مقدمة في الموصلات الفائقة (الجزء 1)

meissner-effect-superconducting-levitation-magnet-640x353

مقدّمة في الموصلات الفائقة – Superconductors (الجزء 1)

نعلم جميعاً أنّ سريان تيار كهربائيّ في أيّ سلكٍ موصل يواجه (مقاومة – resistance) من هذا السلك تُعيق حركة الإلكترونات فيه، وتتناسب المقاومة طردياً مع درجة الحرارة. ومع انخفاض درجة الحرارة تقلّ المقاومة تدريجيّاً حتى نصل إلى درجة حرارة معيّنة تُسمّى (درجة الحرارة الحرجة – Critical Temperature) التي تنعدم عندها مقاومة الموصل بشكلٍ تامّ، ويسير التيار الكهربائي في هذا الموصل دون أيِّ مقاومةٍ تعيق حركته، ويُسمّى الموصل في هذه الحالة بـ (الموصِل الفائق – superconductor).

وهو ما سنتحدّث عنه بشيءٍ من التفصيل.

  

الموصلات الفائقة.. تاريخ من البحث العلميّ

يُعتبر اكتشاف الموصلات الفائقة واحداً من الاكتشافات العظيمة في القرن العشرين؛ ليس لأنّنا لم نتوصل لأقصى ما يمكن فعله بواسطتها فحسب، بل لأنّ النظريات التي تفسّر سلوك الموصلات الفائقة ما تزال قيد المراجعة المستمرّة حتى الآن.

تمّت ملاحظة الموصلية الفائقة للمرة الأولى في الزئبق عام 1911 من قِبل الفيزيائيّ الهولنديّ (هايك كامرلينغ أونس – Heike Kamerlingh Onnes) من جامعه ليدن، فقد قام بتبريد الزئبق إلى درجة حرارة الهيليوم السائل (4 درجات كلفن)، ممّا أدّى إلى اختفاء مقاومته فجأةً. ولاحقاً في عام 1913 فاز أونس بجائزة نوبل في الفيزياء لأبحاثه في هذا المجال.

نعرف جميعاً أنّه إذا تحرّك مغناطيس بجوار سلكٍ موصل فإنّ المجال المغناطيسيّ سيؤدي إلى سريان تيار كهربائي مُستحثّ فيه، وهو ما يُعرف بالحثّ المغناطيسي (يُعتبر المبدأ الذي تعمل على أساسه المولّدات الكهربائية).
لكن في عام 1933 حدثت النقلة التالية الكبرى في فهمنا كيفيّة تصرّف المادة في درجات الحرارة المنخفضة، فقد قام الباحثان الألمانيّان (فالتر ميزنر – walther meissner) و(روبرت اوشسينفيلد – Robert Ochsenfeld) باكتشاف أنّ المواد فائقة التوصيل تقوم بصدّ أيّ مجال مغناطيسيّ يُطبَّق عليها، إذ تقوم التيارات المُستحثّة بصدّ المجال المغناطيسي الذي من شأنه أن يخترق المادة فائقة التوصيل، وهذا ما عُرف بـ(تأثير ميزنر – Meissner effect) الذي يكون في بعض الأحيان قوياً جداً لدرجة أنْ يؤدّي التنافرُ بين المغناطيس والمجال المغناطيسيّ الناشئ عن تيار الموصل الفائق إلى رفع وتعليق المغناطيس في الهواء.

وفي عام 1957 تمّ تقديم أوّل نظرية علمية مقبولة على نطاق واسع للموصلية الفائقة من قبل الفيزيائيّين الأمريكيّين (جون باردين -John Bardeen ) و(ليون كوبر- Leon N. Cooper) و(جون شريفر – John Robert Schrieffer)، والتي أصبحت تُعرف باسم نظريّة BCS (التسمية مُستمدّة من الحرف الأول للاسم الأخير لكلّ عالمٍ منهم)، وقد فازوا عنها بجائزة نوبل في الفيزياء في عام 1972.
أوضحت النظرية المعقدّة رياضياً آلية التوصيل في الموصلات الفائقة عند درجات الحرارة القريبة من الصفر المطلق للعناصر والسبائك البسيطة، فهي تشير إلى أنّ الالكترونات في المواد فائقة التوصيل تسير في أزواج تُسمّى (أزواج كوبر – Cooper pairs) من أجل مساعدة بعضها البعض -مجازاً- في التغلّب على المعاوقة الجزيئية. لكن أصبحت النظريّة في وقتٍ لاحقٍ غير كافية لشرحٍ كاملٍ لآليّة التوصيل الفائق في درجات الحرارة العالية.

 محطّةٌ أخرى هامّة في فهمنا للموصلات الفائقة كانت عام 1962 عندما جاء (براين جوزيفسون – Brian D. Josephson) طالب الدراسات العليا في جامعة كامبريدج، وتوقّع أنه عند تلامس موصلَين فائقَين فإنّه يمرّ بينهما تيارٌ فائق حتى لو كان بينهما عازل، وقد فاز بعد تأكيد توقّعاته لاحقاً بحصّة من جائزة نوبل عام 1973 في الفيزياء.
تُعرف اليوم هذه الظاهرة باسم (تأثير جوزيفسون – Josephson effect)، وقد تمّ تطبيقها في العديد من الأجهزه الالكترونيّة مثل SQUID، وهو أداةٌ قادرة على كشف المجالات المغناطيسيّة بالغة الصّغر.

ثمّ توالت الأبحاث في الربع الأخير من القرن الماضي في محاولة تصنيع مواد فائقة التوصيل في درجات حرارة عالية نسبياً للاستفادة منها في نطاقٍ أكبر من التطبيقات.

 

أنواع المواد فائقة التوصيل

سبق أنْ ذكرنا أنّه عند مرور تيار كهربائي في موصل فائق فإنّه لا يعاني أيَّ مقاومةٍ تُذكر، وبالتالي يمكن نظريّاً أن ينمو هذا التيار -ومعه المجال المغناطيسيّ المصاحب- دون حدود. لكن وُجِد أنّه إذا بلغ المجال المغناطيسيّ حدّاً معيناً فإنّ خاصية الموصلية الفائقة في الموصل تختفي بشكل تامّ، ويسمّى هذا الحد بـ(المجال الحرج -critical magnetic fields Hc)، وتُعرف المواد من هذا النوع بمواد النوع الأوّل.
تتكوّن فئة النوع الأول من المعادن والفلزّات التي تكوّن موصلات كهربائية جيدة في درجة حرارة الغرفة، وهي تتطلّب درجات حرارة منخفضة جداً لإبطاء الاهتزازات الجزيئية بما فيه الكفاية لتسهيل تدفّق الإلكترونات دون عائق.

وأمّا النوع الثاني فلم يتمّ فهم سلوك مواده بشكل كامل إلا بعد اكتشاف (تأثير ميزنر)، فمواد النوع الثاني تختلف عن النوع الأول في أنّ انتقالها من الحالة فائقة التوصيل إلى الحالة العادية يكون تدريجيّاً عبر منطقةٍ تُسمّى (المنطقة المختلطة – mixed state)، إذ إنّ هذه المواد تملك مجالَين حرجَين Hc1,Hc2. وتتألّف هذه المواد من المركّبات المعدنيّة والسبائك، كما أنّ درجة حرارتها الحرجة تكون أعلى من درجة الحرارة الحرجة للنوع الأول.

 

لكن يبقى السؤال: كيف يمكن أن نستفيدَ من الموصلات الفائقة؟ ما هي تطبيقاتها الحالية؟ وماذا ننتظرُ منها مستقبلاً؟
في المقال التالي سوف نحاول الإجابة عن بعض هذه التساؤلات.

 

 

ترجمة: محمد يوسف
تدقيق لغوي: رؤى زيات
تحرير: نسمة محمود

المصدر 

 

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي