مراحل (1): البداية

a

|C:\Users\DELL\AppData\Local\Microsoft\Windows\INetCache\Content.Word\ptolemei.gif

يحتوي كوكبنا على أكثر من 8 ملايين شكلٍ من أشكال الحياة. أنت وأنا وأكثر من 7 مليار آخرين نُمثِّل شكلًا واحدًا فقط منهم.

7 مليار فردٍ من نوعٍ واحدٍ من أنواع الحياة. نوعٌ من ضمن أكثر من 8 ملايين آخرين على كوكبنا. نوعٌ يجمع بين أكثر من 4000 ديانة مختلفة، بوجهات نظرٍ واعتقاداتٍ مختلفة. نهضت جُلُّها من حضارة عمرها حوالي الـ10,000 عام. حضارةٌ تطوَّرت وتكوَّنت من هومو سابينس (Homo sapiens) يتجاوز عمرهم المئتي ألف عامٍ، متطورين من جينٍ عمره 6 مليون عام.

جينٌ تَبرعَمَ تحت مِظلة نظامٍ بيئي عمره تجاوز الـمئة مليون عامٍ، على كوكبٍ عُمرهُ 4.5 مليار عام، يدور حول محوره بزاويةٍ قدرها 23.4 درجة مئوية، وسرعة دوران محوري تبلغ 1670 كم\س، بينما يدور حول نجمٍ في منتصف حياته ويبلغ من العمر 4.6 مليار عام، بسرعةٍ تبلغ 30 كم\ث، في نظامٍ شمسيٍّ يدور حول مركز مجرة عمرها 13.2 مليار عام، بسرعة 250 كم\ث، تهيم في كونٍ عمره حوالي 14 مليار عام، بسرعة 300 كم\ث.
ولكن لكلِّ رحلة بداية، ولأن رحلتنا هي رحلةٌ في تاريخ كوننا وتاريخنا، فمن المنطقي أن تكون البداية هي بداية الكون، حيث سنجيب عن أسئلةٍ تُراود أذهان الكثير منا. مثل: كيف بدأ الكون؟

كي نجيب عن مثل هذا سؤال، يجب علينا أن نذهب في رحلةٍ عبر الزمان. رحلةٌ إلى الماضي، تحديدًا إلى بداية القرن العشرين، حين كان الاعتقاد السائد هو أن مجرتنا هي عبارة عن كونٍ منفردٍ ولا يوجد غيرها.

نظرتنا إلى الكون عبر التاريخ
في البداية كان يُعتَقَد بأن الأرض مسطحة حتى نشر أرسطو كتابه (On The Heavens) عام 340 قبل الميلاد. [1]وكانت حُجَّة أرسطو عن دائرية الأرض هي أن الظل الذي تُلقيه الأرض على القمر في الكسوف هو ظلٌ دائري. وأن ساري السفن هو أول ما يكون مرئيًا، ثم يأتي باقي الجسد عند اقترابها من سفينةٍ أخرى. وكان شائعًا أيضًا بأن الأرض هي مركز الكون بعدما طرح بطليموس هذه النظرية مرةً أخرى في عام 200م، وهي نظرية المركزية الكونية(Geocentricmodel) ، تلك التي فكر فيها أرسطو في البداية، ولكن أضاف إليها بطليموس أن الكون مُكوَّنٌ من 8 دوائر كبيرة مركزها الأرض، وتتكون هذه الدوائر من الشمس، والقمر، والخمسة كواكب المعروفة في هذا الوقت، وكانت الكرة الثامنة عبارة عن عباءةٍ كبيرةٍ تحمل كل النجوم المضيئة وكل ما في الكون[2]، وهي نظرة لطيفة تُذكرنا بذلك المشهد الشهير من كارتون الأطفال التسعيناتي «تيمون وبومبا».

C:\Users\DELL\AppData\Local\Microsoft\Windows\INetCache\Content.Word\ptolemei.gif ظَلَّت هذه النظرية قائمةً حتى جاء كوبرنيكوس في عام 1514م وطرح نظرية أن الأرض مجرد كوكب يدور حول نجمه مثل باقي الكواكب، ولكن نظريته لم يَعترِف بها أحدٌ لمدة قرنٍ حتى اعترف بها كيبلر وجاليليو.[3]

Geocentric Model

اكتشف جاليليو في 1609-1610م أربعة أقمارٍ تدور حول كوكب المشتري وهم (أوروبا، آيو، غانيميد وكاليستو) ويعتبر أوروبا حاليًا أحد الأهداف لفرضية وجود حياة على أماكن أخرى غير الأرض؛ لاحتوائه على محيطٍ كبير.[4]

هذا الاكتشاف كان يعني أنه لا يتوجَّب على جميع الأجسام أن تدور حول الأرض، وبالتالي لن تكون الأرض هي مركز الكون. واكتشف جاليليو نجومًا أخرى أيضًا غير الشمس، وجمَّع جاليليو اكتشافاته تلك من النجوم الأخرى مع كيبلر وقوانينه واكتشافاته، وأيضًا مع كتاب نيوتن (Philosophiae naturalis principia mathematica) الذي نشر فيه قانون الجاذبية والميكانيكا التي نستخدمها حتى يومنا هذا عام 1687م، واضعًا بذلك آخر المسامير في نعش نظرية مركزية الكون لبطليموس، ووضع أسُس المعرفة الكونية التي تبدأ بأن الأرض ما هي إلا كوكب يدور حول شمسه مثل باقي الكواكب في النظام الشمسي.[5]

لكن مازال أمامنا طريقٌ طويل في اكتشاف هويتنا، حيث أنه لم يكن هنالك أدنى علمٍ للبشرية عن مدى صِغرنا حتى تم رؤية الكثير من الأشكال التي تم تسميتها بالسُدم (جميع سديم)، والتي فتحت أعيننا على عالمٍ واسع مليءٍ باحتمالياتٍ وخبايا لم نكن نحلم بها.

هذا الاسم -السديم- كان يُطلق تقريبًا على كلِّ شيءٍ يتم ملاحظته ما عدا الكويكبات، فمثلًا مجرة أندروميدا كان يُطلق عليها سديم أندروميدا. وكان هنالك خلافٌ بين المجتمع العلمي في محاولة تفسير ماهية تلك السدم، وظل الخلاف ينمو حتى تم إقامة مناظرة في عام 1920م بين قطبين من أقطاب الفلك في هذه الفترة وهما «هارلو شيبلي» و«هيبر كرتس»، في محاولةٍ لإنهاء هذا الخلاف والوصول إلى اتفاق. وسُمِّيَت المناظرة بـ «المناظرة العظمى»؛ حيث عرض كلٌّ منهما وجهةَ نظرهِ المدعومة بالأبحاث.

كان شيبلي يؤيد نظرية أن مجرتنا هي الكون بأكمله، وأن «سديم أندروميدا» ليس إلا جزءًا من هذا الكون؛ لأنه إذا كانت مجرةً أخرى فإن ذلك معناه أنها قد تقع على بعد 100,000,000سنة ضوئية من الأرض، وهذا رقمٌ كان يرفضه معظم علماء الفلك في هذه الحِقبة من الزمن؛ لظنهم أن الكون لا يسع مثل تلك المسافة.

مجرة اندروميدا

ومن أسباب تأييد شيبلي لنظرية أن أندروميدا ليست مجرة، هو أنه في عامِ م1917 شاهد شيبلي وآخرون انفجارًا في أندروميدا، وقد كان سطوع هذا الانفجار أشد من سطوع أندروميدا بالكامل، وأنه كيف لشيءٍ داخل مجرة أن يكون سطوعه أشد من المجرة التي تُؤويه بأكملها؟

(بعد عدة سنين عرفنا أن هذا الانفجار كان عبارة عن سوبرنوفا)

(السوبرنوفا هو انفجار النجم في نهاية حياته، ويكون بريق الانفجار أحيانًا أشدّ من لمعان المجرة بأكملها)

على الجانب الآخر، كان كرتس يظن أن سديم أندروميدا والسُدم الأخرى هي بالفعل مجرات أخرى وليست مجرد أجزاء من مجرتنا، وكان دليله على ذلك هو أنه كان يوجد عددٌ أكبر من انفجارات النوفا عن تلك الموجودة في درب اللبانة.
انفجارات النوفا: (الانفجارات التي تحدث عندما يكون هنالك نجم قزم أبيض في نظام ثنائي النجوم، حيث يطرح النجم الآخر بعضًا من سطحه على سطح القزم الأبيض بسبب جاذبيته الكبيرة، ويتسبب هذا في الإخلال بالتوازن بين سطح النجم والضغط الانحلالي، مما يتسبب بهذا الانفجار على السطح).
[6]

اضغط هنا: شكل السوبرنوفا

رَأَى كرتس أنه إن كانت مجرتنا هي الكون بأكمله، فإذًا لا يجب أن يكون هنالك سديمٌ به عدد أكبر من انفجارات النوفا بشكلٍ يزيد عن باقي الكون. وأضاف أنه يوجد في أندروميدا غيومٌ ترابية مثل تلك الموجودة في مجرتنا، هذا بالإضافة إلى تأثير دوبلر الذي تم رصده والذي سنشرحه لاحقًا.

انتهت المناظرة وظلَّ الخلاف قائمًا بين الوسط العلمي، ولكن ليس لفترةٍ طويلة.

مجرات أخرى؟

تمكن أدوين هابلفي 1924-1925م من إثبات أن أندروميدا مجرة وليست سديم باستخدام «متغير سيفيد» الذي نشرت هنرييتا ليفيت طريقة استخدامه لقياس المسافة بيننا وبين النجوم والأجسام الكونية في عام 1912م.

تعتمد طريقة هنرييتا على استخدام نجوم سيفيد والتي يمكن قياس المسافة بينها وبين الأرض عن طريق قياس شدة سطوعها ودورتها.

السطوع المرئي للنجم يتوقف على شيئين: كَمّ الضوء الذي يشعه ومدى بعده عنا؛ فالنجوم القريبة مثلًا يمكن أن نقيس مدى سطوعها المرئي ومسافتها وبهذا يمكن أن نعرف كم الضوء الذي يتم إشعاعه.

والعكس، إذا تمكَّنا من معرفة كَمّ الضوء الذي يتم إشعاعه من النجوم في مجراتٍ أخرى، يُمكن أن نقيس مسافتها باستخدام سطوعهم المرئي.

دوّن هابل أن أنواعًا معينة من النجوم دائمًا ما تُصدر نفس السطوع عندما تكون قريبة بما يكفي لقياسها. ولذلك قال هابل أنه إذا تَمكَّنا من العثور على مثل هذا النوع من النجوم في مجراتٍ أخرى، فإنه يُمكن أن نفترض أن لهم نفس السطوع، وبالتالي يُمكن قياس المسافة بيننا وبين تلك المجرة.

وبالفعل وجد هابل باستخدام متغير سيفيد وبَحْث هنرييتا أن المسافة بيننا وبين أندروميدا حوالي 2 مليون سنة ضوئية، وهذا يدعم نظرية كرتس في أن أندروميدا وأمثالها من «السُدم» هي في الحقيقة مجرات أخرى.

ومع الوقت والدراسة، وجد هابل أن مجرتنا ما هي إلا جزء من كونٍ واسعٍ يحمل في طياته مليارات المجرات، وكل مجرة منهم تحمل مليارات النجوم والكواكب.

من حظنا السعيد أنه بفضل التكنولوجيا الحديثة والتلسكوبات القوية، يمكنك الآن رؤية هذا الكون الواسع الذي لم يقدر العلماء سابقًا إلا أن يحلموا بهِ فحسب.[7]

كون ثابت أم متحرك؟

كان هنالك في الفترة بين 1924م و1929م خلافًا آخر تسبب به اكتشاف هابل السابق ذكره، وهو هل الكون ثابت أم يتوسع؟

في عام 1927م اقترح كاهنٌ وفيزيائيٌّ بلجيكي يُدعى جورج لوميتر أن الكون في الحقيقة يتوسع، وكان هو أول من اقترح ذلك، ووضع ثابت التوسع الذي يُسمَّى الآن «ثابت هابل الكوني» في خطأ شائع بنسب هذا الثابت لهابل الذي نشر بحثه بعد لوميتر بعامين.[8]

وكانت هذه هي لحظة ولادة المصطلح «الانفجار الكبير» في إشارةٍ إلى بداية الكون.

من ضمن فرضيات لوميتر أنه إذا تتبعنا التوسع، فإننا سنجد أن الكون بأكمله كان في البداية في نقطة واحدة متناهية الصغر ثم تَوسَّع بسرعةٍ ضخمة.

تَرتَّب على ما سبق خلافٌ بين نظريتي: «الكون المستقر» و«الانفجار الكبير».

وكانت تنص نظرية الكون المستقر على أن الكون في حالة استقرارٍ كاملٍ في جميع الأزمان والأماكن، وهذا يعني أنه كان على تلك الحالة منذ الأبد، ولم يتم طرح النظرية رسميًا حتى عام 1948م عن طريق بحثٍ قدَّمهُ الثلاثي هويل، وبوندي، وجولد.[9]

ومن الجدير بالذكر أن أينشتاين كان قد فكر في أن الكون ثابتٌ أيضًا، مما جعله يُضيف ما سمَّاه ب «الثابت الكوني» على معادلات النسبية، في محاولةٍ منه في تعديل ما ظنَّ أنه خطأ في المعادلات، وهو أن المعادلات تنبَّأَت بأن الكون في حالة توسع وليس ثابت كما كان الظن السائد حينها في عام 1915م حين تم نشر النسبية. ولا يجب نقد أينشتاين لمحاولته تعديل المعادلة كي يصبح الكون ساكنًا. وجود الكون في حالة سكون كان مُسلَّمًا بهِ في تلك الفترة[10]

ولكن لكي نعرف إن كان الكون ثابتًا أم متحركًا علينا العودة إلى الوراء قليلًا بالزمن، بالتحديد إلى نيوتن.

على الرغم من أنه لم يكن أول من فعل هذا، لكن عندما وصف نيوتن في كتابه «Opticks» أنه عندما يمر ضوء الشمس في قطعة من الزجاج مثلثة الشكل تُسمَّى بالمنشور، ينقسم الضوء الأبيض إلى أطيافه الأساسية، وهي الألوان التي يتكوَّن منها قوس قزح، ووصف هذه الألوان «بالطيف»، واضعًا بهذا حجر الأساس لما نستخدمه في زماننا هذا لمعرفة مما تتكون النجوم والمجرات والمادة بشكلٍ عام.

نشر نيوتن كتابه «Opticks» واضعًا فيه شرحًا عن انكسار الضوء وخصائصه وعما يحدث عند مروره في منشور، ولكن كان الطيف محصورًا داخل حيز الضوء المرئي فقط.[11]

حتى جاء وليام هيرشيل عام 1800م.

كان هيرشيل يحاول معرفة درجة حرارة كل لونٍ من ألوان الطيف لمعرفة أيَّ لونٍ مسؤول عن الحرارة التي نشعر بها صباحًا، وكان يضع ثيرمومتر عند كل لون من ألوان الطيف، وآخر إضافي يُسمَّى بثرمومتر التحكم، حيث أن هذا الثيرمومتر كان في آخر الطيف بعد اللون الأحمر حيث لا يقع عليه أي ضوء، بالتالي يتمكن هيرشيل من معرفة درجة حرارة الغرفة عن طريق هذا الثيرمومتر، غير متأثرٍ بالطيف ليتمكن من قياس حرارة الألوان بدقة بغض النظر عن التغير في درجة حرارة الغرفة نفسها.

لكن ما اكتشفه هيرشيل كان أغرب من الخيال!

عندما عاد هيرشيل ليقيس درجات الحرارة ويعرف أي طيفٍ هو المسؤول عن الحرارة، وجد أن ثيرمومتر التحكم هو الأعلى في الحرارة! ولكن كيف ذلك!

كانت تلك هي اللحظة التي اكتشفت فيها البشرية الأشعة تحت الحمراء في الطيف، والتي تنقل الحرارة معها. [12]

بعدها بفترةٍ وجيزةٍ في نفس العام عندما سمع الكيميائي «يوهان فيلهلم ريتر» عن اكتشاف هيرشيل، قَرَّر أن ينظر على أشعة تبريد في الاتجاه الآخر من الطيف. لم يجد ريتر ما كان يبحث عنه. لكن مع تكرار المحاولات، وجد ريتر أن كلوريد الفضة يتحوَّل بسرعةٍ أكبر من اللون الأبيض إلى الأسود أثناء وجوده في المنطقة المظلمة في نهاية الطيف من ناحية اللون البنفسجي. وكانت هذه لحظة اكتشاف الأشعة فوق البنفسجية.[13]

ولكن كل هذه الاكتشافات ستبدو ضئيلة مقارنةً بما سيلي

اكتشف «جوزيف فون فراونهوفر» عام 1814م وجود 574 خطٍ أسود صغير في الطيف الضوئي للشمس أثناء نظره إلى الطيف الصادر عن الشمس مرورًا بمنشور وعدسة تلسكوبه، لكن فراونهوفر لم يكن يعرف ما الذي يتسبب بهذه الخطوط ولم يعرف أي شخصٍ سببها لمدة 45 عام، حتى جاء العالمان «كريشوف» و«بنسن» في عام 1859م، ولاحظا أن تلك الخطوط تتماثل مع خطوط الطيف الصادرة عن تسخين مادة كيميائية، وهي مثل بصمة الإصبع، كل مادة كيمائية تعكس خطوطًا معينةً في الطيف عند تسخينها. وبالفعل تم التأكيد على أن خطوط فراونهوفر هي مثل خطوط الانبعاث، ولكنها العكس (ففي خطوط فراونهوفر تكون الخطوط سوداء كالفراغ بين الطيف). بعد تصفية الطيف الذي تم قياسه من التلوث التلوري وهو تلوث الطيف عن طريق الامتصاص الناتج عن مرور الضوء بغازات الغلاف الجوي.[14]

وهذا هو أحد أسباب وجود التلسكوبات الحديثة مثل هابل خارج الغلاف الجوي. وإن أحد الأمثلة على هذا هو الألوان التي نراها كل يوم. فكل لونٍ نراه عبارةٌ عن خليطٍ كيميائيٍّ يمتص الطيف الشمسي ويعكس اللون الذي نراه فقط، لهذا نرى الأشياء بألوانٍ محددة.
ولهذا أيضًا نرى السماء زرقاء اللون نهارًا وتكون شفافةً ليلًا. فبالنهار يعكس الغلاف الجوي اللون الأزرق الممثل للغازات التي به، ولكن ليلًا لا يمر به ضوء الشمس فنراه شفافًا. وعند الغروب يتسبب مرور أشعة الشمس بنسبة أكبر من الغلاف الجوي امتصاص نسبةٍ أكبر من ضوء الشمس، فبالتالي نرى اللون الذي بأسفل الطيف، وهو اللون الأحمر.

ومازالت تُسمَّى تلك الخطوط بخطوط فراونهوفر حتى يومنا هذا، تكريمًا لهذا العالم الذي نهض من تحت الأنقاض حرفيًا كي ينير الطريق للبشرية.

ماذا استفدنا من خطوط فراونهوفر؟
استطعنا أن نرى الكون بشكلٍ جديد. فقد فتحت أعيُننا على إجابات أسئلةٍ مثل (مم تتكون الشمس؟) ومم تتكون المجرات وكل شيء؟ وأصبح بمقدورنا أن نجد إجابةً لتلك الأسئلة عن طريق خطوط فراونهوفر. ولكن هل هذا كل ما استطعنا معرفته منها؟

لا. مازال المستقبل القريب يخبِّئ لنا اكتشافًا أعتى من كل ما سبق باستخدام تلك الخطوط العجيبة.

ففي عشرينيات القرن الماضي وجد بعض علماء الفلك أثناء تحليلهم لطيف بعض النجوم في مجرات أخرى شيئًا عجيبًا، كان هنالك نفس الأطياف التي تم قياسها في مجرتنا. ولكن ذلك ليس الأمر العجيب، بل الأمر العجيب هو أن جميع تلك الأطياف كانت تنزاح قليلًا في اتجاه اللون الأحمر في نهاية الطيف بنفس النسبة، ولكن ما معنى هذا؟ ظلَّ هذا لغزًا محيرًا للعلماء فترةً وجيزة.

كونٌ متوسع! إذا فمتى بدأ بالتوسع؟!


عام 1929م
تَمكَّن هابل من حل لغز انزياح الطيف إلى اللون الأحمر، وكانت الإجابة تحمل في طياتها اكتشافًا سيغير مفهومنا عن الكون ونشأته للأبد.

ففي 1929م نشر إدوين هابل بحثه باسم

A Relation between distance and Radial Velocity between Extra-Galactic Nebulae[15]

ونشر هابل فيه أنه عندما قام بدمج قياساته للمسافة بيننا وبين المجرات باستخدام جدول هنرييتا لييفيت لمتغير سيفيد مع القياسات السابقة للفلكيين فيستو سليفر وميلتون هيوميسن لنفس المجرات، وجد أنه يوجد علاقة قياسية بين المسافة بيننا وبين المجرات والانزياح الأحمر الذي نراه في طيفها، وهو أنه كلما كانت المجرة أبعد، كلما كان الانزياح أكبر. ولكن ظل هنالك سؤال يطرح نفسه، وهو لماذا يوجد هذا الانزياح وبهذا الشكل تحديدًا؟

ما لم يدركه هابل هو أن لوميتر وعَالِمٌ آخر من أهم العلماء في التاريخ وهو أليكساندر فريدمان كانا قد جاوبا على هذا السؤال بالفعل. ففي عام 1922م كان فريدمان نشرمعادلات فريدمان التي تم اشتقاقها من معادلات المجال لأينشتاين، والتي وصف بها أن الكون المتوسع، وسيكون لتوسعه هذا مقدارٌ ثابت يمكن قياسه. وفي عام 1927م توصل لوميتر لنفس النتيجة، وتَمكَّن من الوصول لهذا المقدار الثابت الذي يُقدَّر حاليًا بحوالي 68كم\س لكل ميجا بارسيك. (البارسيك هو وحدة قياس مسافة فلكية ويساوي: 3.26 سنة ضوئية).[16]

الانزياح الأحمر؟ سأشرح لك.

عندما يُصدر جسمٌ ما موجاتٍ وهو في حالة ثبات، ستكون المسافة بين كل موجة والتي بعدها ثابتةً، وهي التردد. فلنقل أن التردد (عدد الموجات في الثانية) هو واحد هيرتز (هيرتز وحدة قياس التردد)، إذا بدأ الجسم بالتحرك بعيدًا عنك وهو مازال يصدر نفس عدد الموجات بتردد واحد هيرتز، ستتسبب حركته بوجود مسافة أكبر بين كل موجة والأخرى. بالتالي عندما تأتي أنت لتقيس تردد هذا المصدر، ستجد أن عدد الموجات في الثانية أقل، وبهذا سيكون التردد أقل بسبب حركة الجسم المُصدر للموجة بعيدًا عنك.
ولكن لماذا يُسمَّى بالانزياح الأحمر؟

الضوء يُعتبر موجات كهرومغناطيسية، بالتالي له تردد. عندما يتحرك نجمٌ أو مجرة أو أي مصدرٍ للضوء بعيدًا عنَّا يصبح تردده أقل، وكما ذكرنا مسبقًا أن الضوء الأحمر هو أقل الترددات في الضوء المرئي، لذلك عندما نريد أن نقول أن نجمًا ما يبتعد عنا، نقول أن له انزياح أحمر في الطيف، أي أنه يبتعد عنا. وذلك هو ما يسمى بالانزياح الأحمر.

ويتم استخدام نفس هذه الطريقة في قياس سرعة السيارات، فهذه هي طريقة عمل الرادارات مع اختلافٍ بسيط. فهي تعمل على موجات الصوت الصادرة من السيارة، لا موجات الضوء. وتُسمَّى بتأثير دوبلر.[17]

اضغط هنا : شرح تأثير دوبلر
لم تكم المجرات تتحرك بعيدًا عنَّا فحسب، بل كانت سرعة ابتعادها عنَّا تتناسب طرديًا مع بُعدها عن مجرتنا. أي أنه كلما كانت المجرة أبعد، كلما كانت سرعتها أكبر.

ما هو التوسع وكيف له أن يكون في حالة تزايد مع زيادة المسافة؟

مثال بسيط للتوسع الكوني.

تَخيَّل كعكةً تم وضعها كي تنضج في الفرن. وتخيَّل أربع نقاط: أ، ب، ج، د على خطٍ واحد على سطح الكعكة والفرق بين كل نقطة هو 0 سم، أثناء انتفاخ الكعكة ستجد أن كل نقطة تبدأ بالابتعاد عن النقطة التي تليها بتسارعٍ معين، فلنقل إن ذلك التسارع كان 5 سم في الدقيقة. بعد دقيقةٍ واحدة ستجد أن الفرق بين كل نقطة والتي تليها هو 5 سم، ولكن إذا نظرت إلى الفرق بين أول نقطة أ وثالث نقطة ج، سيكون الفرق هو 10 سم. وبذلك سيكون التسارع الذي تم قياسه للنقطة ج من وجهة نظر الشخص الموجود بالنقطة أ هو 10سم كل دقيقة وليس 5. وكذلك إن نظر الموجود بالنقطة أ إلى ذاك بالنقطة د، سيجد أن تسارعه هو15 سم بالثانية. بهذا يكون التسارع في تزايد كلما ابتعد عن نقطة القياس.
انفجار كوني؟ أعطني دليلًا أو اصمت!

أليكساندر فريدمان. ذاك العبقري!

وضع فريدمان فرضيتين، كل واحدة أبسط من التي تسبقها. وهما أن الكون سيكون متطابقًا تمامًا عند النظر إليه في أي اتجاه. وأن أي مُشَاهَد في أي مكان في الكون ستنطبق عليه الفرضية السابقة.

ولكن أي شخصٍ طبيعي يرى أن هذا غير صحيح. وذلك لأنه عندما نرى الكون، لا يبدو أنه بنفس الشكل في جميع الاتجاهات، وإلّا ما كان هنالك مجرات مثل مجرتنا وأندروميدا ولكن نجومًا موزعةً بتساوٍ عبر الكون. ولكن إذا نظرت أيضًا إلى المجرات في الكون، ستجد أنها متشابهة إلى حدٍ ما في عدد النجوم الموجودة بها. بالتالي إذا نظرت إلى الكون بمنظورٍ كبير، ستجد أن فريدمان كان محقًا إلى حدِ ما.

أين الدليل في هذا؟!

في عام 1965م كان كلٌّ من «أرنو بنزياس» و«روبرت ويلسن» يختبران كاشفًا لموجات الراديو في غاية الحساسية. ووجدا أنه توجد ضوضاء وتشوش كبير يلتقطهما الكاشف بدون معرفة السبب. لم يعلم أيٌّ منهم ما سبب هذه الضوضاء لأنها لم تكن تأتي من مكانٍ معين، ولكن أتت من جميع الاتجاهات في نفس الوقت، وهذا معناه أنها تأتي من خارج الغلاف الجوي، وذلك لأنه إن كانت من داخل الغلاف الجوي لكانت اختلفت شدتها باختلاف الاتجاه الذي يتم تصويب الكاشف تجاهه.

وأيضًا لم تكن تلك الضوضاء من داخل نظامنا الشمسي أو حتى مجرتنا بسبب أن شدة الضوضاء كانت لتختلف مع اختلاف النهار والليل، ومكان الأرض أثناء دورانها حول الشمس، ومكان الشمس أثناء دورانها حول مركز المجرة.

ما اكتشفه بنزياس وويلسن كان هو بالتحديد ما توقعه جورج جامو وهو تلميذ فريدمان.

توقع جامو أن الكون كان ليصبح شديد الحرارة واللمعان في بدايته بسبب كم المادة الرهيب الذي كان يتواجد في مكانٍ متناهي الصغر.

ورجَّح اثنان من العلماء وهم: جيم بييبلز وبوب دايك، أنه نظرًا لتوسع الكون السريع سيكون مازال بإمكاننا رؤية هذا اللمعان الرهيب، ولكنه سيكون قد أثَّر عليه الانزياح الأحمر لدرجة أنَّه سيكون في حيز موجات الراديو.

وكان هذا بالفعل ما وجده بنزياس وويلسن. وتم إعطائهم جائزة نوبل لعام 1978م على هذا الاكتشاف. [18]

ولكن ما معنى كل هذا؟ لمعرفة الإجابة، انتظر مراحل (2)

 

إعداد: Mohamed S. El-Barbary

مراجعة: Mohamed Sayed Elgohary

 

المصادر:

.

[1]The Internet Classics Archive | On the Heavens by Aristotle [Internet]. [Cited 2016 Jul 19]. Available from: http://classics.mit.edu/Aristotle/heavens.html
[2]Riebeek H. Planetary Motion: The History of an Idea That Launched the Scientific Revolution : Feature Articles [Internet]. 2009 [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://earthobservatory.nasa.gov/Features/OrbitsHistory/

[3]Riebeek H. Planetary Motion: The History of an Idea That Launched the Scientific Revolution : Feature Articles [Internet]. 2009 [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://earthobservatory.nasa.gov/Features/OrbitsHistory/

Rabin S. Nicolaus Copernicus. In: Zalta EN, editor. The Stanford Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Fall 2015. 2015 [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://plato.stanford.edu/archives/fall2015/entries/copernicus/

[4]Galileo Galilei – 400 Years of Stellar Observations [Internet]. [Cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.nasa.gov/externalflash/galileo/

[5]Smith G. Newton’s <em>Philosophiae Naturalis Principia Mathematica</em>. In: Zalta EN, editor. The Stanford Encyclopedia of Philosophy [Internet]. Winter 2008. 2008 [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://plato.stanford.edu/archives/win2008/entries/newton-principia/

[6]The Shapley – Curtis Debate in 1920 [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://apod.nasa.gov/diamond_jubilee/debate_1920.html

The “Great Debate” of 1920 [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.nasonline.org/about-nas/history/archives/milestones-in-NAS-history/the-great-debate-of-1920.html?referrer=https://www.google.com.eg/

[7] NASA – Hubble Views the Star That Changed the Universe [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.nasa.gov/mission_pages/hubble/science/star-v1.html

1926ApJ….64..321H Page 321 [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://adsabs.harvard.edu/full/1926ApJ….64..321H

Cepheids [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://starchild.gsfc.nasa.gov/docs/StarChild/questions/cepheids.html

Henrietta Leavitt – Celebrating the Forgotten Astronomer | aavso.org [Internet]. [Cited 2016 Jul Available from: https://www.aavso.org/henrietta-leavitt-%E2%80%93-celebrating-forgotten-astronomer

Henrietta Swan Leavitt | American astronomer | Britannica.com [Internet]. [Cited 2016 Jul 19]. Available from: https://www.britannica.com/biography/Henrietta-Swan-Leavitt

[8]https://arxiv.org/pdf/1503.08304

Georges Lemaitre | Belgian astronomer | Britannica.com [Internet]. [Cited 2016 Jul 19]. Available from: https://www.britannica.com/biography/Georges-Lemaitre

hubblesite.org/pubinfo/pdf/2011/36/pdf.pdf

[9]1948MNRAS.108..252B Page 252 [Internet]. [Cited 2016 Jul 19]. Available from: http://adsabs.harvard.edu/full/1948MNRAS.108..252B

[10]Relativistic Cosmology [Internet]. [Cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.pitt.edu/~jdnorton/teaching/HPS_0410/chapters_2015_Jan_1/relativistic_cosmology/index.html

Castelvecchi D. Expansion of early Universe modelled in unprecedented detail. Nature [Internet]. 2016 Jun 24 [cited 2016 Jul 19]; Available from: http://www.nature.com/doifinder/10.1038/nature.2016.20152

[11] Newton I. Opticks : or, A treatise of the reflections, refractions, inflections and colours of light [Internet]. London : Printed for William Innys at the West-End of St. Paul’s; 1730 [cited 2016 Jul 19]. 420 p. Available from: http://archive.org/details/opticksortreatis1730newt

Opticks: Isaac Newton’s Theories of Light & Color . . . (1704) : HistoryofInformation.com [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.historyofinformation.com/expanded.php?id=2061

[12]Herschel Experiment to Discover Infrared [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.ipac.caltech.edu/outreach/Edu/Herschel/backyard.html

Herschel W. Experiments on the Refrangibility of the Invisible Rays of the Sun. By William Herschel, LL. D. F. R. S. Philosophical Transactions of the Royal Society of London Series I. 1800;90:284–92. Available from: http://adsabs.harvard.edu/abs/1800RSPT…90..284H

[13]Ritter Discovers Ultraviolet Light [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://coolcosmos.ipac.caltech.edu/cosmic_classroom/classroom_activities/ritter_bio.html

Barth J. [Johann Wilhelm Ritter (1776-1810) and the discovery of ultraviolet irradiation 185 years ago]. Hautarzt. 1987 May;38(5):301–3.

Johann Wilhelm Ritter | German physicist | Britannica.com [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: https://www.britannica.com/biography/Johann-Wilhelm-Ritter

[14]Kirchhoff G. Ueber die Fraunhofer’schen Linien. Ann Phys. 1860 Jan 1;185(1):148–50.

Wollaston WH. A Method of Examining Refractive and Dispersive Powers, by Prismatic Reflection. Phil Trans R Soc Lond. 1802 Jan 1;92:365–80. Available from: http://rstl.royalsocietypublishing.org/content/92/365.full.pdf+html

Shapiro AI, Solanki SK, Krivova NA, Tagirov RV, Schmutz WK. The role of the Fraunhofer lines in solar brightness variability. Astronomy and Astrophysics. 2015 Sep 1;581:A116.http://adsabs.harvard.edu/abs/2015A%26A…581A.116S

[15]Hubble E. A Relation between Distance and Radial Velocity among Extra-Galactic Nebulae. Proceedings of the National Academy of Science. 1929 Mar 1;15:168–73.http://adsabs.harvard.edu/abs/1929PNAS…15..168H

[16]Friedmann biography [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www-groups.dcs.st-and.ac.uk/~history/Biographies/Friedmann.html

www.giss.nasa.gov/staff/mway/EXP.pdf

[17]NASA – NASA Telescopes Spy Ultra-Distant Galaxy [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.nasa.gov/mission_pages/spitzer/news/spitzer20120919.html

Universe is Expanding [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://cosmictimes.gsfc.nasa.gov/online_edition/1929Cosmic/expanding.html

redshift | astronomy | Britannica.com [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: https://www.britannica.com/topic/redshift

[18]WMAP Big Bang CMB Test [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://map.gsfc.nasa.gov/universe/bb_tests_cmb.html

WMAP CMB images [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://wmap.gsfc.nasa.gov/resources/cmbimages.html

Cosmology: First light : Nature News & Comment [Internet]. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.nature.com/news/cosmology-first-light-1.15213

esa. Planck and the cosmic microwave background [Internet]. European Space Agency. [cited 2016 Jul 19]. Available from: http://www.esa.int/Our_Activities/Space_Science/Planck/Planck_and_the_cosmic_microwave_background

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي