تلهث في أحد شوارع القاهرة المزدحمة في منتصف ظهيرة أحد أيام شهر (يونيو/ حزيران) بعد يوم شاق في إحدى المصالح الحكومية المملوءة بالأجسام البشرية المتصبّبة بالعرق؛ يصرخ حلقومك من العطش ويملئ وجهك العرق في محاولة بائسة من جسمك لتبريده والتخفيف من درجة حرارته، تنظر ذات اليمين وذات الشمال باحثًا عن مصدر للمياه يُثلج قلبك وداخلك؛ تلمح من بعيد في أفق لا نهاية له عن مبرّد مياه يبدو من ظاهره أنه يعمل؛ تلمع عيناك وتجري بسرعة تضاهي سرعة ( فلاش) من عالم (DC) للكتب المصوّرة؛ تملأ الكوب إلى حافته وتستمتع بمرور المياه إلى جهازك الهضمي في شعور لا نهاية له من الانتعاش، وعندها تبدأ الأسئلة التي لا تُريحك حتى تجد إجابتها؛ من أين أتت تلك المياه؟ وما الذي حدث لها في الطريق إلي؟ هل هي صالحة للشرب أم أنها ستؤذيني؟ كل هذه الأسئلة وأكثر ستجد إجابتها في هذه السلسلة عن المياه، ولعلنا نبدأ في هذا المقال بالإجابة على السؤال الأول.
التوزيع العالمي
تتواجد المياه في أماكن عدة على وأسفل سطح هذا الكوكب؛ ولكن تُشكل المياه العذبة أقل من (1%) من إجمالي هذه الكمية، حيث تتواجد (1.4) مليار متر مكعب من المياه على هذا الكوكب في المحيطات والأنهار المتجمدة والكتل الثلجيّة الصلبة في القطبين؛ والتي تحتوي على (35 جم/ لتر) من المعادن المذابة مما يجعلها غير صالحة للشرب أو الزراعة أو حتى الاستخدامات الصناعيّة، حيث يجب أن تترواح كمية المعادن المذابة في المياه ( 3 جم/ لتر)، ولكن للأسف لا تتوافر هذه النوعية من المياه بشكل كامل ولا تتوزع بصورة موحدة في جميع أنحاء العالم؛ مما يؤدي إلى ندرة المياه والاقتصاد في استخدامها في بعض المجتمعات.
دورة المياه
مدعومةً بالطاقة الشمسيّة الهائلة وقوة الجاذبيّة؛ تتواجد المياه دائمًا كجزء من دائرة مستمرة تسمى ( دورة المياه-Hydrologic cycle) والتي تتبخر فيها المياه من المحيطات والمسطحات المائية المختلفة إلى الغلاف الجوي حيث يتم الاحتفاظ بها فترة في تلك الصورة البخاريّة لحين هطولها على هيئة أمطار، وعندما يتجاوز معدل سقوط تلك الأمطار تتسرب المياه إلى سطح الأرض خلال التربة أو التبخر أو حتى استهلاك النباتات لها؛ تتشكّل معظم المسطحات المائيّة كالأنهار والبحيرات والجداول وغيرها، بعض تلك المياه تتسرّب خلال التربة داخل سطح الأرض مشكلة بفعل الجاذبية مشكّلة للمياه الجوفيّة، وعند المناطق المنخفضة تظهر الينابيع والجداول مما يؤول بتلك الكمية من المياه إلى المحيطات حيث تتبخر وتُعاد مثل تلك الدورة مرة أخرى.
مصادر المياه
تتواجد مصادر المياه في العديد من الصور، ننجزها في مقالنا هذا بنوعين:
أ- المياه الجوفيّة: هي المياه التي تتكون داخل سطح الأرض؛ حيث تشغل كل الفراغات الموجودة في التربة والطبقات الأرضية المختلفة، يطلق عليها أيضًا (مياه تحت سطحية-Subsurface water) لتميزها عن المسطحات المائية الكبرى كالمحيطات والبحار وغيرها، وتحدث نتيجة تشبّع الطبقات العليا من التربة بالماء وتسربها بين الثغرات الموجودة في الأرض.
ب- المياه السطحيّة: هي كل المساحات الأرضية التي تساهم في تجمع المياه في تيار أو نهر أو بحيرة، ويطلق عليها اسم (منطقة تجمع-Catchment area) أو (مستجمعات مائية-Drainage basin)، وتعتمد تلك المسطّحات على حجم المياه المتساقطة من الأمطار وحجم المستجمع المائي نفسه ومدى انخفاضه ونوع التربة ونوعية الأرض المجمعة للمياه.
مشاكل تواجهنا: (25%) من السكان في العالم سيواجهون كارثة مياه
خلال المئة عام المنصرمة؛ زاد الاستهلاك المائي الضعف بالتوازي مع نقص امدادت المياه، وقد تواجه بعض الدول على سطح الأرض (كإسرائيل وقطر ولبنان في الشرق الأوسط) أزمة تلوح في الأفق، ومع مرور عام (2017م) ستواجه أكثر من (17) دولة في جميع أنحاء العالم خطر يهيم في الأجواء يسمى (الإجهاد المائي-water stress) وذلك وفقًا للبيانات الصادرة من (معهد الموارد العالميّةWorld Resources Institute- (WRI .
هذا التقرير الذي يحوي في مضمونه أن ما يقارب من ربع سكان العالم (1.7 مليار نسمة) يعيشون في مناطق تستهلك فيها الصناعة والزراعة ما يقارب ال(80%) من إمدادات المياه كل عام، ومع مثل هذا الاستهلاك فإنّ موجة جفاف صغيرة قد تكون كافية لإحداث أزمة.
اكشاف يلوح بالأفق
اكتشف العلماء كمية كبيرة من المياه العذبة على بعد عدة كيلومترات من مياه البحر، والتي قد تشكّل حلًا لمشكلة المياه العالمية السالف ذكرها، حيث كشفت الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة (نيتشر Nature ) العالمية أن ما يقدر بنحو نصف مليون متر مكعب من المياه منخفضة الملوحة مدفونة تحت قاع البحر نفسه بالقرب من المنحدرات القارية كتلك الموجودة بالقرب من العديد من المدن والدول الساحلية كأستراليا والصين وأمريكا الشمالية وجنوب أفريقيا، ويقول (د .فانت بوست Dr Vincent Post) من (المركز القومي لبحوث المياه الجوفيّة والتدريب-the National Centre for Groundwater Research and Training ) (NCGRT ): «إنّ حجم هذا المورد المائي أكبر بمائة مرة من كمية المياه التي استخرجناها من سطح الأرض في القرن الماضي منذ 1900م».
كتابة وترجمة: Ahmed Fahmy
مراجعة لغوية: رنا السعدني.
تحرير: هدير جابر.
المصادر:
1-
water supply system — Britannica School [Internet]. [cited 2019 Nov 23]. Available from: https://school.eb.co.uk/levels/advanced/article/water-supply-system/76242
2-
groundwater — Britannica School [Internet]. [cited 2019 Nov 23]. Available from: https://school.eb.co.uk/levels/advanced/article/groundwater/38222