ماموث فلسطيني

800px-1698_de_Bruijin_View_of_Bethlehem,_Palestine_(Holy_Land)_-_Geographicus_-_Bethlehem-bruijn-1698

كل نهرٍ،

ولهُ نَبْعٌ ومَجْرى وحياةْ

يا صَديقي أَرضُنا ليستْ بِعاقِرْ

كُلّ أَرضٍ ولها ميلادها

كل فجرٍ ولهُ مَوْعِدٌ ثائرْ.

– محمود درويش.

جذور فلسطين متغلغلة في أرضها منذ 2.5 مليون سنة، وأكثر!
جذور فلسطين متغلغلة في أرضها منذ 2.5 مليون سنة، وأكثر!

دوروثيا بيت.. رائدة متحف التاريخ الطبيعي

دوروثيا مينولا أليس بيت (1878-1951) عالمة حفريات مُعترف بها دوليًا لخبرتها في الثدييات الأحفورية.
دوروثيا مينولا أليس بيت (1878-1951) عالمة حفريات مُعترف بها دوليًا لخبرتها في الثدييات الأحفورية.

لم يكن لديها مؤهلات رسمية عندما سافرت دوروثيا البالغة من العمر 19 عامًا في عام 1898 إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن للمطالبة بوظيفة، عندما منحها أمين قسم الطيور في المتحف، ريتشارد بودلر شارب وظيفة ما، وتم السماح لها بدخول غرفة الطيور، حيثُ فرزت جلود الطيور إلى أنواع في وظيفة غير رسمية، ولم يُدفع لها إلا مقابل العمل الجزئي، وهذا يعني بعدد العينات التي أعدتها.

وبعد أكثر من 60 عامًا على وفاتها، لا تزال اكتشافاتها عن الحفريات الثديية وعملها في علم آثار الحيوانات ذات هيبة وإجلال.

لم يكن الأمر سهلًا دائمًا بالنسبة لدوروثيا، كما كان الحال بالنسبة للعديد من النساء المكرسات للعلوم في وقت كان فيه الحقل ذكوريًا، كما لم يكن مسموحًا للمرأة أن تصبح عضوًا رسميًا في الطاقم العلمي حتى عام 1928، إلى أن أصبحت واحدة من أولى العالمات العاملات في المتحف، وتركت عقود اكتشافاتها في البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأدنى إرثًا علميًا كبيرًا لا يزال ذا وقع كبير حتى اليوم.

مدخل

نشأت عائلة الفيل (Family: Elephantidae) في إفريقيا في أواخر العصر الميوسيني، قبل 7 ملايين سنة على الأقل.

امتد نطاق الجنس (genus) الأكثر بدائية (Stegotetrabelodon) (Subfamily: Stegotetrabelodontinae) إلى جنوب إيطاليا، والتي ربما كانت متصلة بإفريقيا في ذلك الوقت، لكن انتشار الأفيال على نطاق واسع في أوروبا وآسيا بدأ في أواخر العصر البليوسيني، في وقت ما بين 3.5 و3 مليون سنة. في ذلك الوقت تقريبًا، تظهر أقدم بقايا السلالة التي تتضمن الفيل الآسيوي الحي (Elephas) والماموث (Mammuthus) في شبه القارة الهندية وأوروبا على التوالي.

(Stegotetrabelodon)
(Stegotetrabelodon)

وعلى الرغم من أن الممر الشامي أو الممر المشرقي (Levantine corridor) -والذي يعني الممر عبر دول البحر المتوسط الشرقية والتي يُشار منها أولًا إلى لبنان وسوريا، ما يعطيها صبغة اسم شامي- مشهور بموقعه الرئيسي في التبادل الحيواني بين أوراسيا وإفريقيا، إلا أنه في الواقع فقير جدًا في مواضع البليوسين.

ومع ذلك، أدى العثور على أسنان الفيل في حطام بئر ماء في مدينة بيت لحم في ثلاثينيات القرن العشرين إلى التنقيب في أحد المواقع القليلة في جنوب بلاد الشام مؤرخة مؤقتًا الآن إلى العصر البليوسيني المتأخر/ العصر البليستوسيني المبكر.

