مفتاح الكون الخفي

fig-08-10-2018_20-29-02
المادة المظلمة|مفتاح الكون الخفي|مفتاح الكون الخفي|

تبدو لنا المجرات وما تحويها شيئًا ضخمًا، واكتشافات العلماء فيها دائمًا ما تكون محل انبهار، والنظريات التي تقوم بوصفها مليئةٌ بالمعلومات التي لا حصر لها. بالرغم من هذا كُله يُخفَى عنا حوالي 95% من أسرار الكون تتمثل في مادة مُظلِمة وطاقة مُظلِمة.
فمِن بين أكثر أسرار الكون غرابة: المادة المُظلِمة، وجهود العلماء في محاولة الكشف عن هذا السر لا تُقدّر بثمن، منذ وضع نظريتها، إلى محاولة الكشف عن الجسيمات المُكوِّنة لها. الذي بدوره يقودنا إلى استنتاجات ونظريات أُخرى لحل لغز الكون الخفي.

ولادة الفِكرة

تحتوي مجرتنا “درب التبَّانَة” على ما يقرب من 300 بليون نجم. تدور تلك النجوم حول مركز المَجرَّة وتُمنَع من الانفلات عن طريق مساواة قوة الطرد المركزية لقوة الجاذبية. فكلما دارت النجوم بسرعة أكبر؛ كلما احتاجت جاذبية أكبر لتبقى متماسكة في هذا القُرص الدّوَراني وبالتالي كتلة أكبر -قانون الجذب العام لنيوتن- (1). كما الحال في لعبة الدوران بين شخصين، فعندما يدوران بسرعة كبيرة يحتَّاج الطَّرفَان إلى جاذبيّة أكبر حتى لا ينفلتان ويقعان، “أيّ كتلة أكبر”.

 

مفتاح الكون الخفي

في عام 1930 ميلاديًّا، لاحظ العالِم (فريتز زويكى-Fritz Zwicky) شيئًا مختلفًا عندما كان يراقِب (عنقود مجري-Coma Cluster) – المئات من المجرات المترابطة –  وبالنظر إلى سرعة المجرّة، تَوَصَل لمقدار الكتلة التي يجب تواجدها في تلك المجرّة، وقارنها بالكتلة التي يراها فعلًا، واستنتج أن هناك كتلة مفقودة أكبر أربع مائة مرة من الكتلة التي رآها. لكن تم تجاهُل الفكرة حتى مجيء عالِمة الفلك (فيرا روبين-Vera Rubin) في منتصف عام 1970 ميلاديًا والتي رصدت نجوم موجودة في أطراف المجرة تتحرك بسرعة مساوية لتلك الموجودة في المنتصف وهذا ليس من المُفترض أن يحدث (2).
هذا يقودنا لتفسيرين؛ إما أن الجاذبية أغرب مما تصوّرنا، أو أن هناك كتلة ما مفقودة -أو بمعنى أوضح خفية- تعمل على تماسك النجوم وتمنعها من الانفلات بوجود تلك السرعات الكبيرة. وسُمِّيَت تلك المادة بالمادة المُظلِمة -وُجِدَ من خصائِصها أنها لا تمتص ولا تشع ضوء، مظلمة تمامًا – ومنذ ذلك الحين أكَّدَت عمليات رصد فلكية أخرى تلك الفكرة وأعطت دلائل على صحتها.

الدليلان الأكثر انتشارًا على وجود المادة المظلمة

عدسة الجاذبية

 

تَعمل المجرات هائلة الكتلة على انحناء الضوء المار بالقرب منها، عن طريق تشويه نسيج الزمكان -نسيج مُتَنَاسِق من الأبعاد المكانِيّة الثلاث هم الطول، العرض، الارتفاع وبُعّد رابع وهمي غير ملموس هو الزمن- فمثلًا، ينتقل الضوء من المجرات البعيدة حتى يصل إلينا، وأثناء مروره ينحني عندما يجد تشوّه في نسيج الزمكان -الذي سببته المجرة الكبيرة- وبهذا نرصد كتلة المجرة الكبيرة ونقارنها بكتلتها التي نراها فعلًا. فنجد اختلاف في الكتل؛ مما يعني وجود كتلة مفقودة لا نراها وهي المادة المُظلِمة (3).
نلتقِط نحن عدة صور للمجرات البعيدة وعادة ما تكون تلك الصور مُختلّة بعض الشيء لأنحراف الضوء القادم إلينا منها.

مُنحَنَى الدوران

الطريقة التي تختلف بها السرعات مع نصف قطر المجرة تعكس توزيع الكتلة في المجرة. ​​تتركز معظم الكتلة في مركز المجرة، ومن المعروف أن السرعة تنخفض مع الجذر التربيعي لنصف القطر -تبعًا لقانون السرعة المدارية-. لكن وُجِدَ أن مُنحنى دوران المجرة هو مُنحنَى دوران مسطح -أي المُنحنى الذي تكون فيه السرعة ثابتة على مدى ما من نصف القطر- ومعناه أن الكتلة لا تزال تتزايد خطيًا مع نصف القطر، لكننا لا نرى تلك الزيادة. لذلك، فإن منحنيات الدوران للمجرات تُمثِّل دليلًا قويًّا على وجود المادة المُظلِمة (4).

مفتاح الكون الخفي

جُسيّمَات WIMPS المُرَشَح الأقوى لتكوين المادة المظلمة

بعد رصد العلماء لدلائل وجود المادة المُظلِمة، بقي لدينا معرفة طبيعتها والجسيمات المُكوِّنة لها، فكانت جسيمات (WIMPS) هي المُرَشَح الأقوى لتكوين تلك المادة؛ لأنها جُسيّمات فائقة الكتلة وضعيفة التفاعل، ولأن العلماء وجدوا أن عدد اﻟﻨﻈﻴﺮ ﺍﻟﻔﺎﺋﻖ ﺍﻷﺧﻒ لجسيمات (WIMPS)  ﻳُﻄﺎﺑِﻖ تقريبًا ﻛﻤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺍﻟﻤُﻈﻠِﻤﺔ ﺍلتي رُصِدَت -كل جُسيم أساسي لديه نظير فائق- (5). وسُمِّي هذا التطابق بمعجزة جزيئات (WIMPS).

المادة المُظلِمة هي شبح يُطارد العلماء، لا نعرف عنها سوى تأثيرها على الكون، لم تُرصَد حتى الآن الجسيمات المُكوِنة لها، لا تمتص أو تشع ضوء. المادة المُظلِمة هي مُفتاح الكون الخفي، إذا استطعنا إيجاد المُفتاح سوف يَكشِف هذا عن الكثير من التساؤلات وربما يُغيّر مفهومنا عن الكون كله.

 

إعداد: شيماء أحمد

مراجعة: أسماء مسعود

تدقيق لغوي: مي محسن

المصادر:

1) Heymans, Catherine, The dark universe, 2017,IOP publishing

2) https://www.symmetrymagazine.org/article/december-2013/four-things-you-might-not-know-about-dark-matter

3)  https://www.quantumdiaries.org/2013/06/26/does-dark-matter-really-exist/

4)  http://hosting.astro.cornell.edu/academics/courses/astro201/rotation_curves.htm

5)  https://www.symmetrymagazine.org/article/july-2015/miraculous-wimps

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي