من المحبط أن ما لا نعرفه عن الطاقة المظلمة أكثر بكثير مما نعرفه، نحن نعرف مقدار الطاقة المظلمة الموجودة بالخارج لأننا نعرف كيف تؤثر على توسع الكون. بخلاف ذلك، هي لغزٌ كامل، لكنها لغزٌ مهم، في الواقع قد تكون اللغز الأهم!
ما الذي يجعل الطاقة المظلمة بتلك الأهمية؟
اتضح أن ما يقرب من 68٪ من الكون هو طاقة مظلمة، حيث تشكل المادة المظلمة حوالي 27٪ من الكون، أما كل شيء على الأرض وكل شيء تم رصده بكل أدواتنا وكل المادة الطبيعية التي نستطيع أن نراها تشكل أقل من 5٪ من الكون! لنفكر في الأمر، ربما لا ينبغي أن نُطلق عليها «طبيعية» بعد الآن بما أنها الجزء الأصغر من الكون.
كيف تمكنا من معرفة تلك التركيبة؟
توصل العلماء إلى التركيبة من خلال تركيب نموذج نظري لتكوين الكون بالإضافة إلى مجموعة من الملاحظات الكونية.
ما الذي نعرفه عن المادة المظلمة؟
أولاً: أنها ليست في شكل نجوم وكواكب يمكننا رصدها، وتُظهر الملاحظات أن هناك القليل جدًا من المادة المرئية في الكون لتشكل نسبة 27٪.
ثانيًا: أنها ليست في شكل سحابة داكنة من (المادة العادية – normal matter)، وهي مادة تتكون من جسيمات تدعى (الباريونات – baryons)، نحن نعرف أنها ليست كذلك لأننا كنا سنتمكن من اكتشاف الغيوم الباريونية عن طريق امتصاصها للإشعاع الذي يمر عبرها.
ثالثًا: المادة المظلمة ليست المادة المضادة، لأننا لا نرى أشعة غاما الفريدة التي تنتج عندما تقضي المادة المضادة على المادة.
وأخيرًا: يمكننا استبعاد ثقوب سوداء كبيرة الحجم التي تصل إلى حجم مجرة على أساس عدد عدسات الجاذبية التي نراها (وهي عبارة تركيزات عالية من المادة ينحني الضوء الذي يمر بالقرب منها بعيدًا عن الأجسام)، لكننا لا نرى ما يكفي من أحداث العدسات لنقترح أن هذه الأجسام تعوض نسبة المادة المظلمة المطلوبة بنسبة 25٪.
ما الذي يمنعنا من اكتشاف المزيد عن الطاقة المظلمة؟
بعد مرور أكثر من مائة عام على نشر النظرية الأولى، لم يكتشف الفيزيائيون بعد دليلًا دامغًا على تركيب المادة المظلمة على الرغم من التجارب العديدة التي بحثت عنها، معظم الفيزيائيين متأكدون من وجودها هناك لكن طبيعتها المراوغة أصبحت محبطة بشكل متزايد.
لقد ساعدت التكنولوجيا المتطورة بسرعة على تحسين الأبحاث بشكل كبير، حيث أخذت الاحتمالات تتقلص بشكل متواصل وهذا بالطبع مفيد للغاية، ولكن يعتقد أحد الباحثين أن هذا التركيز المفرط قد يعمل ضد بحثنا عن هذه الجزيئات المراوغة، تعتقد (أنيكا بيتر -Annika Peter) من جامعة أوهايو أن العمل الجماعي بين معسكرين مختلفين سيكون المفتاح لحل لغز المادة المظلمة في المستقبل.
انعدام الاتصال
هناك طريقتان يستخدمهما الفيزيائيون في اكتشاف المادة المظلمة، وهما يختلفان اختلافًا كبيرًا. تركز فيزياء الجسيمات على العالم الصغير النطاق، أي الخواص دون الذرية للمادة، في حين يركز علم الفلك على المناطق الكونية البعيدة واسعة النطاق التي يمكننا أن نرصدها باستخدام التلسكوبات وأجهزة كشف الإشارات، وبطبيعة الحال يستخدمون أساليب مختلفة.
يقول بيتر، وهو أستاذ مساعد في الفيزياء والفلك:
«إن اللغة والأدوات التي نستخدمها (الفيزيائيين والفلكيين) تميل إلى أن تكون مختلفة تمامًا، يهتم فيزيائيو الجسيمات كثيرًا بتعريف الخصائص الميكروفيزيائية للمادة المظلمة، مثل خصائص الجسيمات في المادة المظلمة، بينما يركز علماء الفلك على الخواص العينية للمادة المظلمة، مثل كيف يتم توزيعها في الكون وكيف يمكننا أن نقول أنها موجودة».
ان الأخذ بنهجين ليس عيبًا بطبيعته، ولكن بالنظر إلى أن الباحثين لم يكتشفوا أدلة مؤكدة على المادة المظلمة فإن بيتر وزميلها (ماثيو باكلي – Matthew Buckley) الفيزيائي النظري في جامعة روتجرز، يعتقدان أن توحيد مجالات الدراسة هذه قد يساعد في توجيه الباحثين نحو اكتشاف طبيعة المادة المظلمة.
يقول باكلي:
«إذا لم تكن على علم بأنّ المادة المظلمة يمكن أن يكون لها تفاعلات مثيرة للاهتمام، فإننا لسنا على علم بطبيعة تلك التفاعلات بعد، فعندئذ بصفتك عالم فلك لن تذهب للبحث عنها، وإذا لم تكن على دراية بأهمية الدراسات الاستقصائية الفلكية الجديدة لتشكيل المجرات، فعندئذ كفيزيائي للجسيمات، لن تقضي وقتًا في التفكير فيما يمكن أن تخبرك عن المادة المظلمة».
سيكون من الغطرسة أن نفترض أننا سنكون قادرين تلقائيًا على اكتشاف المادة المظلمة في المختبر لمجرد أننا نبحث عنها. ربما تكون المادة المظلمة تتفاعل فقط مع نفسها بغض النظر عن تأثيرات الجاذبية، أو ربما يكون هناك «نموذج موحد للمعايير المظلمة» بالكامل مماثل للنموذج القياسي للعلماء الطبيعيين الذي يستخدمه العلماء لوصف الكون. هذا هو المكان الذي يأتي فيه علم الفلك للتركيز على خصائصه على أساس تفاعلات الجاذبية مع المادة التي يمكننا رؤيتها.
التجارب التي تُجرى حاليًا لاكتشاف المادة المظلمة
هناك العديد من التجارب التي تبحث حاليًا عن المادة المظلمة، تستخدم تجارب مثل (SuperCDMS) و(Xenon1T) طرق الكشف المباشر على أمل الحصول على جزيئة المادة المظلمة لتصطدم بالمواد في أجهزة الكشف وتنتج تفاعلًا يمكن للباحثين قياسه.
إن مختبرات مثل (SNOLAB)، حيث تجرى تجربة (SuperCDMS) يتم بناؤها في باطن الأرض، وفي كثير من الأحيان في المناجم الشاغرة للمساعدة في حجب بعض الأشعة الكونية ذات الطاقة العالية التي تغمرها أجهزة الكشف، على الرغم من أن هذا لا يمنع جميع الجسيمات الواردة ولكن في أي مكان به الكثير من الضوضاء الكونية كل شيء يساعد.
تجربة SuperCDMS
تهدف تجربة (SuperCDMS) إلى قياس طاقة الارتداد المنقولة إلى النواة الناتجة عن الاصطدامات مع الجسيمات الضخمة ذات التفاعل الضعيف (WIMPs) وذلك من خلال استخدام أجهزة الكشف التي تكون حساسة للغاية للتأين والإشارات الصوتية التي تنتج عن الاصطدام بالنواة. أجهزة الكشف، والمعروفة باسم(iZIP)، تتميز بأغشية رقيقة فائقة التوصيل تُرسب على بلورات (الجرمانيوم – Ge) لقياس المعلومات بدقة حول التصادمات، ويتم إجراء تجربة SuperCDMS في مختبر (Soudan Underground) في مينيسوتا.
الجسيمات الضخمة ذات التفاعل الضعيف (WIMPs)
تبحث معظم تجارب المادة المظلمة عن نوع من الجسيمات الافتراضية تسمى (الجسيمات الضخمة ذات التفاعل الضعيف – WIMPs)، يعني «التفاعل الضعيف» أن تلك الجسيمات بالكاد «تتحد» مع المادة العادية ولا تصطدم في كثير من الأحيان بمواد أخرى، كما أنها لا تصدر ضوء، وتلك الخصائص يمكن أن تفسر سبب عدم تمكن الباحثين من اكتشافها حتى الآن.
إذا تم إنشاؤها في بداية الكون، فستكون ثقيلة (ضخمة) وبطيئة الحركة بما يكفي لتتكتل جاذبيًا وتشكل بنيات ملحوظة في عالم اليوم. ويتنبأ العلماء بأن المادة المظلمة مصنوعة من الجسيمات، لكن هذا الافتراض مبني على ما يعرفونه عن طبيعة المادة العادية التي لا تشكل سوى 4٪ من الكون.
تجربة (XENON1T)
(XENON1T) هي أكبر تجربة في العالم لعمليات البحث المباشر عن المادة المظلمة في شكل الجسيمات الضخمة ذات التفاعل الضعيف (WIMPs). في يوم الاثنين 28 مايو، قدم التعاون أحدث النتائج في مختبرات (CERN) وفي المختبر المضيف في إيطاليا، وتعتمد النتائج على 1300 كغم من إجمالي (الزينون – Xenon) النشط البالغ 2000 كيلوغرام و279 يومًا من البيانات، مما يجعله أول بحث في الجسيمات الضخمة ذات التفاعل الضعيف مع التعرض لهدف سائل يبلغ 1.0 طن في السنة، يتمتع (XENON1T) بحساسية محسنة تصل إلى أربعة مرات تقريبًا مقارنةً مع (XENON10)، وهو أول جهاز كشف من مشروع (XENON)، والذي تم استضافته في معهد (LNGS) في إيطاليا منذ عام 2005.
تتطلب المناهج الفلكية طريقة أوسع للملاحظة، ستوفر المقاريب مثل تلسكوب (LSST) قدرة محسنة على رسم خريطة للكون مما يعطي الباحثين عددًا كبيرًا من البيانات حول عدة مليارات مجرة من خلال قدرته على دراسة كتل هذه المجرات، وتأثيرها التثاقلي على البيئة المحيطة، يأمل الباحثون في تضييق فكرتهم حول المادة المظلمة ومعرفة المزيد عن طبيعتها.
ماذا بعد؟
يأمل علماء الفلك وعلماء الفيزياء على حد سواء في أن يتمكن عصر جديد من التكنولوجيا من مساعدتهم على فهم لغز المادة المظلمة، سيعتمد علماء الفلك على علماء فيزياء الجسيمات لتقديم نظرة ثاقبة حول كيفية تأثير التركيب الذري لجسيمات المادة المظلمة المحتملة مثل (الجسيمات الضخمة ذات التفاعل الضعيف – WIMPs) أو غيرها من الجسيمات المفترضة على بيئاتها وتؤثر على الرصدات الجاذبة، سيعمل علماء فيزياء الجسيمات على تحسين طرق الكشف لديهم على أمل العثور على جسيم مظلم.
إعداد: محمد طه
مراجعة: آية غانم
تدقيق: Wael Yassir
المصادر:
SuperCDMS – Home [Internet]. [cited 2018 Oct 29]. Available from: http://cdms.berkeley.edu/