خريطة توضح الأماكن المذكورة في النص: 1. بيت لحم، فلسطين. 2. (Kale Tepe-3 (Büyükyaglı))، تركيا. 3. (Tsotylion)، اليونان. 4. (Hadar Formation)، إثيوبيا. 5. (Siwalik Formation)، باكستان.
خريطة توضح الأماكن المذكورة في النص: 1. بيت لحم، فلسطين. 2. (Kale Tepe-3 (Büyükyaglı))، تركيا. 3. (Tsotylion)، اليونان. 4. (Hadar Formation)، إثيوبيا. 5. (Siwalik Formation)، باكستان.

وتم تحديد بقايا الفيل من بيت لحم لأول مرة من قِبل دوروثيا بيت. حيثُ نشرت قائمة حيوانية للموقع، وتحديد بقايا الفيل باسم Elephas sp. و.Stegodon sp.

الهيكل العظمي لـ(Stegodon) في متحف مقاطعة جانسو، الصين.
الهيكل العظمي لـ(Stegodon) في متحف مقاطعة جانسو، الصين.

البداية

كانت البداية عندما عثر مالك حديقة في بيت لحم على عظام عندما كان يحفر بئرًا للمياه على أعلى قمة في بيت لحم، 790 مترًا فوق سطح البحر، وسلم هذه البقايا للهيئة الفلسطينية آنذاك، والتي انتدبت فيما بعد العالمة الجيولوجية دوروثيا بيت لفحص المكان وتلك العينات في الثلاثينيات من القرن العشرين في بيت لحم، حيث قامت بالتنقيب على خلفية الاضطرابات السياسية المتنامية والتهديد الوشيك بالحرب.

التنقيب في بيت لحم.
التنقيب في بيت لحم.

ثم تحول اهتمام دوروثيا إلى بيت لحم في عام 1934، عندما طلبت منها دائرة الآثار الفلسطينية فحص مجموعة من شظايا العظام الأحفورية، وقد حددت هذه الاكتشافات على أنها من فصيلة الفيل المنقرض، وهي أول ما يتم اكتشافه في فلسطين.

وصفت دوروثيا النتيجة الأولى في الموقع، ولكن الأرض كانت في حيازة حصرية من قبل عالم الآثار البريطاني جيمس ستاركي. للاحتفاظ بحصتها في البحث، كان عليها أن تتعاون.فنقبتْ جنبًا إلى جنب مع زميلتها العالمة إلينور غاردنر، مع قيادة ستاركي للعملية.

وجرت العديد من مواسم التنقيب في الموقع، في أعوام 1935-1937 من قبل إلينور وايت غاردنر وبيت (Bate, 1934; Gardner and Bate, 1937; Bate, 1941). وامتدت الحفريات إلى عمق حوالي 11 مترًا تحت سطح الأرض، ولكن بعد الموسم الأخير رُدِمت حفرة التنقيب، وهي الآن في وسط مدينة بيت لحم.

تم قطع أعمالهم في بيت لحم عندما أُطلِق النار على ستاركي وقُتِل في عام 1938 في طريقه إلى افتتاح متحف الآثار الفلسطينية. وبعد هذا رفض المتحف منح دوروثيا الإذن بالسفر لأن المنطقة كانت غير مستقرة إلى حدٍ ما، وكانت الحرب العالمية الثانية تختمر.وشُحِنت العينات الحيوانية وحجر الصوان وبعض عينات الرواسب إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن حيثُ بقيت محفوظة.

يقع الموقع ضمن طبقة الطباشير من العصر السينوني (Senonian Chalk)، في أعلى نقطة من المدينة، 790 م. وعُثِر على عظام الفيل في رواسب الحصى (conglomerate) مع شوائب الحجر الجيري (جاردنر وبيت، 1937) مع احتواء حفرة التنقيب على آثار مياه. هذه العوامل هي ما ساهمت في النظر إلى موقع بيت لحم على أنه نتاج ترسيب نظام نهري (fluvial system)، ويُقدر عمره بما يزيد عن 1.8 مليون سنة، كما أرجعت بعض الدراسات عمر  موقع بيت لحم إلى 2.3 مليون سنة على أساس حفرية (Hipparion) الحصان ثلاثي الأصابع.

