الكروماتوجرافي بشكلٍ عام هو أحد طُرُق الفصْل شائعة الاستخدام في العديد من التطبيقات، حيث يُستخدم لفصْل المواد المُكوِّنة لعينةٍ ما،بعضها عن بعض.
يوجد الكثير من طُرُق الفصْل في الكروماتوجرافي،وهي تختلف حسب العينة المُراد فصْل مُكوِّناتها والتطبيق المُراد استخدام الكروماتوجرافي فيه.
وكروماتوجرافيا الغاز هي أحد أشهر وأكفأ أنواع الكروماتوجرافي المستخدمة حاليًا.
ما هي كروماتوجرافيا الغاز؟
تكلمنا سابقًا بشكلٍ عام عن ماهية الكروماتوجرافي، وكيفية عمله، وجاء الدور اليوم لكي نتحدث عن أحد أنواعه وكيفية استخدامه. حديثنا اليوم سيكون عن كروماتوجرافيا الغاز التي يتم استخدامها في العديد من التطبيقات الهامة التي سنذكر بعضًا منها لاحقًا.
جاءت تسمية هذا النوع من الكروماتوجرافي بالغازي لِكوْن الوسَط المتحرك الذي يعمل على نقل مواد العينة غازيًا، لذا فهناك غازٌ يعمل على تحريك مواد العينة خلال أنبوب، ويتم فصْل كل مُكوِّن من مكونات العينة أثناء حركتها في الغاز.
كيفية عملها:
كما ذكرنا من قبل، فإنه بشكل عام يكون لدينا وَسَطان في الكروماتوجرافي: الأول هو الوسط المتحرك الذي يعمل على نقل مُكونات العينة معه أثناء حركته، والثاني هو الوسط الثابت الذي لا يتغير مكانه مع الوقت ويعمل في الغالب على تثبيط حركة مكونات العينة.
في كروماتوجرافيا الغاز وكما يظهر من اسمها يكون الوسط المتحرك هو الغاز، كما تَكون العينة أيضًا على شكل غاز،أو يتم تحويلها إلى غاز لكي يستطيع الجهاز التعامل معها. أما الوسط الثابت فيكون سائلًا أو صلبًا.
في بداية الأمر يتم حَقْن العينة المطلوبة داخل الجهاز، ويتم تسخينها لكي تتحول إلى غاز ليستطيع الجهاز التعامل معها. بعد ذلك يقوم الجهاز بضخّ غاز خامل (يُستخدم غاز خامل حتى لا يتفاعل مع مكونات العينة) لكي يقوم بتحريك مكونات العينة من مكانها خلال العمود (أنبوب طويل ذو قُطْر صغير) حتى تصل إلى المكشاف الذي يتعرف على المادة التي تصل إليه ويرسل البيانات إلى الحاسب الآلي.
وفي نهاية الأمر.. يُخرج لنا الحاسب الآلي البيانات على شكل رسم بياني، نقوم بتحليله لمعرفة المواد التي تُكوِّن العينة.
هذه الصورة أعلاه توضّح شكلًا مُبسّطًا للجهاز:
فعلى اليسار يوجد أنبوب الغازالذي يضخ الغاز في الأنبوب لكي يقوم بعمله كوسط متحرك.بعد ذلك يظهر الحاقن الذي توضع بداخله العينة ليتم حقنها داخل الجهاز لتصل إلى الأنبوب الحلزوني الواضح في الصورة. يكون هذا الأنبوب داخل فرن يعمل على تسخين الغازات لكي لا تتكثف مرة أخرى، وفي نهاية هذا الفرن يخرج جزءٌ من الأنبوب إلى الكاشف الذي يَستدل على المواد التي تصل اليه.
مكونات الجهاز وكيفية عمل كل جزء:
إدخال العينة:
في البداية يتم وضع العينة في المكان المخصص لها، ثمّ تُسخّن، فتبدأ مكوناتها بالتطاير لتكون غازًا. بعد ذلك يتم إدخال العينةإلى المجرى الذي به الغاز الناقل ليتم نقلها عبر الجهاز. ويُمكن تجاوز مرحلة تسخين العينة إذا كانت مكوناتها سريعة التكسُّر في درجات الحرارة العالية، فعندئذٍ تُحقن في مجرى الغاز الناقل مباشرة.
الغاز الناقل:
يأتي الغازالذي يقوم بدور الوسط المتحرك معبّأً في اسطوانات، ويتم وصْل هذه الاسطوانات بالجهاز لحقْن الغاز إلى داخل الجهاز. ويُمرَّر هذا الغاز على فلاتر ليتم تنقيته والتأكد من نقائه تمامًا وعدم وجود أي شوائب يمكنها التفاعل مع مواد العينة بصورة أو بأخرى.
ويختلف ضغط الغاز المطلوب حسب العينة التي يتم تحليلها، ونوع التطبيق الذي نستخدم فيه الكروماتوجرافي. لذا يتم التحكم في ضغط الغاز دائمًا وتغييره حسب الاحتياج. كما يختلف أيضا نوع الغاز المستخدم تبعًا لنوع العينة المراد تحليلها، حيث يمكن استخدام الهيدروجين أو النيتروجين أو الهيليوم. ويُشترط ألّا يكون الغاز قادرًا على التفاعل مع مواد العينة لكي لا يغير من خصائصها.
العمود:
الآن نأتي إلى طريقة الفصْل، وفيها نفصل المادة الى المكوّنات الاساسية والفرعية المكوّنة لها. وفكرتها بسيطة تمامًا، فكما ذكرنا في مقال سابق تكون الفكرة الأساسية في عملية الفصل هي اختلاف قدرة كل مادة من مواد العينة على التفاعل مع الوسط الثابت(Stationary phase)، حيث تختلف فترة الارتباط بين المادة والوسط الثابت حسب خصائص المادة. هنا يأتي دور العمود الذي يحتوي على الوسط الثابت،حيث يكون الوسط الثابت هنا إمّا سائلًا أو صلبًا. كما يختلف نوع العمود المستخدم على حسب التطبيق أيضًا، حيث تختلف المواد التي تُكوّن العمود من الداخل،كما يختلف طول وقُطر العمود،فيُمكن استخدام عمود عبارة عن أنبوبة شعرية طويلة أو يكون العمود ذا قُطرٍ أكبر ويحتوي على بعض المواد بالداخل.
الفرن الكهربائي:
الآن يجب أن نتسائل عن دور الفرن، الذي يُمثّل أحد أهم الأجزاء في الجهاز.
يقوم الفرن بالتحكم في درجة حرارة العمود حتى لا تتحوّل مواد العينة إلى سائل مرة أخرى داخل العمود. أيضًا يتم استخدام الفرن في حالة اختلاف درجة الغليان بين كل مادة من مواد العينة،حيث يتم رفع درجة حرارة الفرن تدريجيًا بطريقة ملائمة للعينة المستخدمة.
المكشاف:
والآن بعد أن وصلت العينة التي تم حقنها إلى نهاية الطريق، كيف سنتعرّف عليها أو على كميتها؟أو كيف سنعرف أن هناك مُركّبًا ما قد وصل إلى نهاية العمود؟
في الحقيقة يوجد العديد من الطرق التي يتم استخدامها للكشف عن مواد العينة. يُسمَّى الجهاز الذي يقوم بالكشف عن وصول مادة ما إلى نهاية المطاف بالمكشاف، ويوجد منه العديد من الأنواعالتي لكلٍّ منها طريقة عملٍ مختلفة عن الأخرى. حيث يختلف المكشاف المستخدم حسب التطبيق، ونوع المعلومات التي نريدها،وما إذا كنا نريد القيام بتحليل كمي أو كيفي. يعتمد كل نوع على بعض الخصائص الكيميائية والفيزيائية للمواد، حيث يقوم بالكشف عن المادة عندما تظهر الخاصية المميِّزة لها، ثم يقوم بتكبير الإشارة وتحويلها إلى إشارة كهربائية يتم إرسالها إلى الحاسب الآلي.
ومن أنواع المكشاف:
Flame Ionization (FID)
Electron Capture (ECD)
Flame Photometric (FPD)
Nitrogen Phosphorous (NPD)
Thermal Conductivity (TCD)
Mass Spectrometer (MS)
تسجيل البيانات:
عند الكشف عن وجود مُركّب ما يتم إرسال الإشارة من المكشاف إلى جهاز الحاسب الالي الذي يقوم بدوره بترجمة المعلومات التي تصل إليه إلى رسم بياني يسمَّى بـ (الكروماتوجرام-(chromatogram الذي نستطيع تحليله ومعرفة نوع المُركّبات منه بسهولة.
تاريخ كروماتوجرافيا الغاز:
أول من بدأ باستخدام الغاز كوسط متحرك في الكروماتوجرافي هما العالِمان مارتنArcher J.Martin))وسينج(RichardL. M. Synge) في عام 1941 م ، حيث بدأ العالمان بالتنبّه إلى أن (الوسط المتحرك(mobile phase- لا يجب أن يكون سائلًا دائمًا، وإنما يُمكِن أن يكون غازًا أيضًا. هذان العالِمان كانا أول من استخدم كروماتوجرافيا الغاز كتقنية للتحليل. حيث تم تمريرغاز على عينة متطايرة، وبعد ذلك تمريرُه في عمود به (جِل) يحتوي على سائل غير متطاير. وقد وُجد أن طريقة الفصل هذه أسرع في الوقت وأكثر كفاءةً من طُرُق الفصل المعروفة في ذلك الوقت.
في البداية لم يكن هناك اهتمامٌ كبير بهذه الطريقة، ولكن قام العالم مارتن بالعمل أكثر على هذه الطريقة مع مُساعده وقام بتطوير أول جهاز يعمل بهذه الطريقة.
استخدامات كروماتوجرافيا الغاز:
يدخل هذا النوع من الكروماتوجرافي في العديد من التطبيقات التي سوف نذكر منها القليل هنا:
أولًا يتم استخدامه بالتأكيد لخدمة العلم، حيث يستخدمه الباحثون لتحليل المواد والتعرف على مُكوناتها، لقدرته الكبيرة على التعرف على المواد ودقة النتائج التي يعطيها الجهاز. أيضًا يمكِن استخدام كروماتوجرافيا الغاز في مجال الأدوية لتحليل الأدوية و المواد التي تتبقى من مُخلّفات صناعة الدواء والتأكد من جودة الدواء المُنتَج. كما يُستخدم في مجال الغذاء لتحليل الأطعمة،ويُستخدم في صناعة البتروكيماويات، وفي مختلف الصناعات الكيميائية، وفي التطبيقات البيئية لتحديد مستوى التلوث في البيئة.
————————————————————————–
المصادر/http://sc.egyres.com/XOKEU
إعداد/ Mohamed Taweela
مراجعة علمية /Esraa Adel
مراجعة لغوية/ عمر المختار