفكر في الكائنات المتطفلة التي يكون الإنسان هو العائل لها، وكلًا منها يمتلك شيئًا ليخبرنا به عن التاريخ التطوّري؛ تُدرك أنه هناك الكثير لتتعلمه عن ماهيتنا ومن أين تحديدًا قد أتينا».
ولتسهيل التعامل مع أكبر قدر من أنواع هذه الكائنات الدقيقة؛ قام العلماء بجمع سبعين شخصًا من بِقاع مختلفة، حيث كان المشتركون في الدراسة ينتمون إلى أوروبا، وآسيا، وأفريقيا ،و أميريكا اللاتينية. وقد قام الفريق القائم على الدراسة بتحليل ال(Mitochondrial DNA) -الميتوكوندريا هي العضيّ المسئول عن إنتاج الطاقة في الخلية وهي تمتلك محتوى وراثي خاص بها- الخاص بهذه الكائنات، وقد حلّلوا النتائج وقاموا بدراسة التغييرات الموجودة بين النتائج واهتدوا إلى وجود أربعة مجموعات مختلفة من النتائج؛ وقد أخبر الفريق أن التاريخ العائلي للفرد هو الذي يُحدد أي نوع من الأربع مجموعات هو الذي تكون عائلًا له؛ حيث أن الأشخاص الأفارقه مثلًا يحملون مزيجًا من الأنواع الأربعة المختلفة؛ بينما الأشخاص الأوربيون يحملون فقط نوعًا واحدًا.
استنتج الباحثون أن الجدّ المشترك بين هذه الأربع مجموعات قد عاش أكثر من ثلاثة ملايين سنة مضت؛ وهذا يعني أن جميع الأربع مجموعات قد إتخذت الإنسان الحديث عائلًا لها. يوجد الكثير من الحفريات والأدلة بداخل المحتوى الجيني للإنسان وكذلك التوزيع الجغرافي لأنواع هذه الكائنات الدقيقة تقترح أن الإنسان الحديث قد تطوَّر أولًا بقارة إفريقيا وبذلك يكون الإنسان الإفريقي حاملًا للأربعة مجموعات المختلفة، ومن ثمّ هاجر هذا الإنسان إلى مناطق جُغرافية مختلفة، وعلي غرار اختلاف مناخ هذه المناطق عن المناخ في قارة إفريقيا، قد تمكن بعض هذه المجموعات من هذه الكائنات أن يعيش، بينما الآخر لم يفعل.
يقول(Michael palopoli) أحد القائمون بالدراسة وهو صاحب التفسير السابق، وهو أحد المختصين بالبيولوجيا التطورية بكلية(Bowdoin) : »بينما كان يهاجر الإنسان الإفريقي إلى آسيا وأوروبا، بعض أنسال هذه المجموعات الأربعة لم ينجو». وإذا أشرنا إلى الDNA الخاص بالميتوكوندريا، للكائنات التي تنتمي إلى الأشخاص الأوروبيون بالنوع( D )؛ نجد أن الأشخاص الأفارقة يمتلكون هذا النوع ضمن محتواهم الجيني، حيث أن الأشخاص الأفارقة يحملون محتوى جيني كبير جدًا وهو الأكثر إختلافًا.
وقد وجد الباحثون أن هناك حالة استقرار في هذه المجموعات الأربعة تُقدَّر بثلاث سنوات، حتي في الأشخاص الذين هاجروا من أفريقيا إلى مناطق أخرى حول العالم، وفي خلال هذه الفترة تمكنت هذه المجموعات الميكروسكوبية من القيام بعملية التزاوج الأولي مع هؤلاء الأشخاص؛ ولكن في الجيل الثاني لم تتمكن كل المجموعات بالنسبة إلى الأشخاص المهاجرين أن تقوم بالتزاوج مرة أخرى؛ بسبب اختلاف البيئة التي سافر إليها المهاجرون. ومن هذه النتيجة تمكّن الباحثون من معرفة لماذا يكون لكل جماعة تسكن بقعة مختلفة من الأرض محتوى جيني خاص بنوع معين من الكائنات الميكروسكوبية؛ وذلك حدث بسبب عوامل معينة ومنها اختلاف في درجة ليونة وملمس الجلد، وأيضًا اختلاف في كثافة الدهون في حويصلات الشعر.
هذه الاختلافات بين الأشخاص حول بقاع العالم، قد نتجت من التأثير التطوري بمر الزمن؛ ولذلك كانت هناك منافسة كبيرة بين أنواع الكائنات الميكروسكوبية في أيّهم سيتمكن من التكيّف مع طبيعة الجلد في هذه البيئات المختلفة ومن هنا جاء الاختلاف، وعلى سبيل المثال في حالة القدماء الأوربيون، التغيّرات التي حدثت في جلودهم قد رجّحت نوع واحد من المجموعات الأربعة على المجموعات الأخرى.
ويتضح أن هذه الكائنات الميكروسكوبية تحتوي علي تنوع كبير في محتواها الجيني؛ حيث في الأشخاص الذين يتشابهون في الأصل التطوري، هناك اختلافات أيضًا بين الكائنات التي تعيش عائلة عليهم!، والتشابه فقط يتواجد بين الأفراد من العائلة الواحدة. قد تُساعد هذه الاختلافات وهذه الدراسة الجديدة، في صُنع خريطة تاريخية أكثر دقةً و تماسكًا من الخرائط التي حصلنا عليها عند دراسة القمل والأنواع الأخرى غير النوع الذي قامت عليه الدراسة الحالية ( Demodex folliculorum )، وهذه هي أول دراسة تستخدم هذا النوع من الكائنات الميكروسكوبية لدراسة التاريخ التطوري للإنسان ودراسة السلوك الخاص به، قد تكون هذه الدراسة محدودة ولكنها واعدة في المستقبل مع تجارب واستنتاجات أخرى كما يُشير رييد: »مؤلفي هذه الدراسة قد وجدوا طريقة واعدة وجديدة في دراسة التاريخ التطوري للإنسان».
المصدر: من هنا
ترجمة: Osama ahmed
مراجعة لغوية: Omnea Ahmed Abd El-Aleem
#بيولوجيا #تطوّر #الباحثون_المصريون
#الباحثون_المصريون