(Hipparion)، الحصان ثلاثي الأصابع.
(Hipparion)، الحصان ثلاثي الأصابع.

واليوم، لا تزال المنطقة غير مستقرة، والموقع الأصلي مبني، ولا يزال العمل الذي اضطلعت به دوروثيا في الثلاثينيات هو البصيرة الوحيدة للحياة في منطقة بيت لحم منذ 2.5 مليون سنة.

أفيال بيت لحم

اقتُرِحت سيناريوهات مختلفة جدًا لشرح تكوين طبقة العظام، أو الطبقة الحاملة للعظام والحفريات في بيت لحم. حيثُ تتأرجح في افتراضاتها ما بين كونها رواسب مائية (water-lain deposit)، أو كونها ناتجة عن انهيار كهف مُخلِفًا مصيدة طبيعية للحيوانات، يضاف إلى ذلك أنه يمكن النظر في إمكانية إدخال البشر أو الحيوانات آكلة اللحوم وإشراكها في عملية تراكم البقايا أو العبث بها.

ينبغي نظريًا أن يتم مراعاة السمات البارزة للتراكم والتجمع، بما في ذلك كسر العظام واكتمال الهيكل المتبقي، وأي تعديلات على السطح، في سلسلة الأحداث التي تؤدي إلى تكوين الموقع.

ومع الشرط القوي للمعرفة المحدودة بالسياق الجيولوجي للموقع، اقتُرِحَت ثلاثة سيناريوهات بديلة ومعقولة:

فخ طبيعي: حيوانات سقطت بأكملها في فخ طبيعي كحفرة أو منطقة منهارة، مما قد يؤدي إلى تكسّر العظام، وذلك حسب مسافة السقوط وطبيعة الطبقة التي سقطت العظام فوقها.

تراكم نهري (fluvial accumulation):نُقِلت هياكل مكتملة جزئيًا أو عظام منفردة بواسطة نهر، وتبعًا لسرعة الماء ونوع الرواسب تتحدد نتيجة نقل الأحافير عبر هذه المسافات، حيثُ تتراكم الهياكل الأقل اكتمالًا أو العظام المنفردة، وتضيع عناصر صغيرة. تتضرر العظام وتتعرض أجزاء منها للاستدارة نتيجة دحرجتها مع الرواسب نتيجة النقل المائي.

كهف منهار: وهنا تم ترسيب العظام من قبل (على سبيل المثال بواسطة واحدة من العمليات المذكورة في الأعلى) في جسم رسوبي مجاور، وتم إعادة هيكلة وتكوين هذه الرسوبيات، بما في ذلك العظام (عن طريق الانهيار) وتحولها إلى حفرة الكارستية (ظاهرة تحدث في المناطق الجيرية الرطبة، وهي بنية ناتجة عن التآكل الكيميائي بفعل المياه المعدنية للصخور الكربونية، وخاصة التكوينات الجيرية). يعتمد اكتمال الهياكل ودرجة تكسيرها على تاريخ الترسيب قبل الانهيار، وعلى طريقة الانهيار نفسه (على سبيل المثال: بطيء أو مفاجئ).

حديثًا

في العقد الماضي، كانت هناك عودة اهتمام في مجموعات دوروثيا مع بعض البحوث الجديدة الرائعة.

في عام 2012، أعاد العلماء في متحف التاريخ الطبيعي النظر في قزم دوروثيا (الفيل القزم)، واكتشفوا أنه في الواقع أصغر ماموث معروف في العالم، لم يكن ليبلغ ارتفاعه أكثر من متر واحد.

تضمنت مجموعة بيت لحم الرائعة أيضًا الأفيال، ولكن في مدى كبير جدًا، كما تشير الأبحاث المنشورة في العام الماضي إلى أن هذه الأفيال أكثر قدمًا من ذي قبل، وأنها تمثل في الواقع أكثر الأفيال بدائية حتى الآن من الأفيال المعروفة خارج إفريقيا.

 

وفي عُجالة، تعتبر حفريات بيت لحم ذات أهمية بالنسبة لتطور وانتشار الأفيال البدائية خارج إفريقيا، حتى لو بقيت العديد من الأسئلة.

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي