مفارقة إبيلين: لماذا يخشى بعض الأشخاص الإفصاح عن آرائهم؟

14079978_881000452006550_5470249969768414390_n

مفارقة إبيلين
هل تخاف أن تقول رأيك لمجرد أنه قد يخالف رأي الجماعة ويزيد من الاعتراضات؟ هل خوفك من إحداث الضجيج جعلك جوابك «نعم» عندما كان جوابك الحقيقي «لا»؟ عليك أن تفكر من جديد، فربما وقعت في «مفارقة أبيلين»!
ماذا نقصد بمفارقة أبيلين؟ وإلى أي مدى قد تؤثر تلك المفارقة على القرارات؟
يُقصد بمفارقة أبيلين أن مجموعة من الأشخاص يتفقون على رأي معين لا يتفق غالبًا مع القرار الفردي لأفراد المجموعة، أي أننا نتفق علي شىء لا يرتضيه أي فرد في المجموعة، حيث يكون الاعتقاد السائد لدي الأفراد أن رأيه أو قراره يتعارض مع القرار النهائي للمجموعة، لذلك يفضِّل كل فرد أن يحتفظ برأيه تجنبًا لعدم إحداث المشاكل والضجيج.
صاغ الدكتور «هارفي» المصطلح لأول مرة في مقالته عام 1974م، «مفارقة أبيلين: إدارة الاتفاق»، ويأتي الاسم من قصة أوردها الدكتور هارفي لإلقاء الضوء على تلك المفارقة، لذلك دعونا نرى القصة التي ستُتيح لنا التعرف أكثر على مفارقة أبيلين:
«إنه وقت الظهيرة في شهر يوليو في مدينة كولمان تكساس، حيث درجة الحرارة مرتفعة بالإضافة إلى رياح تهب محملة بالأتربة، لكن مايزال الجو مقبولًا للقليل من المتعة؛ المروحة على الشرفة، وعصير الليمون البارد، والعائلة تلعب لعبة الدومينو.
ظل الوضع كما هو، حتى اقترح والد الزوجة الركوب في السيارة والانطلاق إلى «أبيلين»، فكر الزوج: أبيلين! 53 ميلًا في هذا الجو الحار المليء بالغبار، لكن الزوجة قطعت تفكيره وقالت: إنها فكرة رائعة أود أن أذهب، ما رأيك جيري؟
يرد الزوج رغم أنه لا يريد الذهاب: تبدو فكرة جيدة، لكن ماذا عن أمك؟ فترد أم الزوجة سريعًا: أنا لم أذهب إلى أبيلين منذ فترة طويلة؛ إنها فكرة رائعة.
ركبوا جميعًا السيارة، وسريعًا ما تحققت مخاوف الزوج؛ الجو حار، إضافة إلى طبقة غبار تلتصق بوجوههم بفضل العرق الذي يتصبب منهم حتى وصلوا إلى مطعم في أبيلين؛ لم يمكثوا طويلًا نحو أربع ساعات في الطريق ورجعوا إلى كولمان منهكين! ثم جلسوا في الشرفة والصمت يسود المكان إلى أن قرر الزوج أن يكسر حاجز الصمت فقال: لقد كانت رحلة عظيمة، أليس كذلك؟ لم يتحدث أحد حتى قررت والدة الزوجة أن ترد، فقالت: لنَقُل الحقيقة؛ كان من الأفضل البقاء في المنزل في هذا الجو، ولم أكن سأذهب لولا أنكم وافقتم أن تذهبوا؛ لم استمتع كثيرًا.
يرد الزوج مستنكرًا: أنا لست منهم؛ لم أكن أود الذهاب وفعلت ذلك لإرضائكم جميعًا، تنظر الزوجة مصدومة قائلة: أنا ذهبت برفقتكم لإبقائكم سعيدين، قد أكون مجنونة للرغبة في الذهاب خارجًا في حرارة الشمس هذه!
ويأتي رد صاحب الاقتراح- والد الزوجة- ليؤكد المفارقة، فقال: يا إلهي! أنا لم أكن أريد أن أذهب إلى أبيلين، أنا اقترحت ذلك لأنني ظننت أنكم تشعرون بالملل، وبعد موجة من الاتهامات جلسوا جميعًا في صمت وحيرة لأنهم قرروا معًا الذهاب في رحلة لم يرغب أحد منهم بها».
توفر لنا هذه القصة مُجملًا عن مفارقة أبيلين، وتبين لنا إلى أي مدى يمكن أن تؤثر على القرارات الجماعية في الشركات وغيرها من المنظمات التي تحتاج إلى اتفاق جماعي على القرارات؛ وتشبه مفارقة أبيلين إلى حد ما التفكير الجماعي، لكن يختلفان في عدة نقاط؛ في التفكير الجماعي الأفراد لايتصرفون على عكس رغباتهم ويشعرون بالرضا التام للقرارات التي وصلت إليها المجموعة، أما في مفارقة أبيلين الأفراد يتصرفون على عكس رغباتهم، لذلك يتكون عندهم شعور سلبي تجاه النتائج التي خرجت بناءً على القرارات المسبقة.
تعتبر فضيحة ووترجيت التي حدثت في السبعينات من أشهر الوقائع التي يتم الاستدال بها على مفارقة أبيلين، حيث قامت مجموعة كبيرة من الموظفين في إدارة الرئيس «ريتشارد نيكسون» بالاحتفاظ بآرائهم نتيجة الخوف من إثارة المتاعب، وقد صرح المسؤول عن الحملة الانتخابية للرئيس أنه كان يجب عليه أن يقف ويبدي اعتراضه على بعض القرارات، لكنه لم يفعل! وفي النهاية انتهى الأمر بنتائج مأساوية حيث استقال الرئيس نيكسون وعُزل بعض مساعديه، لمعرفة المزيد عن فضيحة ووترجيت هنا.
تُفسَّر هذه المفارقة في نظريات علم النفس الاجتماعي الخاصة بتأثير الجماعة على قرار الفرد الواحد أو ما نطلق عليه «الامتثال الاجتماعي»، حيث يتجنب الفرد مخالفة قرار الجماعة، ويمكننا أن نفسر ذلك السلوك الذي يحدث في مفارقة أبيلين تحت ظل ما يُسمي باضطراب قلق الانفصال «Separation anxiety disorder»، حيث يظهر التجنب والرفض والتردد وسلوك الأشخاص المعاكس لمحاولة تجنب وقوع الانفصال، لذلك يقرر كل فرد الاحتفاظ بقراراه بشكل شخصي أو سري تجنبًا للانفصال أو الخوف من عدم مواكبته للقرار النهائي أو الأوهام السلبيىة التي يتبناها وتجعله يحجب رأيه خوفًا من السخرية واللوم.
تضع المنظمات المعاصرة اليوم مفارقة أبيلين في عين الاعتبار، حيث أن المشكلة الأساسية المتمثلة في المنظمات ليس الصراع حول القرارات وإنما عدم القدرة على التعامل مع الاتفاق، حيث وُجد أن معظم الإجماع على قرارات المنظمات يكون إجماعًا زائفًا مما يضر بالمنظمات؛ لذلك تم اقتراح أسلوب جديد، فعندما يحين وقت اتخاذ القرار يسأل متخذي القرار بعضهم البعض: هل نحن ذاهبون إلى أبيلين؟ حتى يحددوا ما إذا كان قرارهم برغبة حقيقية من أعضاء المجموعة أم أنه مجرد نتيجة لهذا النوع من التفكير الجماعي.
تذكروا في المرة القادمة ألا تجعلوا أفراد فريقكم يذهبون إلى أبيلين 🙂 .

_____________________________________________________________
إعداد: Muhammed Mumtaz
مراجعة لغوية: Mohammad Marashdeh

مراجعة علمية: ماريا عبد المسيح
المصادر:
The Abilene paradox: The management of agreement Article by Jerry B. Harvey
http://www.rmastudies.org.nz/documents/AbileneParadoxJerryHarvey.pdf

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي