محمد بن أمية أو فرناندو دي لا فالور

محمد ابن أمية أو فرناندو دي لا فالور

 بعد نهاية الحكم العربي في الأندلس، شهدت البلاد تغيّراتٍ وأحداثًا متباينةً وعنيفةً بين السلطة الجديدة المتمثلة في الإسبان الكاثوليك والعنصرِ المحكوم الذي مازال ولاءه للحكم القديم، ورغم المحاولات الحثيثة من قِبل الإسبان لتغيير وتبديل هذا الولاء إلا أن هذه المحاولات نتج عنها صراعٌ عسكريٌّ شديدٌ بين الطرفين وظهر في خضمّ هذا الصراع شخصيةٌ محوريةٌ عُرفت باسم فرناندو دي لا فالور أو محمد بن أمية، في السطور التالية نتعرف على تلك الشخصية التي تعتبر آخر من تبقّى من سلالة الأمويين في الأندلس.

نشأة محمد بن أمية

   محمد بن أمية هو سليل الأسرة الأموية التي حكمت الأندلس لفترةٍ طويلةٍ من عاصمتهم قرطبة، ولكن محمد لم يولد بهذا الاسم، بل ولد محمد لعائلةٍ موريسكية كانت تقطن غرناطة عندما تحوّل الحكم السياسيّ في الأندلس من العربيّ إلى الإسبانيّ، وكان اسمه فرناندو دي لا فالور، كان جده قد تحوّل من الإسلام إلى النصرانية تحت وطأة الإسبان بالقوّة عندما تحوّلت الأسرة جميعها من الإسلام إلى النصرانيّة بعد سقوط غرناطة عام 1462م، وكان يلقب بـ «فرناندو القرطبي» نظرًا لأصوله القرطبيّة كاسمٍ مستعار، وكان فرناندو أكبر إخوته الذكور لويس (عبد الله) وفرانسيسكو (أحمد)، وكان ميلاده عام 1520م.

 شهدت نشأة فرناندو دي لا فالور ومراهقته كثيرًا من الرفاهية بسبب الاستقرار المالي الذي كانت تحوزه عائلته الكبيرة، فقد كان عمه (فرناندو الزغل) رجلًا عظيمَ السلطةِ في أمور المُلك والقانون والقضاء، وكان له دورٌ كبيرٌ في اختيار فرناندو دي لا فالور ضمن فرسان مدينة غرناطة المقدر عددهم بـ 24 فارسًا ولم يكن قد تجاوز 20 عامًا بعد، وبعدها ب 4 أعوامٍ أعلن فرناندو تخليه عن النصرانيّة وعودته لدين أجداده المسلمين تحت اسم محمد بن أمية أو كما عُرف الاسم في الإسبانيّة (Aben Humeya)، ولا عجب في ذلك؛ فقد كان الرجل ينتسب إلى سلالةٍ مسلمةٍ ورث عنها الكثير من التقاليد والثروات حتى وإن لم ينجح في إدارة هذه الثروات فيما بعد.

محمد بن أمية أو فرناندو دي لا فالور
صورة لمحمد بن أمية رسمها          أحد الفنانين الإسبان

محمد بن أمية بعد التغيير

 تدرّج محمد بن أمية في القوة السياسية والعسكرية حتى عُيّن عضوًا في مجلس مدينة غرناطة ومنصب مستشاري مدينة غرناطة وظلّ على تلك القوة حتى حدث ما غيّر الأمور جذريًّا عندما انتقم محمد من مقتل والده أنطونيو دي لا فالور، فقام بقتل الجاني عام 1568م وعندئذ وجد فيه الموريسكيّون (وهو اللفظ الذي أُطلق على العرب المتَنصّرين بعد انتهاء الحكم العربي في الأندلس) رجلًا له من القدرة والقوة ما أن يجعله أميرًا عليهم وهو ماحدث في نفس العام، وبسبب ما قام به محمد من عملية الانتقام لوالده حُكم عليه بتهمة حيازة خنجرٍ والدخول به لأحد اجتماعات مجلس غرناطة، فعُوقب بالإقامة الجبرية في أحد المنازل حتى استطاع الفرار منها في 23 ديسمبر 1568م وهرب إلى منطقة البشرات (إحدى المناطق التابعة لمدينة غرناطة) في نفس الأثناء التي اندلعت فيها ثورة الموريسكيين ضد الحكم الإسبانيّ وكانت أسبابها تتجلى في أهم نقاطها وهي حنث الملك الإسبانيّ فيليب الثاني بكل المعاهدات وبنود الاتفاق بين الإسبان والمسلمين عند تسليم المدن من عدم إجبار أهلها على تغيير دينهم أو تقاليد حياتهم، فقام الإسبان بإجبارهم على التخلى عن أسمائهم العربية وأزيائهم الإسلامية وعدم الحديث باللغة العربية بل والتخلي عن أطفالهم ليتم تربيتهم على يد كهنةٍ مسيحيين، وقد أدّى هذا الاضطهاد إلى فوران العرب المتَنصّرين فأعلنوا الثورة والتمرد ضدّ الحاكم وتخلوا عن الديانة المسيحية التي أُجبروا على اعتناقها.

محمد بن أمية أو فرناندو دي لا فالور
الامبراطور الإسباني فيليب الثاني
المصدر: https://www.britannica.com/biography/Philip-II-king-of-Spain-and-Portugal

محمد بن أمية ومسار الثورة

محمد بن أمية أو فرناندو دي لا فالور
فرج بن فرج
المصدر: https://es.wikipedia.org/wiki/Farax_Aben_Farax

  خلال استقرار محمد بن أمية في البشرات علِم بأمر الثورة الموريسكيّة التي اندلعت تحديدًا من منطقة ليكرين القريبة على يد الموريسكيين الفارّين إلى جبال البشرات، ورغم ذلك لم يكن هناك سببًا يثنيه عن الانتقال إلى منطقة بزنار (Beznar) حتى وصل إليها واستقر في منزل أحد أقرباء عائلته في منزلٍ صغيرٍ وظلّ على حاله حتى أعلنه الموريسكيون أميرًا عليهم، متجاهلين أحدِ أبزرِ وُجهاء بني نصر وهو فرج بن فرج الذي كان أكبر رجال الثورة ضدّ الإسبان وخاصّة في منطقة البيازين، واستطاع الثوار اتخاذ أفضل التدابير ضدّ القوات الملكية الإسبانيّة وطلبوا الدعم من إخوانهم في شمال إفريقيا، وعندئذ قام محمد بن أمية بدوره في مقاومة الإسبان فاتخذت حربه ضدّهم شكل حرب العصابات في منطقة البشرات، وازداد أتباع الثورة بفضل محمد بن أمية وقيادته الرشيدة، فبعدما كان عدد الثوار في بداية الحرب 4000 رجلٍ وصل عددهم إلى 25.000 رجل، في نفس الوقت الذي فيه قررت قوات الحكم الإسباني بقيادة الكونت ماركيز دي مونديخار ومساعديه مواجهة الثورة بكل قوة وعنف.

 استطاعت قوات محمد بن أمية تحقيق بعض النجاحات على قوات الإسبان حينما استطاعت السيطرة على مدينة غرناطة. ونَهَبَ الثوار الكنائس الكاثوليكية التي كانت تحت توجيه رجال الدين القتشاليين انتقامًا من موقف رجال الدين منهم ومن أطفالهم، كما نهب الثوار منازل وعقاراتِ أثرياء الأُسر الإسبانيّة، وظلت قوات ابن أمية تواجه محاولاتِ القوات الإسبانية للسيطرة على الثورة حتى حدث ما جعلهم ينجحون في ذلك وهو مقتل محمد بن أمية.

اغتيال محمد بن أمية (20 أكتوبر 1569م)

 اتُهم محمد بن أمية بأنه كان طاغيةً جشعًا في معاملة أتباعه والمقاتلين معه، ولكن في واقع الأمر لم يكن ذلك هو السبب الحقيقي أو المباشر في اغتياله، ولكن التخلص منه له ملابسات أُخرى تجسّدت في ظهور بعض الناقمين عليه أو من يحملون ضغينةً ضدّه ومن أشهرهم ابن عمه ابن عبو (Aben Aboo) ومعه أحد زعماء المسلمين المحليين دييغو ألجواسيل (Diego Alguacil) الذي كان يحمل لابن أمية كراهيةً شديدةً بسبب زواج الأخير من إحدى قريبات ألجواسيل دون رغبته، فقرر الانتقام منه بالتحالف مع أتباعه من الأتراك، وفي حقيقة الأمر كان ابن أمية لا يثق كثيرًا في أتباعه وحلفائه من الأتراك والمغاربة، ومن تلك النقطة بدأ ألجواسيل في استغلال هذه النقطة وهي الإيقاع بين الطرفين، فذهب ألجواسيل إلى الأتراك وأوهمهم بأن ابن أمية يسعى إلى التخلص منهم بعد تخديرهم، وبموجب ذلك تم الاتفاق بين ألجواسيل والأتراك على ضرورة التخلص من سليل العائلة الأموية واختيار أميرٍ لهم يهتم بشأن المسلمين ومصالحهم، وبالفعل تم تنفيذ الخطة حينما خُنِق ابن أمية حتى مات في العشرين من أكتوبر عام 1569م، وتم تعيين ابن عبو زعيمًا للموريسكيين، وتكريمًا لدوره في مقاومة الإسبان جهز الأمير الجديد جنازةً مهيبةً لابن عمه لم تشهدها غرناطة منذ زمن بعيد، ودُفن في جبال البشرات، ويُعد ضريحه من أشهر معالم المنطقة ومازالت هناك بعض المحاولات لتغيير اسم المنطقة من البشرات إلى بلدة ابن أمية.

 

شارك المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي