من الإبرة للصاروخ، ما الذي يقف وراء كل هذه التكنولوجيا؟

تاريخ موجز لتطوّر هندسة وعلوم الموادّ

لقد ارتبط تاريخ الحضارة عبر العصور بمدى قدرة البشر على استغلال كافة الموارد المتاحة، فعندما استطاع الإنسان تطويع الأحجار والأخشاب والجلود والموادّ الطبيعية الأساسيّة الموجودة حوله كان العصر الحجري، وحينما ازدادت احتياجاته كان عليه استكشاف الطبيعة بحثًا عن موارد تستطيع تلبيتها فكانت بدايات استخلاص بعض المعادن الهامة من خاماتها بطرق بدائيّة وكان العصر البرونزي، ومواكبة التطوّر توصل الباحثون لعدّة نتائج هامّة تتلخص في اكتشاف طرق جديدة ذات فعاليّة أكبر لاستخلاص الكثير من المعادن الجديدة وكذلك تأثير عمليات المعالجة الحراريّة المختلفة وعمليات السباكة وإضافة ذرات عناصر غريبة إلى هذه العناصر النقيّة على خواص الموادّ الناتجة وبالتالي شكل الحاضر والمستقبل على مرّ العصور.
ويرجع الفضل في ذلك كله إلى علوم وهندسة الموادّ والأبحاث المستمرة الرامية لتحسين خواص الموادّ المستخدمة وزيادة كفائتها، وكذا استكشاف موادّ جديدة بخواص جديدة تسمح بمواكبة احتياجات البشريّة الآخذة في التصاعد، والعجيب في الأمر أنه كلما استطاع الإنسان التغلب على مشكلة ما بتحسين خواص الموادّ أو حتى اكتشاف موادّ جديدة ظهرت مشاكل أعمق في طرق استخدامها المختلفة تستدعي إيجاد حلول.

يهتم علم الموادّ بالبحث في خواص الموادّ المختلفة كقدرة المادّة على مقاومة التآكل والتعريّة بفعل العوامل الجويّة أو حتى الناتجة عن الشغل الميكانيكيّ، وقابليتها للطَرْق والسحب والتشكيل ومقاومة الصدمات وغيرها، وكذلك يهتم بمحاولة توظيف الموادّ لحل مشكلات حالية أو مستقبليّة أو أداء وظيفة معينة، بينما تهتم هندسة الموادّ بهندسة وتصميم التركيب البللوري للمادّة على المستوى الميكروسكوبيّ، وتخليق خواص جديدة لم تكن موجودة من قبل بالإضافة لتحسين خواصها الحالية. [1]

التصنيفات المختلفة للموادّ الهندسيّة

وبالحديث عن هندسة الموادّ، يتسع الحديث ليشمل الكثير من عمليات تشكيل الموادّ المختلفة بدايةً من تطعيم البللورات لتكوين الترانزستور، مرورًا بعمليّات السباكة والتشكيل التي نراها في حياتنا اليوميّة سواء في هواتفنا النقالة أو أجهزتنا اللوحيّة أو حتى وسائل مواصلاتنا، ووصولًا للصناعات الكبيرة المعقدة كبناء سفن الفضاء والأقمار الصناعيّة وغيرها.

وقد ظلّت هندسة الموادّ حتى وقت غير بعيد مقتصرة على دراسة طرق استخلاص الفلزات من خاماتها وتجهيزها للاستخدام الصناعي، ولم تتجاوز هذه الحدود إلا في نطاق ضيق جدًا كتشكيل هذه الموادّ بالطرق الميكانيكيّة أو الحراريّة. وبتطوّر العلوم واتساع نطاق استخدامها في المجالات المختلفة في القرنين الماضي والحالي تطور هذا العلم تبعًا لذلك حتى أصبح يشمل فروعًا عديدة، وبصفة عامة يمكن تصنيف الموادّ الهندسيّة نوعيًّا إلى موادّ فلزيّة أو معدنيّة وموادّ لا فلزيّة أو غير معدنيّة.

وتنقسم الموادّ الفلزيّة إلى موادّ فلزيّة حديدية كالحديد وسبائكه، وموادّ فلزيّة غير حديدية كالنحاس والألومنيوم والزنك والنيكل والقصدير والكروم والفضة والذهب وغيرها بالإضافة إلى سبائكها.

وتنقسم الموادّ غير المعدنيّة إلى موادّ عضويّة وغير عضويّة، وتتميز الموادّ العضويّة باحتوائها في تكوينها على خلايا حيوانيّة أو نباتيّة سواء كانت حية أو ميتة أو كربون، مثل الجلود والأخشاب والورق والمطاط والبوليمرات وغيرها، بينما لا تحتوي الموادّ غير العضويّة على كربون بداخلها ومن أهم أمثلتها الأسمنت والخزف والزجاج ومنتجات التعدين.

كما يمكن تصنيف الموادّ الهندسيّة تكنولوجيًّا اعتمادًا على خواصها المختلفة كالكثافة ونقطة الانصهار ومقاومتها للتآكل الكيميائيّ وقابلية التشكيل واللدونة وغيرها، أو تصنيفها تبعًا لمصدرها وصور تواجدها في الطبيعة إلى موادّ ذات مصادر متجدّدة منها الحيوانيّة والنباتيّة أو موادّ ذات مصادر غير متجدّدة تعدينيّة كالصلب والغازات الخفيفة أو إلى موادّ لدائنيّة تُنتج بطرق صناعيّة في الكثير من الأحيان. [2]

كيف سيبدو العالم في المستقبل القادم؟!

وبالنظر للتطوّر السريع الحادث في مجاليّ هندسة وعلوم الموادّ، نستطيع التنبؤ بثورة تكنولوجيّة قادمة في القريب العاجل توحي ملامحها بقدرة الإنسان على التلاعب في بنية الموادّ الموجودة للوصول لمدارك كان يستحيل الوصول إليها من قبل كإيجاد مصادر طاقة بديلة من الهيدروجين وكذلك تخزينها لحين الحاجة أو صناعة بطاريات من الليثيوم ذات كفاءة عالية أو حتى صناعة سبائك تستطيع تذكر شكلها أو موادّ تستطيع إصلاح عيوبها ذاتيًّا.

 

شارك المقال:

تواصل معنا

«الباحثون المصريون» هي مبادرة علمية تطوعية تم تدشينها في 4/8/2014، بهدف إثراء المحتوى العلمي العربي، وتسهيل نقل المواد والأخبار العلمية للمهتمين بها من المصريين والعرب،

تابعنا على منصات التواصل الإجتماعي